آخر الإيرادات تؤكد: لا سينما عالمية سوى الأميركية

الصين عوضت انحسار الإقبال الأوروبي

«سبايدر مان المذهل 2» من عروض «سينما كون»  -  «سباسيفيك ريم»: ترنـح أميركيا ونجح صينيا
«سبايدر مان المذهل 2» من عروض «سينما كون» - «سباسيفيك ريم»: ترنـح أميركيا ونجح صينيا
TT

آخر الإيرادات تؤكد: لا سينما عالمية سوى الأميركية

«سبايدر مان المذهل 2» من عروض «سينما كون»  -  «سباسيفيك ريم»: ترنـح أميركيا ونجح صينيا
«سبايدر مان المذهل 2» من عروض «سينما كون» - «سباسيفيك ريم»: ترنـح أميركيا ونجح صينيا

كان للمنتج والمخرج الراحل مصطفى العقاد رأي أثار حفيظة كل من لم يوافقه عليه (وكانوا كثرا): «لا توجد سينما عالمية سوى السينما الأميركية. هي وحدها العالمية».
تأكيدا، كل يوم هناك ملايين البشر يدخلون صالات السينما ونحو 60 في المائة منهم وما فوق يشاهدون أفلاما أميركية. من الصين إلى جنوب أفريقيا، ومن الإمارات العربية المتحدة إلى الأرجنتين، ومن أستراليا إلى كل بقاع أوروبا، الفيلم الأميركي طاغ، ونسبة حضوره بين الجمهور عالية، تتراوح، حسب الدولة وتسهيلاتها، من 55 في المائة إلى 75 في المائة كوضع نسبي.
والأرقام التي أعلنت قبل يومين في لاس فيغاس، حيث أقيم حتى يوم أمس الخميس مؤتمر «سينما كون» السنوي، تؤكد ذلك:
لقد أنجزت السينما الأميركية أعلى إيراد تحقق لها في تاريخها: 35 مليارا و900 مليون دولار. أي قرابة 36 مليارا، بزيادة أربعة في المائة عما كان الوضع عليه قبل سنة عندما أعلنت مجمل إيرادات الأفلام الأميركية عن عام 2012 (34 مليارا و700 مليون دولار).
من بين النتائج الجديدة أن إيرادات الدول خارج أميركا الشمالية (وأميركا الشمالية تتألـف من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) بلغت 25 مليارا، أي بزيادة 4‪.‬6 في المائة عما كان عليه الوضع عام 2012.
هذا يعني أن حصـة الأسواق الأميركية بلغت عشرة مليارات و920 مليون دولار، بزيادة واحد في المائة عما جرى تسجيله عن عام 2012 التي كانت شهدت ارتفاعا قدره ستة في المائة عن عام 2011.

* العنصر الصيني
أحد أسباب هذا النمو الرئيسة يكمن في الصين، التي أنجزت وحدها للفيلم الأميركية ثلاثة مليارات و600 مليون دولار في العام الماضي، أي بزيادة 27‪.‬5 في المائة عما كانت أنجزته في العام الأسبق.
كريس دود، رئيس «موشن بيكتشرز أسوسياشن أوف أميركا»، وهي الهيئة المخولة رصد الحياة الإنتاجية والصناعية للفيلم الأميركي على نحو يومي، ذكر في خطابه أمام منتجي هوليوود والإعلاميين الذين دعوا إلى لاس فيغاس كما العادة السنوية منذ عقود، أن هذا النجاح الكبير إنما كان يمكن أن يكون أكبر من ذلك لولا أن العائدات الأوروبية المسجـلة عام 2013 جاءت أقل من المتوقع بسبب انحسار الإقبال في الكثير من دولها، في المقدمة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، أي أربعة من أهم مراكز العروض العالمية للفيلم الأميركي.
لكن بما يخص الصين، فإن الأمر مختلف. هناك صالة يجري إنشاؤها كل يوم في بيكينغ وخمس عشرة صالة تنطلق كل يوم في كل ربوع الصين. الموقف الحكومي هناك يقوم على تلبية حاجة الصينيين وشغفهم بالفيلم الترفيهي الأميركي، المختلف قوامه وأسلوبه وطروحاته عن الفيلم الترفيهي الصيني. ليس أن كل الأفلام الأميركية تجد طريقها إلى الصين، لكن كل الأفلام الأميركية باتت تتمنـى لو أنها تعرض في الصين.
الرسميون المعنيون في العاصمة الصينية يمنحون مباركتهم لنحو 35 فيلما أميركيا كل عام. حتى الأشهر الأولى من عام 2013، كان العدد لا يزيد على 20 فيلما فقط. هوليوود السعيدة بهذه الزيادة تستطيع التكيـف جيـدا مع هذا العدد من الأفلام المسموح بعرضها، لسبب جيد وبسيط: عدد الأفلام الكبيرة (بالبعدين الفني والتجاري) التي تخاطر بها الاستديوهات كل سنة لا يزيد كثيرا على هذا العدد، ومنها الأفلام ذات الطموح الأوسكاراتي والأفلام ذات الطموح الترفيهي البحت، ومن بين هذه الأخيرة الإنتاجات الضخمة التي تطلقها في مطلع كل صيف.
حسب «وول ستريت جورنال» قبل نهاية العام الماضي، فإن هوليوود سجلت حضورا متزايدا بين مجمل ما تعرضه صالات السينما الصينية. هذا بدأ عام 2012 عندما حققت الأفلام الأميركية - ولأول مرة - 51 في المائة من الإيرادات، تاركة 49 في المائة للعروض الصينية (وبينها نسبة ضئيلة لا تتجاوز الأربعة في المائة لأفلام من جنسيات أخرى).
الصين استخدمت هذا لمنح مخرجيها ومنتجيها حوافز جديدة. من العام ذاته، وفي مقابل «مهمـة مستحيلة 4» و«المنتقمون» و«التحري الشاب دي» وما سواها من الأفلام التي تجاوزت المعهود الصيني على صعيدي التقنية والتنفيذ. على سبيل المثال، لم تهرع السينما الصينية لإنجاز أفلام بالأبعاد الثلاثة إلا من بعد أن أطلقت هوليوود أفلامها في هذا الاتجاه من أواخر العقد الماضي، وإذ فعلت، جلبت لإحدى باكوراتها في هذا الاتجاه المخرج الأميركي مايكل فرنش ليصنع لها «إمبراطوريات العمق» عام 2012. وقدم الصيني نتائج مبهرة، تقنيا، حين قام بتحقيق «سيوف طائرة عند بوابة التنين» الذي بوشر عرضه في أواخر عام 2011 وامتد لأشهر عدة في عام 2012. وفي الفترة ذاتها تقريبا، عرض المخرج تشينغ سيو تونغ «الساحر والأفعى البيضاء».
وفي الإعداد للعام المقبل، «كونغ فو باندا 3» الذي هو إنتاج مشترك بين الصين والولايات المتحدة، تحققه الصينية جنيفر يو ليعرض في مطلع العام المقبل.

