«أنصار بيت المقدس» يفرون من سيناء إلى ليبيا.. ويتقاتلون على تخوم طرابلس

أهمها مجموعات «أبو المهاجر» و«العسلي» و«البصَّال».. واختلفت على الولاء بين «داعش» و«الإخوان» و«القاعدة»

عنصر من تنظيم داعش في ليبيا يتمركز في منطقة «الفتايح» في شرق البلاد («الشرق الأوسط») - القيادي المصري المتطرف في ليبيا ابو عبد الله
عنصر من تنظيم داعش في ليبيا يتمركز في منطقة «الفتايح» في شرق البلاد («الشرق الأوسط») - القيادي المصري المتطرف في ليبيا ابو عبد الله
TT

«أنصار بيت المقدس» يفرون من سيناء إلى ليبيا.. ويتقاتلون على تخوم طرابلس

عنصر من تنظيم داعش في ليبيا يتمركز في منطقة «الفتايح» في شرق البلاد («الشرق الأوسط») - القيادي المصري المتطرف في ليبيا ابو عبد الله
عنصر من تنظيم داعش في ليبيا يتمركز في منطقة «الفتايح» في شرق البلاد («الشرق الأوسط») - القيادي المصري المتطرف في ليبيا ابو عبد الله

فرَّت عشرات العناصر وبضعة قيادات من تنظيم «أنصار بيت المقدس» الدموي، من سيناء في شرق مصر، إلى ليبيا، خلال الشهور الثلاثة الماضية، بحثًا عن ملاذ آمن، بعد أن ضيَّق الجيش المصري الخناق على هذا التنظيم، لكن وجوده في ليبيا اتسم بالانشقاقات والخلافات التي تحولت لاشتباكات دامية على تخوم طرابلس الغرب، سقط فيها، قبل أسبوعين، عدة قتلى، أبرزهم قيادي مصري في التنظيم يدعى «الشيخ مروان».
وانقسم التنظيم المصري سريعًا إلى مجموعات متناحرة حول الولاء لـ«داعش» أو «القاعدة» أو «الإخوان». وتتركز أبرز خصومة من هذا النوع بين ثلاث مجموعات. الأولى تعرف باسم مجموعة «العسلي»، وينتمي مؤسسها لمدينة بورسعيد بمصر، واستوطنت في ليبيا قبل شهرين، في منطقتي «طرابلس» و«الخُمس»، وتعمل مع ميليشيات ليبية موالية لتنظيم القاعدة.
والثانية تُعرف باسم مجموعة «البصَّال»، وترجع أصول منشئيها إلى شبه جزيرة سيناء، ووصلت إلى ليبيا خلال الشهر الماضي، وأكثر عناصرها ينشطون في محيط مدينة مصراتة، وأصبحت تدين بالولاء للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان.
أما المجموعة الثالثة، فتدعى مجموعة «أبو المهاجر»، وتعد من أوائل المجموعات التابعة لـ«أنصار بيت المقدس» التي هربت إلى ليبيا، ويعتقد أن قائدها ضابط مفصول من الجيش المصري، وتتخذ من مدينة سرت مقرًا لها، وترفع راية «داعش».
وفقًا لمصادر أمنية ليبية، ومقربين من جماعات متطرفة في القاهرة وطرابلس الغرب، فقد دخل إلى ليبيا عشرات من مقاتلي «أنصار بيت المقدس»، بينهم عدة قادة، وأن معظمهم وصل خلال الشهور الثلاثة الماضية، عن طريق اجتياز الحدود المصرية مع ليبيا عبر دروب صحراوية وعرة، وبعض الوسائل الأخرى جرت عبر مراكب تديرها شبكة من المهربين في البحر المتوسط.
وقال الشيخ ناجح إبراهيم، المنظر السابق لـ«الجماعة الإسلامية» في مصر، الذي شارك قبل سنوات في إعطاء محاضرات، مع آخرين، لتصحيح أفكار عناصر من تنظيم «أنصار بيت المقدس» في سجني «دمنهور» و«أبو زعبل» بمصر، إن هذا التنظيم ارتكب فظائع خلال الـ12 سنة الأخيرة، لكنه انقسم قبل عامين، وهو ما زال في سيناء، إلى قسمين أحدهما يوالي أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، والثاني يوالي الخليفة المزعوم، أبو بكر البغدادي.
