تاريخ سرايات القاهرة وقصورها في مجلة «ذاكرة مصر المعاصرة»

يروي قصة إنشاء قصري {ابراهيم باشا} و {محرم بك}

قصور وسرايات مصر التاريخية حافلة بالأسرار -  قصور وسرايات مصر التاريخية حافلة بالأسرار
قصور وسرايات مصر التاريخية حافلة بالأسرار - قصور وسرايات مصر التاريخية حافلة بالأسرار
TT

تاريخ سرايات القاهرة وقصورها في مجلة «ذاكرة مصر المعاصرة»

قصور وسرايات مصر التاريخية حافلة بالأسرار -  قصور وسرايات مصر التاريخية حافلة بالأسرار
قصور وسرايات مصر التاريخية حافلة بالأسرار - قصور وسرايات مصر التاريخية حافلة بالأسرار

حكايات وقصص عن سرايات وقصور ملكية تعود لمنتصف القرن الثامن عشر، ما اختفى منها وما بقي، ترصده مجلة «ذاكرة مصر» التي تصدر عن مكتبة الإسكندرية، في عددها الخامس والعشرين. يضم العدد ملفًا خاصًا عن سرايات وقصور القاهرة. وموضوعات أخرى، ومنها: «السلطان حسين: بريق الإمارة وخفوت السلطنة» للدكتور مصطفى الغريب، «فنار بورسعيد وحلم التنوير» لطارق إبراهيم حسيني، و«مساجد الإسكندرية: صفحات مجهولة من التراث المصري» للدكتور إسلام عاصم عبد الكريم، و«الرابطة الشرقية» لعبد الوهاب شاكر، و«منقباد.. تاريخ وتراث» لأحمد عبد العاطي حسن عمر، وغيرها من الموضوعات.
وفي جولة بين قصور مصر، يأخذ عمرو سميح طلعت القارئ في جولة «بين السرايات». وعن سراي الجيزة، يقول إن: «فاليرياني Valeriani، العالم الإيطالي الذي زار القاهرة في ثلاثينات القرن التاسع عشر، روى أن بالجيزة قصرين صغيرين، واحد لإبراهيم باشا والآخر لمحرم بك زوج الأميرة توحيدة بنت محمد علي، بالقرب من قرية الدقي، والأغلب أنهما مختلفان عن سراي الجيزة الأصلية».
ويرى الكاتب أن سعيد باشا قد أتم بناء قصر الجيزة في أواخر عهده؛ وكان آخر ما شهد قصر الجيزة من أحداث في عهد محمد سعيد باشا هو زيارة الأمير إدوارد ولي عهد إنجلترا الذي جاء إلى مصر سنة 1862م؛ فأعد له الوالي قصر الجيزة، وفرشه بأثاث فاخر ليحل الأمير ضيفًا به أثناء إقامته في مصر. أما إسماعيل باشا فقد اعتلى عرش البلاد في يناير (كانون الثاني) 1863م. وقد جاء متأثرًا بالحضارة الغربية، محبًّا للعمران والتنمية، شغوفًا بالبناء والتشييد. وما إن استقر إسماعيل في الحكم حتى اشترى كُلَّ القصور والمنشآت التي امتلكها عمه سعيد باشا. وكان إسماعيل باشا قد هدم قصر عمه وشرع يبني السراي الجديدة سنة 1865م، فاستقدم المهندسين من الأستانة لرسم السراي وتصميمها، وقد بلغت حدًّا هائلاً من الاتساع والضخامة، حتى قيل إن بها نحو خمسمائة صالون وجناح! اشترى إسماعيل باشا بعض الأراضي حتى بلغ حدُّ السراي الشرقي النيل. وقد بلغت حديقة السراي نحو مائة فدان، مقسمة لثلاثة أقسام.
ويقول الكاتب: «خمسون عامًا على أكثر تقدير هي كلُّ عمر سراي الجيزة اختفت بعدها من الوجود، وقد يصعب عليك أن تتخيل جمال معمارها وحسن تخطيطها الآن حين ترتاد المنطقة؛ ولكن بقي منها أثر واحد قد يُيَسِّرُ عليك تخيل ما انطوى من روعة وفخامة. تأمل تفاصيل بوابات المتحف المصري العملاقة الشاهقة، أو تفحص جلال أخواتها التوائم الفائقة؛ بوابات قصر عابدين ومبنى البرلمان. تلك البوابات والسور الحديدي ممشوق القوام الذي يتشابك معها كانت تحتضن مائة فدان بها سلاملك وأكشاك وجداول ماء وبحيرات ونخيل وجبالايات ومشايات وتكعيبات. كلها كانت.. بين السرايات!».