* الفن في التنفيذ
في العام الماضي، وبينما كان الفيلم الصيني «رحلة إلى الغرب: مبارزة الشياطين» ينجز قرابة 205 ملايين دولار في أنحاء الصين، كان الفيلم الأميركي «أيرون مان 3» ينجز 124 مليونا ويحل في المركز الثاني. فيلم «باسيفيك ريم» الذي لم ينجز نجاحا جيـدا لا في أميركا ولا في أوروبا، لكنه أنجز 114 مليون دولار في الصين، مما جعله قادرا على الخروج من عنق الزجاجة. ربما بعض السبب يكمن في إسناد أدوار رئيسة لممثلين صينيين.
«سينما كون» هو المكان المناسب لتلقـف هذه الأنباء. كان اسمه حتى أربع سنوات سابقة «شو وست»، لكنه لا يزال مؤتمرا (وليس مهرجانا) لعرض الجديد المقبل من الأفلام الكبيرة تمهيدا لطرحها قبل موسم الصيف. وتقيم هذا اللقاء الذي تدعو إليه صحافيين ونقادا ومنتجين ومخرجين وعاملين آخرين في الصناعة وحقل الترويج، «الجمعية الوطنية لمالكي القاعات» (اختارها «ناتو» لكنها بالطبع لا علاقة لها بذلك «الناتو» الأعلى شهرة).
هذا العام، على سبيل المثال، شاهدنا «سبايدر مان» الجديد... ثلاثون دقيقة من مغامرات، جرى بذل آخر تقنيات الإثارة: «لا تسأل عن الفن» يقول المخرج مارك وب لهذا الناقد قبل أيام قليلة من توجهه إلى «سينما كون» عندما سأله إذا ما كان ينوي ذات مرة العودة إلى أفلامه الفنية الأولى: «الفن هنا هو فن التنفيذ الجيـد لتحقيق فيلم ترفيهي بمستوى تقني متقدم. أعني أن هذا هو أيضا فن ولو أنه يختلف عن تعريف البعض للكلمة».
عرض «سينما كون» الفصل الأول لهذا الفيلم ثم مقتطفات من فصول أخرى، كذلك الحال بالنسبة لأفلام منتظرة في صيف ستتطاحن فيه الأعمال الضخمة كالعادة، ومنها «رجال إكس: أيام المستقبل الماضي» و«موكينغجاي» و«آني» و«سن سيتي 2». كل هذه الأفلام بالأبعاد الثلاثة، الذي رغم انحسار الإقبال عليه (تبعا لسعر التذكرة) فإنه لا يزال معمولا به (وللسبب ذاته: القدرة على رفع سعر تذكرته وإنجاز إيراد أعلى).
إذا ما كانت السمة الأكثر تميـزا للسينما الأميركية هي الحفاظ على أولويتها حول العالم عبر ضخ منتوج تجاري الغاية بطبيعة الحال، ألا يزال غريبا أنها السينما العالمية الوحيدة فعلا؟ هذا ما يعيدنا إلى كلمات مصطفى العقاد، فهي تصف واقعا صرفا وليس مجموعة من الأماني والأحلام. تورد حقيقة وليس وهما رغم ما تثيره تلك الحقيقة من ردود فعل معظمها يؤمن بالرغبة المناوئة عوض الاعتراف بالواقع كما هو.

* الوضع في روسيا
*‫ لم تتعرض الأفلام الأميركية إلى تراجع الإيرادات في روسيا العام الماضي، بل سجـلت أفلامها مليارا و300 مليون دولار، مما رفع نصيب تلك الأفلام من مجموع حصيلة الصالات الروسية يصل إلى 70 في المائة. حاليا تتدارس الحكومة الروسية القيام بعملية تحديد لعدد ما يعرض من الأفلام الأميركية بهدف تعزيز تلك المحلية على غرار ما تفعله السينما الصينية.‬



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.