وتابع الشيخ إبراهيم قائلاً، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إنه لاحظ منذ البداية أن عددًا من قادة هذا التنظيم لم يكونوا يؤمنون إيمانًا قويًا بما يروجون له من «فكر»، ومع ذلك تحوَّل بعضهم إلى موالاة «القاعدة»، ثم انضم بعضهم إلى «داعش»، حيث تبنى التنظيم، خاصة الشق الداعشي، ضرب الجيش المصري وذبح المدنيين وقتل 12 من زعماء القبائل في سيناء، ونفذ عمليتين قرب واحات مصر الغربية (الفرافرة1، والفرافرة2)، كما حاول اغتيال شخصيات مصرية كبيرة.
ومن جانبه، أوضح الشيخ نبيل نعيم، المؤسس السابق لجماعة «الجهاد» المصرية، لـ«الشرق الأوسط»، أن العمليات العسكرية ضد المتطرفين، التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء منذ أكثر من سنتين، ضيقت الخناق على تنظيم «أنصار بيت المقدس»، خاصة خلال الشهور الماضية. وأضاف أن هذا الأمر دفع الكثير من قيادات التنظيم وعناصره للفرار خارج البلاد، والبحث عن ملاذ جديد.
وقال إن انتقال مثل هذه العناصر إلى ليبيا له كثير من الأسباب، منها الهروب من السلطات المصرية، ومحاولة الحصول على دعم مادي من الجماعات الليبية المتطرفة التي تتميز بالثراء المالي، لا سيما أن «التنظيم» تعرض لضربات موجعة من الجيش المصري في سيناء وخسر مصادر تمويل مهمة كانت تأتيه من عدة منافذ منها الأنفاق مع قطاع غزة.
وبحسب مصدر أمني مصري، فقد أطلق من تبقى من «أنصار بيت المقدس» (فرع داعش) في سيناء ما يشبه «نداء الاستغاثة» لباقي الدواعش في المنطقة في مسعى للحصول على دعم في مواجهة الهزائم والحصار الذي يتعرضون له على يد المصريين. وأضاف أن تنظيم داعش نظم حملة بين أنصاره لهذا الغرض بدأت يوم الخميس الماضي، تحت عنوان «نصرة إخواننا في سيناء».
ومن خلال جولة في ليبيا، تمكنت «الشرق الأوسط» من التقاط خيوط تكشف عن لجوء عشرات من «أنصار بيت المقدس» إلى التنظيمات المتطرفة التي تتركز في المناطق الوسطى والغربية من ليبيا. وترجع بداية القصة، بالتحديد، إلى يوم الثلاثين من شهر مارس (آذار) الماضي، حين رصدت الأجهزة الأمنية في العاصمة طرابلس استعانة «الجماعة الليبية المقاتلة» بمقاتلين مصريين ينتمون إلى مجموعة تطلق على نفسها مجموعة «العسلي».
وتبين أن عناصر المجموعة ما هم إلا مقاتلون فروا من مصر من تنظيم «أنصار بيت المقدس» النشط في سيناء. وتولت هذه المجموعة عملية تسيير دوريات لمراقبة وتأمين محيط سجن الهضبة، الذي يقع على طريق مطار طرابلس الدولي، وهو السجن الذي تديره «الجماعة الليبية المقاتلة». ودخلت مجموعة «العسلي» في اشتباكات مع عناصر مصرية أخرى موالية لجماعة الإخوان الليبية، كانت تريد الهجوم على مقر السجن لتحرير عدد من المحتجزين المحسوبين على «الإخوان» أو أقارب لهم، داخله.
ووفقًا لمصادر قريبة من قادة الميليشيات في العاصمة الليبية، وقعت عدة مناوشات بين مقاتلي الجماعتين، في الفترة من الثلاثين من مارس، حتى أواخر الشهر الماضي، وهي الفترة التي تطورت فيها الأحداث إلى مواجهات عنيفة شاركت فيها عناصر مصرية من الطرفين، وسقط فيها عدد غير معروف من القتلى والجرحى. ووقعت مطاردات بالسيارات والأسلحة مرة أخرى قرب السجن نفسه يوم 17 أبريل (نيسان) الماضي.
ويقول مصدر أمني ليبي، وهو ضابط في اللجنة الأمنية في طرابلس: «في تلك الليلة سُمع دوي الرصاص وشوهد وميض الطلقات، خلف مقر سجن الهضبة. كانت حربًا طاحنة». ووفقًا لشهادات من مصادر أخرى، فإن اشتباكات سجن الهضبة كانت محط أنظار الميليشيات والأجهزة الأمنية العاملة في العاصمة، حيث لوحظ أن جماعة «العسلي»، هي التي جرى تكليفها من جانب «الجماعة الليبية المقاتلة» للتوجه إلى محيط السجن والتعامل مع الخصوم الذين يتربصون به.. ويضيف: «كانت هناك محاولة لاقتحام العنابر الغربية لتحرير تجار لهم صلة قرابة بقائد إخواني في العاصمة».
