لم يتلق أكراد سوريا بارتياح تطبيع العلاقات التركية - الإسرائيلية كما التوجه لتطبيع تركي مماثل مع روسيا، إذ بدا لهم المشهد المستجد أقرب إلى اتفاق بين الدول الثلاث على مواجهة المشروع الكردي بإعلان الفيدرالية في الشمال السوري. أما المعارضة السورية فتتعاطى بحذر مع المعطيات الجديدة متحدثة عن سياسة مختلفة تتجه تركيا لاعتمادها بالتعاطي مع الملف السوري وعن اتخاذ خطوات عملية في هذا المجال.
ففيما كشف عضو الائتلاف السوري المعارض سمير نشار عن استبدال أنقرة المسؤولين الأتراك المعنيين بالملف السوري، الأمنيين والسياسيين على حد سواء، بطاقم جديد وتحويلهم إلى مواقع جديدة، اعتبر نواف خليل، رئيس المركز الكردي للدراسات أن التقارب الروسي – التركي - الإسرائيلي «أمر مقلق للأكراد ويستدعي مراجعة شاملة ودقيقة من قبلهم خاصة أن المشروع الذي يتم الإعداد له لا شك يهدف للتصدي لإحقاق الحق بإقامة الفيدرالية والإدارة الذاتية في الشمال السوري».
وقال خليل لـ«الشرق الأوسط»: «نعلم تماما أن أنقرة مستعدة لتقديم كل التنازلات الممكنة لمنع تحقيق الحلم الكردي، وبالتالي المستجدات التي طرأت أخيرا على المشهد في المنطقة لا ينفع معه التعاطي بدم بارد، مع العلم أن علاقتنا بروسيا أصلا لم تكن متقدمة».
من جهته، رجّح نشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن يشهد الملف السوري «تطورات هامة على الصعيدين الميداني والسياسي في الأيام والأسابيع المقبلة، على أن يترافق ذلك مع تحولات مهمة بمواقف الدول المنخرطة بشكل أو بآخر في هذا الملف»، لافتا إلى أن التطبيع الروسي - الإسرائيلي، كما التركي - الروسي «سيكون لهما لا شك تداعيات وانعكاسات كبيرة على المشهد السوري، إلا أنه من السابق لأوانه تحديد ماهية الاستراتيجية التركية الجديدة والتي قد تتبلور كما باقي المواقف الدولية مع حلول الشهر المقبل».
وعلّق العقيد السوري المنشق مالك الكردي على التطورات الأخيرة، معتبرا أن «التغير المفاجئ في السياسات في محيطنا الإقليمي، أثارت قلقا ومخاوف لدى الثائر السوري، لكنّها تبقى سياسة متغيرة وتخضع لأحكام الواقع والسعي لخلق واقع جديد أفضل»، مشيرا إلى أن «التوافق التركي - الروسي - الإيراني على منع إقامة دويلة انفصالية كردية، كما المصلحة التركية في منع إقامة دويلة علوية في الساحل، يفسر لنا هذا التغير في السياسة التركية وأولى ثمارها دفع الحراك الثوري نسبيا في الساحل». وأضاف: «هذا كله يصب في مصلحة الثورة السورية».
وليس التقارب الروسي - التركي - الإسرائيلي مصدر قلق فقط للأكراد والمعارضة السورية، بل هو لا شك يثير هواجس النظام السوري وحلفائه الذين يتأكدون مع مرور الأيام مدى عمق الخلافات الإيرانية - الروسية في التعامل مع الملف السوري. وفي آخر الإشارات بهذا المجال، نقلت وكالة إنترفاكس الروسية يوم أمس عن السفير موسكو في سوريا قوله إن سلاح الجو الروسي ساعد القوات الحكومية السورية على تجنب الحصار قرب حلب، مضيفا أنه لا يتوقع أن يهاجم الجيش السوري المدينة في القريب العاجل. وأضاف السفير ألكسندر كينشتشاك: «لست على يقين من شن هجوم على حلب في المستقبل المنظور.. وبالنسبة للرقة أود أن أحجم أيضا عن أي تكهنات محددة بخصوص تحريرها». وتابع: «بصراحة أنا لست متأكدا على الإطلاق بأن هذا قد يحدث في القريب العاجل».
