علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

الرجل الذي كسب احترام المصريين

هناك مثل مصري عامي عن شخص تحمل مسؤولية مهمة ثقيلة، يقول «فلان الذي شال الليلة» أي تحمل عبئها، وهو مثال ينطبق على الرئيس المؤقت عدلي منصور الذي سيكون قد أكمل تقريبا نحو سنة في أعلى منصب تنفيذي بمصر عندما يسلم السلطة إلى الرئيس المنتخب وفقا لخارطة الطريق المتفق عليها بعد الانتخابات المقرر أن تجري في مايو (أيار) المقبل.
تحمل منصور عبء المسؤولية يوم 4 يوليو (تموز) الماضي، بعد المظاهرات الشعبية التي جرت في 30 يونيو (حزيران) وأدت إلى إسقاط حكم الإخوان، وكانت فترة عصيبة، المسؤولية فيها ثقيلة، وكثيرون يهربون منها حتى لا يدفعوا تكلفة قرارات صعبة، والمواجهات في الشوارع عنيفة، وضغط الرأي العام وتوقعاته كبيرة بعد الخروج الجماهيري في 30 يونيو، وجهاز الدولة ومؤسساتها على حافة الانهيار بعد ما تعرضت له خلال الفترة السابقة منذ 25 يناير (كانون الثاني) 2011.
بالطبع لم يكن منصور وحده، فكانت هناك الحكومة الأولى التي تشكلت بعد أداء اليمين كرئيس، وتحملت هي الأخرى مسؤولية صعبة في ظروف دقيقة، إضافة إلى شخصيات أخرى لعبت دورا مهما في الفترة الانتقالية ورسمت خارطة الطريق، مرورا بإعداد الدستور ثم التهيئة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجرى، لكن الرجل كان في الواجهة باعتباره صاحب أرفع منصب في البلاد. صحيح أن الجيش عمليا كان الضامن والعمود الفقري لحماية جهاز الدولة خلال تلك الفترة الصعبة، لكن عبور المرحلة لم يكن ممكنا من دون رئيس.
جاء منصور من القضاء، وبالتحديد من المحكمة الدستورية العليا التي كانت تحت ضغوط شديدة خلال فترة حكم الرئيس السابق مرسي، وتعرضت للحصار أكثر من مرة في مشهد مستهجن، ولم يكن معظم المصريين يعرفونه، فهو لم يكن رجل سياسة أو شخصية معروفة في الأحداث العامة خارج نطاق دوائر القضاء والقانون، لكنه كان الاختيار الأوقع والأنسب لإدارة المرحلة الانتقالية باعتبار أن الدساتير السابقة تضع شخص رئيس المحكمة الدستورية العليا تراتبيا في المرتبة الثالثة بعد رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، ووقتها لم يكن هناك برلمان أو رئيس له.
خلال شهور قليلة كسب منصور احترام الكثير من المصريين بأدائه وخطاباته الرصينة القصيرة، وحسب ما كان ينقل عن حضور الاجتماعات التي كان يعقدها مع القوى السياسية والأحزاب لإعداد خارطة الطريق أو استمزاج الآراء حول الخطوات المقبلة، وكان ذلك على هوى المجتمع الذي كان يريد إعادة الهيبة والرصانة إلى منصب الرئيس الذي يمثل البلاد بعد أداء هزلي في فترة العام السابق التي خيمت عليها شكوك كثيرة حول هوية صاحب القرار الحقيقي؛ الرئيس أو مكتب الإرشاد، وتخللتها انتقادات وغضب مجتمعي من تفضيل جماعة وإقصاء آخرين عن الشأن العام.
لم تكن مهمة سهلة، فالمجتمع كان ولا يزال يفور، وهناك حالة سيولة، واستقطاب شديد لم تنجح معه محاولات التهدئة أو استيعاب الجميع في الصيغة الجديدة الانتقالية، واختارت قيادات الجماعة السابقة التي كانت في الحكم العنف في محاولة لفرض إرادة معينة، وكان لا بد من التوازن بين متطلبات محاربة العنف، وعبور مرحلة انتقالية صعبة، وطمأنة مجتمع إلى مطالبه في التغيير وعدم العودة إلى أوضاع سابقة على 2011 محفوظة.
لم تنتهِ هذه المرحلة الانتقالية، فلا يزال باقيا الربع الأخير منها الذي دخل حيز التطبيق بفتح الباب لمرشحي الرئاسة لخوض الانتخابات، وستتلوها انتخابات برلمانية يتعين خوضها، لكن يمكن القول إن المرحلة الأصعب جرى عبورها، ومن الأهمية التنويه بالمسؤولية التي تحملها الرئيس المؤقت عدلي منصور وهو يعرف أن عليه أن يتحمل عبء أن يكون في الواجهة في سفينة تتعرض إلى رياح عاتية كرئيس انتقالي من دون طموحات فترات ثانية ليسلمها بعد فترة محددة إلى الرئيس الذي سيختاره الناس.