وتولت مجموعة «العسلي»، بعد ذلك، تشديد الحراسة على مبنى السجن الذي تحتجز فيه الميليشيات العشرات من أنصار النظام السابق، وعددًا من خصوم الجماعة الليبية المقاتلة، من بينهم وزراء ورجال مخابرات، وغيرهم. ولا يخضع السجن للسلطات الشرعية في البلاد.
وخلال العامين الماضيين قُتل العشرات من المصريين المنخرطين مع الجماعات المتطرفة في ليبيا في عمليات ضد ميليشيات معادية وضد قوات الجيش الليبي في درنة وبنغازي وسرت وغيرها، لكن لا يُعرف على وجه الدقة كم عدد القيادات والعناصر المنتمية إلى تنظيم «أنصار بيت المقدس» التي تعرضت للقتل بسبب خلافات داخل التنظيم نفسه. وقال المصدر الأمني الليبي إن قياديا واحدا، على الأقل، تأكد أنه قتل يوم 17 الشهر الماضي على خلفية هذا النزاع، وهو من جماعة «العسلي».
ويلقَّب القيادي «القتيل» باسم «الشيخ مروان»، ويوصف في أوساط المتطرفين المصريين في ليبيا بأنه قيادي كبير في «أنصار بيت المقدس». وانتهى به الحال صريعًا بطلقات الرصاص، بجوار محطة الكهرباء في منطقة النشيع داخل طرابلس.
ويقول أحد المصادر التي تتعامل مع المتطرفين في طرابلس إن «الشيخ مروان» كان مكلفا من جانب «الجماعة الليبية المقاتلة»، بإدارة شؤون الميناء البحري في مدينة الخُمس الواقعة على بعد 120 كيلومترًا إلى الشرق من العاصمة الليبية. وأوضح أن عناصر من تنظيم «جند الحق» الليبي، الذي يتركز وجوده في غرب طرابلس، هي التي عثرت على الجثة، وقامت بنقلها إلى مقر للتنظيم مجاور لموقع الحادث.
وأبلغ تنظيم «جند الحق»، الجماعة الليبية المقاتلة بالموضوع، حيث فتحت تحقيقًا خاصًا في القضية. ووفقًا لمعلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر على علاقة بقادة الميليشيات الليبية، فإن «الشيخ مروان» كان حتى يوم 16 الشهر الماضي، أي قبل مقتله بيوم، موجودًا في مقر عمله في ميناء الخُمس البحري.
وقال أحد هذه المصادر، وكان في السابق من ضباط اللجان الثورية الليبية التابعة للقذافي: «جسد الشيخ المصري كان مثقوبًا بنحو عشرين طلقة رصاص.. هذه عملية انتقامية بشعة». ويعتقد هذا الضابط أن «الشيخ مروان» جرى استدراجه بواسطة متطرفين مصريين آخرين موالين للإخوان في ليبيا، لكي يترك موقعه وينتقل إلى منطقة النشيع في طرابلس حيث تعرض للتصفية هناك.
ويبدو أن العناصر المصرية من «أنصار بيت المقدس» التي وصلت إلى ليبيا تعاني من مشكلات وتراكمات جاءت بها من بلادها. أو كما يقول أحد زعماء الميليشيات الليبية هنا: «يخوِّن بعضهم بعضًا.. كل مجموعة تقول إنه كان ينبغي على المجموعة الأخرى ألا تغادر سيناء».
وقال الشيخ نعيم، إن القتيل «مروان» هو الشقيق الأصغر لزعيم مجموعة «العسلي»، التي تأسست في الأصل في مدينة بورسعيد على قناة السويس، وأصبحت إحدى المجموعات المنضوية تحت راية «أنصار بيت المقدس» في سيناء. وبحسب الشيخ نعيم أيضًا، فإن المجموعة ينسب لها القيام بكثير من العمليات الدموية في مصر، ومن أشهرها عملية استحوذت على الرأي العام أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي في مصر، وتتعلق بخطفها لسبعة جنود مصريين في سيناء.
وتسببت عمليات «أنصار بيت المقدس» بعد ذلك في مقتل مئات من العسكريين والمدنيين المصريين. وكانت أكثر الهجمات عنفًا في الشهور الأخيرة من العام الماضي. وفي الوقت الراهن يوجد في ليبيا عدة مئات، أو أكثر بكثير، من المصريين الذين فروا من بلادهم عقب سقوط نظام الرئيس مرسي في صيف 2013.