وقد بدت تصريحات السفير الروسي أشبه برد على المواقف التي أطلقها بوقت سابق أمين عام ما يسمى «حزب الله» حسن نصر الله الذي شدّد على أن المعركة في محافظة حلب في شمال سوريا هي «المعركة الاستراتيجية الكبرى»، متعهدا بزيادة عدد قواته هناك. وقال نصر الله في خطاب بمناسبة الذكرى الأربعين لمقتل قائده العسكري مصطفى بدر الدين في سوريا «لدينا مسؤولية تتمثل بالمزيد من الحضور في حلب، نحن سوف نزيد من حضورنا في حلب، المطلوب من الجميع أن يحضر، لأن المعركة الحقيقية الاستراتيجية الكبرى هي المعركة في مدينة حلب ومنطقة حلب».
وبما قد يبدو أشبه بمحاولة للحد من حجم الخلافات الإيرانية - الروسية، بحث أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني يوم أمس مع عدد من كبار المسؤولين الروس ومنهم وزير الدفاع سيرغي شويغو: «التعاون الثنائي وأحدث التطورات في سوريا والمنطقة». وأعلنت «وكالة أنباء فارس» أنّه تم التطرق خلال لقائه نظيره الروسي نيكولاي باتروتشف إلى «التطورات الإقليمية وتبادل المعلومات بين مجلسي الأمن القومي الإيراني والروسي». والتقى شمخاني ممثل الرئيس الروسي الخاص في شؤون سوريا ألكسندر لاورنتيف، حيث تركزت محادثاتهما على «الظروف التي تعيشها سوريا إلى جانب السبل الكفيلة لتسوية الأزمة».
وبالتزامن مع زيارة شمخاني إلى موسكو، زار معاون وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية جابري أنصاري أمين عام ما يسمى «حزب الله» في لبنان، واكتفت قناة «المنار» التابعة للحزب بالقول إن الطرفين «استعرضا آخر التطورات السياسية في المنطقة».
واستبعد هشام جابر، العميد اللبناني المتقاعد ورئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات» أن يكون هناك أي محاولة من قبل المعارضة السورية أو النظام على حد سواء للسيطرة على كامل مدينة حلب خلال الأشهر الـ3 المقبلة، مرجحا أن «يستمر الستاتيكو القائم هناك من خلال حرب استنزاف شرسة على أن يتم في الفترة الممتدة إلى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل إعادة التموضع والترتيب والتسليح استعدادا للمعركة». أما عن تطبيع أنقرة علاقاتها مع روسيا وإسرائيل، فقال جابر لـ«الشرق الأوسط»: «بعدما شعرت تركيا أنّها شبه معزولة وعلى علاقة سيئة مع معظم الأطراف والدول قررت إحداث خرق ما في الدائرة المفرغة التي أوجدتها حول نفسها، فإذا بها تسعى لترميم العلاقة مع موسكو وإسرائيل على أن تستمر في حراكها هذا باتجاه إيران بمسعى لحجز كرسي لها على طاولة المفاوضات السورية، خاصة أنها باتت محاصرة كرديا وأن هذا الهم يبقى الأكبر لها وستقوم بالمستحيل لإزالته».
التقارب الروسي ـ التركي ـ الإسرائيلي يقلق المعارضة ويثير مخاوف أكراد سوريا
سفير موسكو في دمشق يرد على نصر الله: لا هجوم قريبًا على حلب
التقارب الروسي ـ التركي ـ الإسرائيلي يقلق المعارضة ويثير مخاوف أكراد سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة