مصر وإيران.. و«البيوت التي دمرها الحريق» في معرض شيرين نشاط بنيويورك

المصورة الإيرانية تختار مختارات من أشعار أبناء بلدها لتشرح الحالة المصرية

معرض «لقد دمر الحريق بيتي» لشيرين نشاط في نيويورك.. عنوان المعرض اقتبسته من أحد أشعار الإيراني أخوان ثالث (تصوير: لایل أشتون هریس)
معرض «لقد دمر الحريق بيتي» لشيرين نشاط في نيويورك.. عنوان المعرض اقتبسته من أحد أشعار الإيراني أخوان ثالث (تصوير: لایل أشتون هریس)
TT

مصر وإيران.. و«البيوت التي دمرها الحريق» في معرض شيرين نشاط بنيويورك

معرض «لقد دمر الحريق بيتي» لشيرين نشاط في نيويورك.. عنوان المعرض اقتبسته من أحد أشعار الإيراني أخوان ثالث (تصوير: لایل أشتون هریس)
معرض «لقد دمر الحريق بيتي» لشيرين نشاط في نيويورك.. عنوان المعرض اقتبسته من أحد أشعار الإيراني أخوان ثالث (تصوير: لایل أشتون هریس)

تعمل شيرين نشاط على تسجيل الأحداث الفنية المهمة من خلال فن الفيديو والتقاط الصور. كما أنها قامت بإخراج فيلم «النساء من دون الرجال» والذي حقق نجاحا باهرا في مهرجان البندقية السينمائي. أما معرضها الفوتوغرافي الحالي في مدينة نيويورك الأميركية فيتضمن صورا للناس من الذين فقدوا أحباءهم خلال الثورة المصرية.
وفي حوارها مع «الشرق الأوسط» تبدأ شيرين نشاط بالحديث عن معرض الصور الذي يحمل عنوان «لقد دمر الحريق بيتي»، وتقول إنها اقتبست هذا العنوان من أحد أشعار الإيراني أخوان ثالث. وتقول إنها التقطت هذه الصور في مصر، ويتمحور المعرض حول الشعب المصري والأحداث التي تلت الثورة. واقتبست عناوين الصور التي التقطها من أشعار إيرانية «لأنني لم أتمكن من اختيار القطع الشعرية المصرية بسبب عدم درايتي بالأدب المصري. أدخلت أفكاري الخاصة على الصور، وخاصة أن إيران ومصر تتمتعان تاريخيا بنقاط التقاء كثيرة. لم أقم باقتباس عناوين الصور من أخوان ثالث فحسب فقط، بل اخترت لكل صورة قطعة شعرية من شاعر مختلف مثل سيمين بهبهاني، وفروغ، وشاملو، وشعراء وكتاب آخرين لم يتمتعوا بشهرة كبيرة في إيران».
* لماذا اخترتِ عنوان «لقد دمر الحريق بيتي» للمعرض؟
- يحمل العنوان طابعا سياسيا مع الحفاظ على الصورة الشعرية، الوجوه التي ترتسم عليها حالة الحداد، وصور أرجل الأشخاص الذين فقدوا حياتهم خلال الثورة المصرية. يأخذ البيت هنا طابع الوطن الذي التهمه الحريق. وهو مفهوم سياسي، ما يهمني في كل ذلك هو الإنسان.
* نلاحظ في أعمالك تعلقا بالأدب، اختيارك للقطع الشعرية كعنوان للصور التي تعرضينها والفيلم السينمائي الذي قمت بإخراجه مقتبس من رواية الروائية الإيرانية شهرنوش بارسي بور. هل تحبين الأدب؟ وهل تسعين لبناء جسور بين الأدب الفارسي والفنون التشكيلية؟
- سؤال وجيه للغاية. لم أمارس هواية مطالعة الكتب كثيرا ولا يمكنني الادعاء بأنني كنت مولعة بالأدب، ولكن لدي شغف كبير بمتابعة الشؤون الإيرانية، وأعتقد أن الأدب الإيراني هو مرآة تظهر براعة الإيرانيين في التعبير عن مشاعرهم وآرائهم. تفوق قوة لغة الأدب كل شيء في إيران. تعج الأعمال الأدبية للشاعرة فروغ فرخزاد بالصور الشعرية التي تحمل الطابع الشخصي، والاجتماعي، والبصري. يتناغم أسلوب الكتابة عند شهرنوش بارسي بور مع عناصر السريالية التي تحمل طابعا خياليا، غير أنها إلى جانب ذلك تصور الأمور الاجتماعية من خلال التعبير عن الأوضاع في فترة محمد مصدق وانقلاب 1953، أو الظروف التي تعيشها النساء. وتحمل أشعار سيمين بهبهاني طابعا اجتماعيا، وسياسيا، وإنسانيا. لقد حرص الأدب الإيراني خلال الفترات المختلفة على الاهتمام بالجوهر، والإنسانية، كذلك قام بالتعبير عن الأحداث السياسية والاجتماعية. وأنا أحرص على أن أحافظ على هذا المزيج في أعمالي.
