«مهرجان كناوة» المغربي يختتم فعالياته بتكريم الصديقي «فتى الصويرة المشاغب»

حضره جمهور فاق التوقعات.. وبرمجة غنية احتفت بـ«موسيقى العالم»

جمهور غفير تابع فعاليات الدورة الـ19 من «مهرجان كناوة» («الشرق الأوسط»)
جمهور غفير تابع فعاليات الدورة الـ19 من «مهرجان كناوة» («الشرق الأوسط»)
TT

«مهرجان كناوة» المغربي يختتم فعالياته بتكريم الصديقي «فتى الصويرة المشاغب»

جمهور غفير تابع فعاليات الدورة الـ19 من «مهرجان كناوة» («الشرق الأوسط»)
جمهور غفير تابع فعاليات الدورة الـ19 من «مهرجان كناوة» («الشرق الأوسط»)

اختتمت في الصويرة مساء أول من أمس، فعاليات «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، في دورته الـ19، على الإيقاع نفسه الذي افتتحت به: تكريم كبار الفن المغربي من أبناء الصويرة، الذين رحلوا قبل أشهر؛ إذ بعد تكريم محمود غينيا، «أيقونة» فن «كناوة»، في ليلة الافتتاح، كان الموعد، في ليلة الاختتام، مع تكريم للطيب الصديقي، «فتى الصويرة المشاغب»، وعملاق المسرح المغربي، الذي رحل قبل أشهر، حيث تم تسليط الضوء على موهبته وتأثيره على الساحة الفنية الوطنية والعربية، سواء من خلال الحفل الموسيقي الذي شارك فيه بعض نجوم أشهر الفرق الموسيقية المغربية، التي كان الراحل شاهدا على تأسيسها، والتي أحدثت ثورة في الموسيقى المغربية، خلال عقد السبعينات من القرن الماضي، مثل ناس الغيوان والمشاهب وجيل جيلالة، أو من خلال توقيع كتاب جماعي، تحت عنوان: «وداعا أيها الفنان»، أشرف على إنجازه الكاتب حسن حبيبي، ضم شهادات لعشرين شخصًا كانت لهم علاقات ومعرفة شخصية بالفنان الراحل.
وترك الصديقي، الذي ولد سنة 1937 بالصويرة، تراثا مسرحيا متميزا، هو الذي راكم، على مدى مسيرته الفنية التي تواصلت على مدى ستة عقود، الألقاب والجوائز وشهادات التقدير والاعتراف من الجميع؛ فهو «فارس الخشبة»، الذي يعد «أول من أوصل المسرح المغربي إلى العالمية»، و«المبدع المتعدد»، الذي «استفاد منه أكثر من جيل»، و«عنوان مراحل بأكملها من حياة مسرح المغرب»، الذي «يلخص لوحده تاريخ المسرح المغربي»، والذي «كان هاجسه الكبير منح المسرح المغربي هويته وخصوصيته التراثية دون الاستغناء عن روح العصر».
ويحسب للصديقي، بحسب عدد من الشهادات والكتابات التي تناولت حياته ومكانته في المشهد الفني العربي، بشكل عام، وعلى صعيد الممارسة المسرحية، بشكل خاص، مبدعا ومؤطرا وصانعا لأسماء أكدت قيمتها وجدارتها الفنية، لاحقا، أنه واكب الحركة المسرحية بالمغرب، منذ انطلاقتها بعد الاستقلال، وعايشها، عن قرب، عبر كل تحولاتها، وساهم في التعريف بالمسرح المغربي؛ كما شكلت تجربته مدرسة تخرج فيها كثير من المسرحيين الذين أغنوا الساحة الفنية المغربية، كما أفرزت ظاهرة المجموعات الغنائية، خصوصا مجموعة «ناس الغيوان» الأسطورية، التي ترعرع معظم أفرادهما في حضن مسرح الطيب الصديقي، ومنه أخذوا فكرة استلهام التراث، ليس مسرحيًا، فقط، بل موسيقيًا وغنائيًا.
وفضلا عن تكريمها عددا من كبار الفن، مغربيا وأفريقيا، تميزت دورة هذه السنة من «مهرجان كناوة» بتنوع وغنى على مستوى البرنامج، الذي جمع عروض الموسيقى، على منصات الحفلات، بفضيلة الحوار في المنتدى، الذي نظم في دورته الخامسة، في موضوع «الدياسبورا» الأفريقية، بمشاركة باحثين ومختصين ومهتمين بالشأن الأفريقي، من المغرب وفرنسا والسنغال والجزائر وبلجيكا والكاميرون والولايات المتحدة وتونس، توزعت مداخلاتهم ووجهات نظرهم على أربعة محاور، شملت «الحركيات» و«المعرفة» و«النوع الاجتماعي» و«الثقافة».
وعرفت الدورة حضورا جماهيريا فاق توقعات المنظمين، الذين برمجوا ما يفوق 30 حفلا موسيقيًا، على مدى أربعة أيام، بمشاركة 300 فنان. كما أبرزت الدورة، على المستوى الفني، قيمة المزج والجمع بين أشكال فنية تقليدية، مثل «كناوة» و«حمادشة» و«عيساوة»، أو عصرية مثل «الجاز» والبلوز» و«الروك» و«الفلامنغو»، بمشاركة عدد من كبار الموسيقى في العالم، تتقدمهم فرقة «سونغوي بلوز» من مالي، و«ثلاثي جيف بالار وجمال الدين طاكوما وراندي ويسطون» من الولايات المتحدة، وحميد القصري من المغرب.
ويحسب لـ«مهرجان كناوة» أنه وسع من دائرة اهتمامه بالموسيقى التقليدية، من خلال مواصلة برمجة عروض لفرق «حمادشة» و«عيساوة».
ويحيل تراث حمادشة الفني على «زاوية حمادشة»، التي تأسست في نهاية القرن السابع عشر من طرف سيدي علي بن حمدوش، وهي تضم أتباعًا في تونس والجزائر والمغرب، وتبدأ حضرة (طقوس) حمادشة بـ«الحزب»، أي تلاوة الدعاء، ثم «الذكر»، أي ترتيل أناشيد دينية، فيما يبقى الغناء الجماعي هو الغالب، يصاحبه «الحراز» (طبل من الفخار). وتتكون المرحلة الثانية من ثلاث لحظات: لحظة ساخنة يبلغ خلالها المرء، بصورة تصاعدية، حالة اللاشعور. وعندما تهدأ «الحضرة»، يُتلى دعاء، ثم تبدأ «لحظة باردة» بعزف «المزمار»، حيث يتم ذكر «عائشة قنديشة»، ويضرب الراقصون رؤوسهم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».