إيران تجند محبطين أفغانًا بالسر للحرب في سوريا

صحيفة بريطانية التقت وكيل سفر كان الصلة بين المجندين والسفارة الإيرانية

تشييع مقاتل أفغاني.. ويقول متابعون إن الحرس الثوري الإيراني يستخدم المقاتلين الشيعة الأفغان دروعا بشرية في سوريا (وكالة ايرنا الإيرانية)
تشييع مقاتل أفغاني.. ويقول متابعون إن الحرس الثوري الإيراني يستخدم المقاتلين الشيعة الأفغان دروعا بشرية في سوريا (وكالة ايرنا الإيرانية)
TT

إيران تجند محبطين أفغانًا بالسر للحرب في سوريا

تشييع مقاتل أفغاني.. ويقول متابعون إن الحرس الثوري الإيراني يستخدم المقاتلين الشيعة الأفغان دروعا بشرية في سوريا (وكالة ايرنا الإيرانية)
تشييع مقاتل أفغاني.. ويقول متابعون إن الحرس الثوري الإيراني يستخدم المقاتلين الشيعة الأفغان دروعا بشرية في سوريا (وكالة ايرنا الإيرانية)

تقوم إيران سرا بتجنيد مئات من الأفغان الشيعة لإرسالهم للقتال في صفوف قوت الرئيس بشار الأسد وإبعادهم عن الصراع الدائر في بلدهم للانخراط في صراعات تدور في بلد آخر لا تلعب فيه بلادهم أي دور رسمي. وكشف تحقيق أجرته صحيفة بريطانية في أفغانستان، أن غالبية الجنود الأفغان الذين يحاربون في سوريا يعانون من العوز، ويتصفون بالالتزام الديني، وبعضهم منبوذ من المجتمع ويبحث عن المال والقبول الاجتماعي وتحقيق الذات، وكلها أمنيات فشلوا في تحقيقها في بلادهم.
وإذا كان قد جرى سابقا توثيق عمليات التجنيد التي تتولاها إيران للمهاجرين واللاجئين الأفغان داخل حدود إيران، بيد أن نشاطات إيرانية مشابهة تتم داخل الأراضي الأفغانية لم توثق في تقارير في السابق.
وأنكر مصدر في السفارة الإيرانية في كابل تقديم إيران «أي إغراءات أو محاولة إجبار» لتجنيد أفغان للمشاركة في الحرب في سوريا، غير أن تحقيقا أجرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، كشف محاولات إيران إغواء الشباب الأفغاني للمشاركة في الحرب ودوافعهم للسفر لآلاف الأميال للمشاركة في حرب قد لا يعودون منها أبدا.
أما همزة الوصل في عملية التجنيد الحالية، فهم أشخاص، مثل جواد الذي يعمل ضابط شرطة بالنهار و«وكيل سفر» بعد ساعات العمل الرسمية. قال جواد إنه عمل على مدار عام كامل كوسيط للحرس الثوري الإيراني عندما سعت إيران لتشكيل ميليشيا شيعية أفغانية أطلقت عليها اسم «لواء فاطميون» عام 2014 للحرب في صفوف قوات النظام السوري.
ومن خلال «وكالة السفر» التي أسسها في مكتب لا يحمل أي لافتات في الطابق الثاني من مبني إداري، كان جواد همزة الوصل بين المجندين والسفارة الإيرانية في كابل، وكان دور السفارة تسهيل استصدار تأشيرة الدخول وعملية السفر، وسداد مبلغ العمولة لجواد نظير خدماته.
وفى مقابل القتال، يمنح الجنود الأفغان تصاريح عمل في إيران ونحو 500 دولار كراتب شهري. «الغالبية تتوجه لسوريا من أجل المال»، وفق جواد، مرتدين ملابس جينز ونظارات ريبان مقلدة، في حين يذهب «آخرون للدفاع عن الضريح».
وتحتضن سوريا الكثير من الأضرحة الشيعية، أهمها مسجد السيدة زينب في دمشق، وهي حفيدة رسول الله، والذي يعتبر مقصدا للشيعة الذين هبوا للدفاع عنه ضد الميليشيات السنية، خاصة تنظيم داعش.
وكان جواد يستعد للسفر إلى سوريا بنفسه في المرة الأولى التي التقت به صحيفة الغارديان البريطانية، فقد كان مطالبا بالمساعدة في إطلاق سراح 12 مقاتلا أفغانيا في ضواحي دمشق، اختطفهم «داعش» وكان جواد هو من قام بتجنيدهم.
غير أنه بدا مهتزا بدرجة كبيرة عند عودته من سوريا الشهر الماضي، وأظهر صورا في دمشق وقال إنه تفاوض مع الخاطفين، إلا أن الصور أوضحت أيضا كيف أن «الإيرانيين يستخدمون الأفغان كدروع بشرية». وأضاف أنه سيتوقف عن العمل كوسيط مع الإيرانيين، مضيفا: «أشعر بالخجل لإرسالي هؤلاء الناس إلى هناك».