وبعد ظهور «داعش» في ليبيا في 2014، ظهرت بوادر الانقسامات بين العناصر المصرية الموجودة في درنة وبنغازي، بشأن الولاء بين البغدادي والظواهري والإخوان. ووقعت نزاعات فقهية حامية في أوساط المتطرفين المصريين داخل ليبيا، حيال هذه القضية، بيد أنها لم تكن قد وصلت إلى حد الاقتتال حتى الشهور الثلاثة الأولى من هذا العام.
لكن الموجة الجديدة من الهجرة التي قام بها متشددون من سيناء إلى ليبيا، هربًا من عمليات الجيش، تسببت على ما يبدو في تعقيد موقف الجماعات المصرية في المدن الليبية الملتهبة، خصوصًا أن الهجرة الأخيرة جاءت في وقت تعاني فيها التنظيمات الليبية المتباينة، من حصار وهزائم ألحقها بها الجيش الوطني الليبي بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، خاصة في شرق البلاد.
وفرَّ من درنة وبنغازي في الأسابيع الماضية نحو ألف عنصر كانوا فيما يشبه «الحلف الحربي» ضد الجيش الليبي. يضم هذا الحلف عناصر من «داعش» و«الإخوان» ومن «القاعدة» و«أنصار الشريعة»، وتوجهوا إلى سرت وطرابلس. وقال مصدر أمني ليبي إنه كان من بين هؤلاء عدد غير معروف على وجه التحديد من المصريين، مشيرًا إلى أن المشكلة حاليا أمام هذه العناصر الوافدة «هي أنه لا يوجد في طرابلس ولا في سرت (حلف حربي) مماثل لما كان عليه الحال في درنة وبنغازي».
وأضاف: بالتالي فإن غالبية المجموعات التي فرت من شرق ليبيا أو جاءت من سيناء، واتجهت جميعها إلى الغرب، وجدت نفسها أمام خيار صعب لإعلان الولاء ومن تتبع من قادة الجماعات؛ هل تتبع «البغدادي» أم «الظواهري» أم «الإخوان». ومن بين هذه الجماعات، «تنظيم أنصار بيت المقدس».
وفي الوقت الحالي، ووفقًا لشهادات من مصادر على علاقة بميليشيات طرابلس، تعمل مجموعة «البصَّال»، تحت راية جماعة الإخوان الليبية، ويشرف على هذه المجموعة إخواني ليبي يحمل الجنسية الأميركية، يدعى «ع.ط». وأضافت المصادر أن قائد مجموعة «البصَّال» موجود حاليا في مدينة مصراتة الواقعة على بعد 200 كيلومتر شرق العاصمة الليبية، مشيرة إلى أن هذا القائد «مطلوب القبض عليه من جانب عدة حكومات في منطقة الشرق الأوسط، ومن جانب الجماعة الليبية المقاتلة بمن فيها من مصريين موالين لها أيضًا».
وفي المقابل كان «الشيخ مروان»، ومن معه من عناصر فارَّة من سيناء، يعمل، حتى مقتله قبل أسبوعين، تحت إشراف مسؤول في الجماعة الليبية المقاتلة في طرابلس (الموالية للقاعدة) يدعى «أ.ي».
أما مجموعة «أبو المهاجر»، فتتحرك تحت راية تنظيم داعش، في كل من سرت وطرابلس. ويصنف البعض قائد مجموعة «أبو المهاجر» بأنه من أخطر القيادات المتطرفة في المنطقة، ويعتقد، بحسب المصادر في سرت، أنه ضابط مفصول من الجيش المصري، والعقل المدبر لكثير من العمليات الدموية في مصر وليبيا.
وترجع علاقة التعاون بين المتطرفين في هذين البلدين المهمين في شمال أفريقيا، إلى فترة تولي قادة من جماعة الإخوان الحكم في القاهرة وطرابلس الغرب، بداية من عام 2012، وهي السنة التي ظهر فيها بوضوح اقتراب الإخوان من تنظيمات كانت مشهورة بالأعمال المسلحة ضد نظم الحكم السابقة. فقد كان نظام القذافي يحارب لأكثر من عشرين سنة «الجماعة الليبية المقاتلة»، بينما خاض الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، معارك طاحنة ضد الجماعات المتطرفة التي قتلت سلفه، الرئيس السادات، عام 1981.
