اختتمت في مدينة جدة، على ساحل البحر الأحمر يوم أمس، القمة الخليجية التشاورية في دورتها السادسة عشرة، التي عقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بصفته رئيس الدورة الحالية للمجلس الأعلى.
وشهد لقاء جدة الخليجي التشاوري، تدارس سير العمل حول تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين، على الأرض لتعزيز العمل الخليجي المشترك، بينما أقر الاجتماع توصيات المجلس الوزاري بشأن استكمال تنفيذ هذه الرؤية خلال عام 2016م.
وقال الدكتور عبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي، أن قادة دول المجلس أقروا أيضًا تشكيل هيئة عالية المستوى من الدول الأعضاء تسمى هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية، تعزيزًا للترابط والتكامل والتنسيق بين دول المجلس في جميع المجالات الاقتصادية والتنموية، وتسريع وتيرة العمل المشترك لتحقيق الأهداف التي نص عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون.
مبينًا أن من مهام هذه الهيئة، «متابعة تنفيذ رؤية الملك سلمان الخاصة بتعزيز العمل الخليجي المشترك في المجالات الاقتصادية والتنموية، والنظر في السياسات والتوصيات والدراسات والمشاريع التي تهدف إلى تطوير التعاون والتنسيق والتكامل بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والتنموية، وتشجيع وتطوير وتنسيق الأنشطة القائمة بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والتنموية، واتخاذ ما يلزم بشأنها من قرارات أو توصيات. وكذلك متابعة تنفيذ قرارات واتفاقيات وأنظمة مجلس التعاون المتعلقة بالجانب الاقتصادي والتنموي».
فيما أقر القادة أيضًا النظام الأساسي للهيئة القضائية الاقتصادية، المنصوص عليها في الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس، بما يحقق مصالح مواطني دول المجلس واستفادتهم على النحو المطلوب من مشاريع واتفاقيات التكامل بين دول المجلس، بالإضافة إلى إقرارهم عقد اجتماع دوري مشترك لوزراء الدفاع والداخلية والخارجية، لتنسيق السياسات بين دول المجلس واتخاذ ما يلزم من قرارات وتوصيات بشأنها.
وقال الزياني أن «القرارات الحكيمة التي اتخذها القادة في هذا اللقاء سوف يكون لها انعكاس كبير على مسيرة مجلس التعاون والتكامل الخليجي في مختلف المجالات، خاصة في ظل التحديات التي تمر بها المنطقة، والتي أثبتت منظمتنا الخليجية بحكمة قادتها الكرام بأنها صخرة أمن واستقرار وازدهار».
موضحًا أن الجلسة التشاورية شهدت استعراض ما تم إنجازه في مسيرة التعاون المشترك منذ عقد الدورة «36» للمجلس الأعلى السعودية في 9 - 10 ديسمبر (كانون الأول) 2015م، وما اتخذته الدول الأعضاء من إجراءات لتنفيذ قرارات العمل المشترك، والهادفة لتعزيز التكامل بين دول المجلس في مختلف المجالات.
الأوضاع اليمنية
وبشأن الأوضاع اليمنية، أوضح عادل بن أحمد الجبير وزير الخارجية السعودي، أن المفاوضات الحالية في دولة الكويت تسير على أساس المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216، وهناك عدة مسارات تم الاتفاق عليها في ما يتعلق بالانسحابات، وتسليم السلاح، وإعادة مؤسسات الدولة في اليمن، وهناك مفاوضات قائمة بين الأطراف.
وعبر عن أمله في تحقيق مزيد من التقدم في هذا السياق، لافتًا إلى أن المملكة وصلت إلى تفاهم لتهدئة الأوضاع لمنطقة الحدود لإدخال المساعدات الإنسانية والأدوية إلى اليمن وتوزيعها.
وأكد وجود خروقات لإطلاق النار، مستدركا بالقول، «إن علينا أن نركز على إيجاد حلٍ سياسي للأزمة اليمنية تسمح لليمن أن يخرج من المأساة التي يعيشها وتسمح بإعادة البناء، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من الأمن والاستقرار والازدهار والذي يخدم الجميع في المنطقة، ولا بد أن ندعم الحل السلمي، والمملكة تدعم المفاوضات في الكويت، وستفعل ما بوسعها لحماية أراضيها ومواطنيها».