وقالت الصحيفة إنه قد يكون هناك سبب آخر لتغيير مشاعر جواد، فعند عودته ألقت جهاز الاستخبارات الأفغانية القبض على جواد وتحفظت عليه لمدة 48 ساعة وقالوا له «لا تبع إخوتك لبلد آخر».
ونظرا لعدم وجود أرقام دقيقة، تتفاوت بدرجة كبيرة تقديرات الأفغان المنخرطين في الحرب السورية. ففي الوقت الذي لم يعلن فيه الإعلام الرسمي الإيراني بشكل مباشر انخراط إيران في الحرب السورية، أفاد بأن نحو 20 ألف أفغاني يقاتلون في سوريا.
وبحسب أمير توماج، باحث بمؤسسة الدفاع والديمقراطيات، فقد جرى ترقية لواء «فاطميون» مؤخرا من لواء ليصبح فرقة بعد أن تجاوز عدد منتسبيها 10 آلاف مقاتل.
بيد أن البعض يرى أن هذه الأرقام مبالغ فيها، حيث قدر علي ألفونة، محلل إيراني مستقل يعمل بواشنطن، عدد الأفغان الذين يقاتلون في سوريا ببضع آلاف، مضيفا أنه قتل على الأقل 334 أفغانيا شيعيا في المعارك الدائرة في سوريا منذ سبتمبر (أيلول) 2013.
ويتيح قانون إيراني جديد للحكومة منح حق المواطنة للعائلات الأفغانية التي فقدت عائلها في الحرب السورية. ويبدو القانون كمحاولة لتشجيع الأفغان على قبول مهام خطرة واجتذاب المزيد من المجندين، بحسب توجام.
ويجرى وضع الأفغان في الصفوف الأولى عند شن عمليات هجومية في الحرب السورية. وما يزيد من تعقيد عملية تقدير أعداد الأفغان المشاركين في الحرب، هو أن جثث الضحايا نادرا ما تعود لتدفن في بلدها. بالإضافة إلى ذلك، يحدث أحيانا أن يدعي البعض أنهم متوجهون إلى إيران ثم يختفون بعد ذلك.
أفاد إحسان وفهيم، صديقان من مدينة مزار شريف، أخبرا أهاليهما بتوجهما إلى إيران للعمل هناك، وبعد ذلك بوقت قصير، بدأ إحسان يرسل رسائل وصور عبر فيسبوك من سوريا إلى صديق ثالث يدعى رسول.
وأفاد رسول بأن صديقه «كان شخصا متدينا جدا، وكثيرا ما قال أنه من واجبه الذهاب إلى سوريا».
في بداية شهر مايو (أيار)، وبعد مقتل نحو 80 مقاتل من صفوف النظام، منهم العشرات من الأفغان في معركة للسيطرة على خان تومان بالقرب من حلب، أرسل إحسان رسالة بـ«فيسبوك» إلى صديقه رسول، لكن لم تصله كلمة واحدة من صديقه فهيم. وفي النهاية، قررت عائلة فهيم السفر لإيران للبحث عن ابنها، ولا تزال تبحث عنه هناك حتى الآن.
وحاول بعض الساسة الأفغان التدخل، منهم نظير أحمدي، عضو البرلمان الأفغاني، الذي تعقب عملية تجنيد المقاتلين الأفغان، حيث قال إن إيران دأبت على بث روح الفرقة والشقاق بين السنة والشيعة كي تتمكن من السيطرة على أفغانستان.
وأضاف نظير أنه شاهد قائمة تحوي 1800 اسم مجند أفغاني جرى تجنيدهم في كابل فقط، وهو الأمر الذي نفاه محللون مثل ألفونة الذي رأى أن تلك التقديرات مبالغ فيها.
وبالإضافة إلى وكلاء مثل جواد، فقد استخدم الحرس الثوري الإيراني المساجد في مختلف مدن أفغانستان كمراكز للتجنيد. ويقع أحد تلك المساجد في منطقة داست إبارشي الشيعية في كابل، بحسب أحمد زاي الذي رفض الكشف عن اسم المسجد، مضيفا أن المسجد توقف عن التجنيد بعد أن إرسال فريق من المحققين إلى هناك. وقد أخضعت أجهزة الاستخبارات الأفغانية بعض تلك المراكز للرقابة إلا أنها لا تزال تتعامل بحذر، وفق علي محمد على، محلل أمني.
ورغم المعارضة من قبل العائلات وتصدي أجهزة الاستخبارات ومعارضة الساسة، سيستمر على الأرجح الكثير من الشباب الأفغاني في التوجه إلى سوريا، طالما استمرت الآمال مفقودة في مستقبل آمن وفي حلول الرخاء في أفغانستان.
وأفاد يونس، وهو خريج جامعي عاطل عن العمل في كابل، أنه يعرف 20 رجلا ممن توجهوا إلى سوريا عن طريق إيران، منهم ابنا عمه، وعم قتلوا جميعا في سوريا، مضيفا أن «كل من يرحل عن هنا لا يترك شيئا خلفه، فالجميع فقد الأمل». الجميع كانوا من المدمنين أو عانوا من مشكلات عائلية نتيجة للعوز، بحسب يونس، مضيفا: «فالذهاب إلى سوريا هو قمة اليأس».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».