ليونيد بيرشيدسكي
TT

العنف السياسي تقليد أميركي

يقول السيناتور ماركو روبيو، إن حجم التوتر الذي يتسبب به ترامب خلال سباق الرئاسة الحالي يليق بـ«العالم الثالث». إنه يبالغ في الأمر، وعلى الأميركيين أن يعتبروا أنفسهم محظوظين لهذا. فقد حضرت ثمانية لقاءات جماهيرية ضمن جولة ترامب الدعائية في العديد من الولايات الأميركية على مدار الشهرين الماضين، لكنني لم أرَ ما يمكن اعتباره شجارا حادا.
على مدار شهور الحملة الانتخابية والفعاليات التي وقف فيها ترامب أمام جمهوره المتزايد والمتحمس، الذي ملأ الملاعب الرياضية في بعض الأحيان، لم يحدث أن أصيب شخص بجروح خطيرة، وكان ضابط الشرطة والمدنيان الاثنان الذين أصيبوا بجراح طفيفة وتوجهوا للمستشفى بعد إلغاء المؤتمر الجماهيري في شيكاغو يوم الجمعة الماضي، أقصى ما شاهدنا من عنف. لكمة أسقطت صحافيا أرضا تسببت بالتشويه المتعمد الذي يصاحب السياسة دوما، جعلت السيناتور روبيو يطلق على ما حدث «العالم الثالث».
في برلمانات الديمقراطيات الناشئة والفقيرة، هناك ما هو أعنف مما يحدث في مؤتمرات ترامب الانتخابية. في اليونان مثلا، عادة ما نشاهد استخدام زجاجات المولوتوف وقنابل الغاز المسيل للدموع في المظاهرات المعارضة لإصلاحات الرواتب التقاعدية. وفي أوكرانيا في أغسطس (آب) الماضي، شاهدنا ناشطا يمينيا متطرفا يلقي قنبلة يدوية على الشرطة، وسط حشد جماهيري خارج مبنى البرلمان، وجرى تبادل لإطلاق النار، مما تسبب في قتل ضابط وجرح نحو 100 جندي. وفي روسيا، يعتبر حضور مؤتمر جماهيري من دون وجود سياج من الشرطة، مغامرة قد يتخللها الاعتداء البدني، أو تنتهي بالاعتقال، كما يحدث مع المئات هناك.
نستطيع أن نتمنى أن تهدأ نغمة حديث ترامب قليلا، وفي نفس الوقت، علينا أن نتذكر أن الولايات المتحدة، طالما شهدت سياسة استعراض العضلات، التي تشعل الأمور، والتي تصل لمدى أبعد من الصياح والدفع بالأيدي.
لنتذكر احتجاجات الحقوق المدنية أو تلك المظاهرات المناهضة للحرب في فيتنام، ناهيك عن صدامات العمال في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي.
الأمر لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة وحدها، «فكما أن الأمر مريح للبشر المتحضرين أن ينظروا للهمجيين باعتبارهم عنيفين، ولمن يمارسون العنف كهمجيين، فإن الحضارة الغربية والأشكال المختلفة للعنف الجمعي، كانا دوما وثيقي الصلة ببعضهما بعضا»، وفق عالم الاجتماع تشارلز تيلي عام 1978.
قد يكون السكون النسبي في السياسية الأميركية مجرد أمر دوري مؤقت، وقد يكون الموسم الانتخابي الحالي أكثر مشاكسة، بعد أن أوشك صبر الأميركيين على النفاذ من السياسة كما هو معتاد، سواء في اليسار أو اليمين. في جميع أنحاء العالم وعلى مر التاريخ رأينا التعبير عن نفاذ الصبر يتخذ أشكالا عنيفة.
الشجار في الفعاليات الجماهيرية لا يعنى بالضرورة الانحدار للوحشية، فقد يكون الدافع هو التعبير عن غضب شديد وقناعة ما، وهذان الدافعان دوما متلازمان. قد تكون الديمقراطية فوضوية، خاصة إذا كانت البلاد تمر بمرحلة تغيير. فقد شاهدت في الجمهوريات السوفياتية الواحدة تلو الأخرى، كيف أن الماضي لا ينقشع من دون عراك. الأمل في التغيير يموت عندما يصاب الناس باللامبالاة ويتوقفون عن العراك، وعندها يتوقفون عن التصرف بشكل مخزٍ.
قد لا تكون هذه الانتخابات صالة لعرض الذكاء وفن الحكم، الذي تتمتع به النخبة في الولايات المتحدة، لكن الانفعالات والاشتباكات التي أوجدتها في السياسة الأميركية قد يكون لها جانبها المشرق.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»