* لقد أشرت إلى أن خلفية الصور التي تعرضينها تجسد العلاقة بين الإنسان ومحيطه الاجتماعي، في الوقت الذي تبحثين في تأثير هذه العلاقة على الأشخاص. سبق لك أن قدمت أعمالا تركز على الحركة الخضراء في إيران. هل تجدين علاقة بين الثورة المصرية والأحداث التي شهدتها إيران؟
- عندما قررت أن أقدم أعمالا حول الحركة الخضراء، خلقت صورا تتناول الشؤون الاجتماعية والسياسية. كنت أعتقد أنني سأقدم صورة عن حدث معين في فترة زمنية محددة، ولكن ما لفت انتباهي أن هذه الأعمال وعلى غرار كتاب الشاهنامة للشاعر الإيراني الفردوسي تعكس ردود فعل جماعية ونشاطها وشجاعة الأفراد الذين انخرطوا في الكفاح من أجل الوطن ونيل الحرية والديمقراطية، ولكن هذه الطاقة تعرضت لأعمال عنف.
نلاحظ نفس الصور الشعرية في قصائد الفردوسي والتي تجسد تعرض كافة حركات النضال الوطنية إلى العنف، فلهذا قمت بإضفاء طابعا معاصرا إلى أشعاره التي تتكرر بشكل أو آخر في الوقت الحاضر. كذلك أضفت طابعا عالميا إلى الأمور التي تناولتها الصور.
* هل يمكن القول إن معرض الصور حول مصر قد فتح لك طريقا جديدا يتمثل في عرض الصور الوثائقية لم تركزي عليها من قبل؟
- لقد أصبت. قمت بهذا المشروع الذي تذهب أرباحه لصالح المؤسسات الخيرية بناء على طلب من أحد الأشخاص. الأمر الذي جعلني أقترب من الأفراد الذين يتمتعون بروح إنسانية كبيرة. هؤلاء الأشخاص حقيقيون ولیسوا تماثیل. يعجبني هذا العمل كثيرا ولكنني في نفس الوقت أخشاه. يعجبني العمل لأنه أداة تقرب الفنان إلى واقع الحياة ومصائبها، ولا يعطي طابعا رومانسيا أو خياليا. ولكن ما يخيفني في الأمر أن العمل يوجه رسالة تحمل استنتاجا مباشرا. لا تتقيد في الأعمال الفنية غير الوثائقية بالتوقيت والزمن، يمكنك أن تقوم بالعمل كما يحلو لك وليس من الضروري أن تكون علاقة بين العمل والأحداث الحالية، وإنه يحافظ على نفس القيمة بعد مائة عام. ولكن عندما تقوم بعمل وثائقي معاصر فإن الأسلوب يتخذ طابعا مباشرا، وهذا ما أخاف منه.
* تعتزمين التوجه إلى مصر في غضون الأيام المقبلة لمواصلة العمل على إخراج فيلم سينمائي تتناول سيرة أم كلثوم الذاتية. لماذا تولين أهمية لأم كلثوم ومصر، كما بدا واضحا من الصور الأخيرة؟
- لم أقم بزيارة إلى إيران منذ سنوات، وقد يكون السبب هو عدم تمكني من السفر إلى هناك. قد يغير هذا الابتعاد عن الوطن نظرة الفنان. إلى متى يمكنك العيش مع هذه التعلقات؟ لقد أصبحت فنانة عالمية، ومارست نشاطاتي في عدة دول، في المغرب ومصر والمكسيك وتركيا وغيرها. ويهدأ الشعور بالحنين في فترة ما، حيث بدأت الحدود بيني أنا وإيران، والدول الأخرى تتلاشى شيئا فشيئا، وأخذت أشعر فجأة بعلاقة التقارب مع الشعب المصري وأم كلثوم على غرار ما أشعر به تجاه الشعب في إيران، حيث سأشعر بالغربة إذا توجهت إليها الآن. وشكلت أم كلثوم كفنانة مسلمة ظاهرة في الفترة التي عاشت فيها، وقامت بكسر محرمات لم يتمكن أي فنان حتى الآن من تحطميها في الدول الإسلامية. إن الخوض في تفاصيل وأبعاد حياة هذه الفنانة يثير اهتمامي لأفهم كيف استطاعت أم كلثوم خلق هذا التوازن. وسأتوجه إلى مصر لأحاول تحديد مواقع التصوير وانطلاق إنتاج الفيلم السينمائي في مطلع 2015 إذا حالفنا الحظ.
* إعداد «الشرق الأوسط» بالفارسية {شرق بارسي}



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».