وعن الدور السعودي في إحلال السلام باليمن قال الجبير أن جهود بلاده في اليمن بدأت قبل عدة سنوات، ولديها قناعة بأن الحل في اليمن لا بد أن يكون سلميًا بناءً على قرار مجلس الأمن 2216، والحوار الوطني اليمني، والمبادرة الخليجية.
وركز على أن السعودية حاولت دعم الأطياف اليمنية المختلفة من أجل تطبيق هذه المبادئ، كما عملت بالتنسيق مع الدول الأخرى سواء كانت «بريطانيا أو أميركا» ومجموعة الـ18 ويأمل الجميع في أن نصل لحل سلمي في اليمن اليوم قبل الغد، وهذه الجهود مستمرة ومكثفة.
وزاد بالقول إن «التعاون بين أميركا وبريطانيا قائم في هذا الجانب، ولا ننسى الجهود التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي لدعم السلم في اليمن، وخصوصًا من قبل دولة الكويت التي استضافت مؤخرًا اجتماعات الحوار اليمني، فالجهود مبذولة من الجميع».
وبشأن التدخل البري في سوريا، علق وزير الخارجية بالقول «إن هذا الموضوع قائم في أي وقت لكنه بحاجة إلى قرار دولي، موضحًا أن السعودية منذ سنوات ترى أن التدخل البري حل حتمي للمأساة السورية، وأشار إلى أن المملكة على استعداد لإرسال قوات برية دولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ودول التحالف، ولا يزال قائما حل التدخل، وقد أعلنت عنه قبل عام عند إنشاء التحالف.
وعن المساعدات الإنسانية قال الجبير إن «السعودية ما زالت تقدم مساعدات إنسانية لجميع مناطق الصراع السوري، ونتمنى أن نصل لتنظيم من قبل الأمم المتحدة لإدخال المساعدات لكن هناك مماطلة من قبل النظام السوري، مما أدى لمنع دخول المساعدات لبعض مناطق الصراع السوري، مما يخالف الأنظمة الدولية في هذا الشأن، ونحن نطالب المجتمع الدولي بمساعدتنا في ذلك، والجهود قائمة مع النظام الروسي وعدد من الدول».
الاقتصاد والتنمية
وأفاد الجبير بأن هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية التي تم إقرارها من قبل قادة دول المجلس لن تكون هيئة عادية بل ستكون عالية ولها صلاحيات تبث في المواضيع وتوجد حلولاً وتطرح هذه الحلول على القادة مباشرة لإقرارها، مشيرًا إلى أن الفكرة من وراء هذه الهيئة أن تستطيع اتخاذ القرارات اللازمة لتطبيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس.
وقال الجبير إنه «كان في الماضي هناك أمور مالية واقتصادية تتناولها عدة وزارات مختلفة وترفعها اللجان للوزارات والوزارات ترفعها للمجالس ومن ثم للقادة، وكان هناك إجراءات طويلة، وأصبح الأمر أسهل وأسرع حيث تعد نقلة نوعية في قدرات المجلس وتطبيق الإجراءات الاقتصادية المعنية بالتكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي».
مبادرة السلام
وفي رد على سؤال يتعلق بتصريحات الرئيس الإسرائيلي حول مبادرة السلام العربية قال معاليه إن «المبادرة قائمة ويتم التأكيد عليها في كل القمم العربية ويعلمون الإسرائيليين، وكون الرئيس الإسرائيلي أعلن عن استعداده للنظر في عملية السلام فهذا يفتح خطًا للمباحثات مع الجانب الفلسطيني، من أجل الوصول لحل سلمي مبني على مبادرة السلام العربية».