ومنذ سقوط نظام الرئيس مرسي زادت عمليات المتطرفين ضد السلطات في سيناء. وفي ذلك الوقت قدرت مصادر أمنية مصرية عدد العناصر التي تحمل السلاح ضد الدولة بعدة ألوف بينهم أجانب. لكن العدد تراجع إلى حد كبير على أثر حملة يقودها الجيش في سيناء منذ نحو ثلاث سنوات. وقال الشيخ ناجح إبراهيم إن الليبيين الذين جاءوا (ضمن المقاتلين الأجانب) في أيام الفوضى الأمنية في مصر (أحداث 2011)، لمؤازرة «أنصار بيت المقدس» في سيناء، عادوا سريعًا إلى ليبيا لأنهم لم يتحملوا الظروف القاسية التي وجدوها أمامهم.
ووفقًا للشيخ إبراهيم، تأسست جماعة «أنصار بيت المقدس» في سيناء عام 2003، ونفذت عمليات دموية كبرى بحق منتجعات سياحية مصرية في نويبع وطابا ودهب وشرم الشيخ في عامي 2004 و2005. وتمكنت سلطات الأمن أيام الرئيس مبارك، من القبض على عدد يتراوح بين 500 إلى 600 من عناصر التنظيم، وحكم على بعضهم بالإعدام أو السجن المؤبد، لكن الغالبية منهم جرى إخضاعها، داخل السجون، لبرامج للإصلاح «لمن لم يثبت تورطهم في العنف»، كان بعضها في سجن «دمنهور» والآخر في سجن «أبو زعبل».
وأضاف إبراهيم أنه حين جاءت ثورة 2011 هربت باقي عناصر «أنصار بيت المقدس» من السجون المصرية وبعضهم توجه إلى سيناء والبعض الآخر إلى سوريا.. «من فروا إلى سيناء التقوا مع من كانوا قد أجروا مراجعات في السجون، وقالوا لهم إن نظام مبارك سقط ولم يعد هناك خوف.. وبايعوا أيمن الظواهري، وأقاموا ثلاثة معسكرات في المثلث الواقع بين مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وذلك أثناء فترة الفراغ الأمني، حيث قاموا أيضًا بتفجير أنبوب الغاز المار من سيناء (إلى الأردن وإسرائيل) 12 مرة، وهاجموا أقسامًا للشرطة في سيناء.
وتابع إبراهيم قائلا إنه بعد ظهور تنظيم داعش، بادر قادة في «أنصار بيت المقدس» بمبايعته. ومنذ ذلك الوقت «انقسموا إلى قسمين. قسم قال نريد أن نبقى على البيعة مع الظواهري. وقسم بايع (داعش) رسميًا، حيث شرع في إرسال مقاتليه إلى سوريا للتدريب والقتال والعودة مرة أخرى، وبدأ مرحلة استهداف للجيش المصري والقيام بأعمال الذبح للمدنيين وشيوخ القبائل، بعد أن كانت هجماته تقتصر في السابق على مواقع الشرطة فقط.
وقالت مصادر أخرى على صلة بمتطرفين من «أنصار بيت المقدس» إن عناصر من مجموعات «العسلي» و«أبو المهاجر» و«البصَّال» كانوا مذبذبين في الولاء بين «القاعدة» و«داعش» و«الإخوان»، وأن عددًا منهم تلقى تدريبات على أيدي متطرفين في قطاع غزة، واجتازوا هناك «دورة محو أمية عسكرية»، قبل اضطرارهم للفرار إلى ليبيا.. «بعضهم وصل إلى درنة، ثم اتجهوا إلى سرت وطرابلس بعد ضرب الجيش الليبي للجماعات المتطرفة في الشرق».
وفي ليبيا، في الوقت الحالي، تصنِّف مجموعة «البصَّال»، مجموعة «العسلي»، بأنها انشقت عن «أنصار بيت المقدس»، وأنها «تخلت عن مناصرة الرئيس مرسي»، بينما ترد مجموعة «العسلي» على المجموعة الأولى، وفقًا للمصادر نفسها، باتهامها بـ«الارتماء في أحضان جماعة الإخوان»، التي ترى أنها «لم تحكم بالشريعة حين واتتها الفرصة». ومن جانبها، وبسبب الولاء أيضًا، رفضت مجموعة «أبو المهاجر»، التي ترفع راية «داعش» في سرت، التعامل مع الزملاء القدامى في «أنصار بيت المقدس»، بمن في ذلك مجموعتا «البصَّال» و«العسلي».



ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.