ملحم بركات وأزاليا وقرباني يلهبون جمهور «موازين» في الرباط

في ثاني أيام دورة المهرجان الـ15

سفير الغناء الكلاسيكي الإيراني علي رضا قرباني
سفير الغناء الكلاسيكي الإيراني علي رضا قرباني
TT

ملحم بركات وأزاليا وقرباني يلهبون جمهور «موازين» في الرباط

سفير الغناء الكلاسيكي الإيراني علي رضا قرباني
سفير الغناء الكلاسيكي الإيراني علي رضا قرباني

قدم الفنان اللبناني ملحم بركات، الليلة قبل الماضية باقة من أغانيه الشهيرة لجمهور عريض حج إلى منصة حي النهضة بالرباط، في ثاني ليالي الدورة الـ15 لمهرجان «موازين إيقاعات العالم».
وبدأ بركات حفله بكلمات الكاتب والشاعر اللبناني نزار فرنسيس الذي تغنى بالمغرب وعاصمته الرباط، قائلا: «المغرب بلد كبير.. لما نزورك لا نتغرب، نحس أنه يعود بنا إلى لبنان».
وأدى بركات على منصة النهضة، وهو ملتحف الراية المغربية، مجوعة من الأغاني مثل «كل اللي بيشوفك بيحبك»، و«صاير كذاب اللي بحبو»، و«على بابي واقف قمرين»، و«حبيبي أنت»، و«بدك مليون سنة لتعرف أنا مين».
وتأتي مشاركة بركات في مهرجان «موازين» بعد غياب دام 7 سنوات، حيث كانت آخر مشاركة له عام 2009، ويعتبر بركات واحدًا من أقوى الأصوات في لبنان، وأحد الفنانين المتأثرين بألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
وتمكن بركات من وضع لمسته الخاصة على الأعمال الموسيقية العربية خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي من بينها «كبوش التوتي» و«وحدي أنا»، في الوقت الذي يعد من أكثر الفنانين احترامًا وحبًا في لبنان، بينما تجاوزت شهرته حدود بلاده لتصل إلى العالم العربي وأستراليا وأميركا الجنوبية وكندا والولايات المتحدة.
من جهتها، أحيت مغنية «الراب» و«الهيب هوب» الأسترالية إيجي أزاليا ثاني سهرات منصة «السويسي» بالرباط، بعد أن كان المغني الأميركي كريس براون نجم السهرة الأولى.
وأبدعت المغنية الأسترالية، التي شقت طريق النجومية بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، في تنويع اختياراتها الغنائية أمام الجمهور الغفير. وقدمت عرضًا موسيقيًا ألهب حماس الجمهور الذي تشكل في غالبيته من شباب تجاوبوا معها كثيًرا ورددوا أشهر أغانيها.
وفي أول مشاركة لها في مهرجان موازين، استطاعت أزاليا التي لم تتجاوز عقدها الثاني، كسب إعجاب جمهور المهرجان المولع بأغاني «الراب» الشبابية، والتي بفضلها استطاعت منافسة مشاهير الغناء الأميركي.
ومن أبرز الأغاني التي ألهبت حماس جمهور الرباط، أغنيتها الشهيرة «I m gonna love you»، التي تعرف انتشارًا واسعًا في العالم بعدما حصلت على أعلى معدلات المشاهدة في موقع «يوتيوب»، بالإضافة إلى أغنيتها الأشهر «فانسي»، التي حصدت العام قبل الماضي عددًا من الجوائز، والتي أدتها ضمن آخر الأغاني في السهرة.
وعاش جمهور مهرجان موازين في فضاء شالة التاريخي، مساء السبت، أجواء رحلة روحية صنعتها باقتدار فريد فرقة علي رضا قرباني، سفير الغناء الكلاسيكي الإيراني.حيث ألقى أغاني من عيون الشعر الصوفي.
ولم تكن اللغة الفارسية عائقًا أمام اندماج الجمهور في حالة من الارتقاء الروحي على إيقاع نصوص موسيقية رفيعة تصاحب أداء صوتيًا متفردًا للفرقة التي باتت أيقونة في عالم الموسيقى الروحية عبر العالم.
من وصلات عزف انفرادي، برع فيها أفراد الفرقة، إلى محاورات متصاعدة بين الوتري والإيقاعي، تفاعل جمهور من كل الفئات مع إبداع موسيقي أصيل يجمع التمكن والصنعة مع الارتجال الموسوم بجذبة روحية متسامية، وانقاد لسحر الأداء الغنائي بخامة صوت نادرة لدى علي رضا قرباني، المنجذب إلى الاشتغال على شعر الصوفيين الكبار.
وينسج قرباني الذي حل بفرقته لثالث مرة للمشاركة في تظاهرات فنية بالمملكة المغربية، علاقة متينة بين الماضي والحاضر بفضل المواهب الارتجالية للموسيقيين لديه الذين يمنحونه الفخامة الأوركسترالية والرزانة الحميمية اللازمة لبروز أغنيته القوية والمتفردة بنبرات تحرك السواكن.
وشكل حفل «موازين»، الذي قدمه علي رضا رفقة سمان سماني (تأليف وكمنجة)، ميلاد محمدي (تار) وحسين زاهاوي (دافن أودو)، تجسيدًا لكَنه المشروع الفني لهذا الفنان الذي يعد في الغرب واحدًا من أقوى ممثلي الغناء الشرقي في باب إحياء القصيدة القديمة بقالب موسيقي عصري.
وبرع قرباني في أداء أشعار جلال الدين الرومي، ونخبة المتصوفين الكبار في التاريخ الإسلامي، فضلاً عن أعلام القصيدة الكلاسيكية الفارسية.
يذكر أن قرباني من مواليد مدينة طهران عام 1972، تعلم قراءة القرآن صغيرًا، ودرس الموسيقى ابتداء من منتصف الثمانينات. ذاع صيته خارج إيران منذ جولته الأولى عام 2000.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».