وإلى «قصر الجزيرة»، يروي الدكتور خالد عزب رئيس تحرير المجلة: «إن قصر الجزيرة كان أحد القصور التي أعاد بناءها الخديوي إسماعيل، وهو في الأصل كان يعرف بالقصر الكبير، شيده عبد الرحمن كتخدا قبل سنة (1173هـ / 1759م). وذلك لإقامة الباشاوات المعينين لحكم مصر عند قدومهم إليها قبل انتقالهم للقلعة المقر الرسمي للحكم، ولإقامة كبار رجال الدولة العثمانية عند زيارتهم لمصر أيضًا. كان هذا القصر يتكون من عدد كبير من الوحدات المعمارية، تصطف على طول شاطئ النيل». ويضيف: «قام إبراهيم باشا بن محمد علي بهدم هذا القصر وإعادة بنائه مرة أخرى، ويبدو أنه كان مستغلاً أيضًا لاستقبال ضيوف الدولة؛ حيث شيد إبراهيم قصرًا لإقامته في منطقة جاردن سيتي عرف بالقصر العالي. ثم آل هذا القصر إلى الخديوي إسماعيل عن أبيه، وهدمه في عهد سعيد باشا وأعاد بناءه. ثم تغيرت خططه بالنسبة لهذا القصر بتوليه حكم مصر؛ فقد رأى استغلاله لإقامة ضيوف مصر الأجانب أثناء حفل افتتاح قناة السويس. وأعيد بناء القصر من ثلاثة أقسام رئيسية، وهي الحرملك والسلاملك الصغير وأبهاء الاستقبال».
ويرى المؤرخ الإنجليزي تيموثي ميتشيل أن تصميم بعض غرف هذا القصر يماثل تصميم غرف قصر التويلري بفرنسا؛ وكأن الخديوي إسماعيل أراد بتصميم هذا القصر أن يجمع بين قاهرة ألف ليلة وليلة التي ولع بها الأوروبيون في القرن التاسع عشر في تصميم واجهاته على النمط الإسلامي، ورغبته في كسب ود الأوروبيين في تشييده عمائر تظهر مدى ولائه للحضارة الأوروبية في اتباعه التصميم الأوروبي لداخل القصر. وكلف إسماعيل المهندس الفرنسي باريل بتحويل الأرض الزراعية المحيطة بالسراي إلى حديقة؛ فقام بردم أرضها بارتفاع مترين. وقسمت الحديقة إلى عدة حدائق.
وفي مقاله عن «محمد بك تيمور ومنزله في شبرا»، يتناول الدكتور محمد أبو العمايم منزل محمد بك تيمور ابن أحمد تيمور باشا، الكائن في 54 شارع راتب باشا المتفرع من شارع شبرا. وشارع راتب هو أحد الشوارع الرئيسية ذات الأهمية التاريخية في حي شبرا، كان بداخله قصر راتب باشا وأملاك أخرى له، ومجموعة من الفيلات والمباني الجميلة اختفى معظمها. وتعد فيلا محمد بك تيمور نموذجًا من نماذج تصميمات الفيلات في‬أوائل القرن العشرين في هذه المنطقة التي تتناثر فيها الفيلات والقصور بشمال شبرا. وهي فيلا من منشآت أول القرن العشرين، تجمع الأسلوب الأوروبي - وهو الغالب - وعناصر من الفن الإسلامي، وهي‮مكونة من دورين فوق بدروم، ولها شرفتان عظيمتان واحدة بحرية والأخرى‮شرقية،‬ويوجد سلاملك بالجهة الجنوبية الغربية، وغرفة لعلها للحارس بالزاوية الشمالية الغربية، وكانت بها ساقية في الخلف جهة شارع الأزهار، اختفت الآن، وقد أُقحمت مباني‬بعض الدكاكين في سور الفيلا الشمالي والشرقي، واختفت البرجولا التي‬على‮يسار الداخل من الباب العمومي إلى حديقة الفيلا.
ويرى الكاتب أن هذه الفيلا تعد أثرًا مهمًّا بين مباني مصر، حيث تجتمع فيه الأهمية التاريخية. فهي لعلم من أعلام مصر في الأدب، وذات أهمية فنية؛ حيث تمثل صورة لعمارة بداية القرن العشرين في مصر لشخصية مهمة تنتمي إلى عائلة ذات اعتبار كبير، وهي تعد أحد آثار حي شبرا الذي فقد خلال الآونة الأخيرة بعضًا من أهم آثاره على رأسها قصر النزهة الشهير (المدرسة التوفيقية) الذي هدم بواسطة هيئة الأبنية التعليمية في عامي 1190 - 1191، وكذلك قصر الحاج أغا بازورج المقابل له (مدرسة شبرا الإعدادية بشارع شبرا).



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».