وشدد على أن الوقت مبكر من أجل تقييم جدية الجانب الإسرائيلي للبدء في مفاوضات مبنية على مبادرة السلام العربية، وعندما تحدث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يتحدث عن بعض البنود التي يعتبرها إيجابية، ولم تكن مسألة قبول المبادرة العربية حسب ما طرح في الصحافة ولكن الأهم من ذلك هو استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهذه الجهود كانت ترعاها الولايات المتحدة وما يسمى باللجنة الرباعية، وكان الإسرائيليون رافضين هذه المفاوضات، ولعل موقفهم تغير في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني من أجل الوصول إلى حل لهذا النزاع مبني على مبادرة السلام العربية، يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
الشأن الليبي
وبخصوص الشأن الليبي أوضح وزير الخارجية أن هناك إجماعا دوليا بأن حكومة الوفاق هي الشرعية في ليبيا، والاتفاق الذي تم توقيعه يؤكد ذلك، والاجتماعات التي عقدت في روما أيضا أكدت على ذلك، وهناك حاجة لمجلس النواب بأن يصدق على هذه الحكومة، وما زال المجتمع الدولي في انتظار ذلك.
وركز على «وجود خلافات بين الأطراف الليبية في ما يتعلق بالتصديق على هذه الحكومة وفي ظل وجود المحاولات والجهود الدولية من أجل الوصول والتقارب بين الفئات والقيادات المختلفة الليبية لتطبيق ما تم الاتفاق عليه، وأيضًا بدء أعمال الحكومة الانتقالية، ومن ثم وضع دستور جديد وانتخابات جديدة للحكومة وبناء المؤسسات في ليبيا في هذه الجهود القائمة».
وفي ما يتعلق باستضافة مجموعات ليبية وعقد حوارات، قال الجبير إن هذه أفكار مطروحة ولم يتم اتخاذ قرار في هذا الأمر، والتشاور ما زال قائما بين المملكة والدول العربية ودول المجتمع الدولي، لتحديد ومعرفة ما هي أفضل الوسائل لدفع عملية المصالحة في ليبيا.
الضمانات الروسية
وحول الضمانات الروسية لعدم تدخلات إيران في الشأن الداخلي الخليجي أوضح الدكتور الجبير أن روسيا ليس لها علاقة بذلك، وقد عبرت عن أملها في أن تكون هناك علاقات بين دول مجلس التعاون وإيران مبنية على مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، لافتًا إلى أن هناك دولا عبرت عن أدوار مشابهة للدور الروسي، في حين أن المملكة ودول مجلس التعاون تأمل في ألا تعود إيران إلى التدخل في شؤون المنطقة بدعمها للإرهاب، وزرع الخلايا الإرهابية في المنطقة، ونشر الميليشيات الطائفية في البلدان العربية، وزعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدول.
وقال إن «هذه مشكلاتنا مع إيران». ثم زاد بالقول: «عندما تكف عن هذا وتعدل سياساتها وتتمسك بمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين، يكون الباب مفتوحًا لبناء أفضل العلاقات معها كونها دولة مجاورة وإسلامية يكون معها أفضل العلاقات، ولا نستطيع أن يكون لدينا علاقات طبيعية مع دولة هدفها تدميرنا وزرع الخلايا وتهريب المتفجرات لدول حليفة لنا، من أجل زعزعة الاستقرار، وهي أعمال عدوانية ليست أعمال حسن جوار»، مشددًا على أن المبدأ سهل بالنسبة لإيران إذا تمسكت بالقوانين الدولية ومبدأ حسن الجوار.
توقيت التشاور
وفي ما يتعلق بتوقيت وتاريخ عقد اللقاء التشاوري السادس عشر في السعودية وما حدد خلاله من مواضيع تتعلق بالأوضاع التي تشهدها المنطقة، أوضح وزير الخارجية أن دول مجلس التعاون الخليجي حاضرها وماضيها ومستقبلها وأمنها واستقرارها وازدهارها مشترك، والأوضاع التي تمر بها المنطقة أثبتت أن دول المجلس هي دول شقيقة، ومصدر استقرار وأمن للمنطقة، مضيفًا أن التكاتف بين هذه الدول سيخدم أمن واستقرار الجميع.
وذهب إلى أن مثل هذه الجهود فتحت المجال في تكثيف التعاون المشترك، وتأسيس آليات لإنشاء هيئة للشؤون الاقتصادية والتنموية، والتي من خلالها سيتم تعجيل العمل في تطبيق التكامل الاقتصادي بين الدول، والمساهمة في مزيد من الازدهار.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مترئساً الاجتماع الخليجي التشاوري بحضور قادة الدول الخليجية ورؤساء الوفود ويبدو الأمير محمد بن نايف ولي العهد والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد (واس)