الفنان السوري فائق عرقسوسي لـ«الشرق الأوسط»: اللعبة في مسلسلات السيرة الذاتية خطرة

قال إن الثقافة العامة والاحتكاك مع الناس تمنح الفنان أشكالاً حيّة للأداء وطرقًا جديدة للاكتشاف

الفنان فائق عرقسوسي
الفنان فائق عرقسوسي
TT

الفنان السوري فائق عرقسوسي لـ«الشرق الأوسط»: اللعبة في مسلسلات السيرة الذاتية خطرة

الفنان فائق عرقسوسي
الفنان فائق عرقسوسي

ينتمي الفنان السوري فائق عرقسوسي إلى جيل السبعينات، حيث انطلقت تجربته الفنية كحال فناني جيله من المسرح، ومن ثمّ الدراما التلفزيونية، وإن كان (فائق) خالف زملاء جيله حيث أصّر على المسرح وراهن عليه حياة وديمومة فنية بعد أن درس المسرح والفن أكاديميًا في المعهد العالي للفنون بالقاهرة في سبعينات القرن المنصرم، وفي الجديد في أعماله التلفزيونية للموسم الحالي، صوّر أخيرًا دوره في المسلسل الاجتماعي البوليسي «مذنبون أبرياء» مع المخرج أحمد سويداني ويجسّد فيه شخصية دبلوماسي (عصام) وهو مسلسل يتناول قضايا الجاسوسية والمخدرات والمؤامرات والمافيات كذلك صور دوره في المسلسل التاريخي «ابن حنبل» بشخصية الشيخ الأذرمي ويستعد لتصوير مشاهده في الجزء الجديد من السلسلة الكوميدية بقعة ضوء.
وعلى الرغم من أن عرقسوسي هو ابن البيئة الدمشقية فيلاحظ أنه مقل في مشاركاته في مسلسلات البيئة الشامية، وفي حوار معه يتحدث الفنان فائق عرقسوسي لـ«الشرق الأوسط» موضحًا السبب قائلاً: «لقد شاركت منذ المسلسلات الأولى في مجال دراما البيئة الشامية ومنها مثلاً مسلسل (حارة نسيها الزمن) في الثمانينات، ولكنني بعدها ومنذ 27 عامًا كنت بعيدًا عن هذه الأعمال (أو مبعدًا)؟! حتى كانت مشاركتي في المواسم الأخيرة بمسلسل زمن البرغوث وبشخصية عكيد الحارة ومن ثم في مسلسل بواب الريح وهو بيئي شامي تاريخي، أما بالنسبة للأجزاء الجديدة من سلسلة باب الحارة فلم يتصل معي أحد للمشاركة فيها.. أنا لم أبعد نفسي عن المسلسلات الشامية ومن أبعدني كل من أنتج وأشرف على مثل هذه الأعمال (قد يكونوا بحسن نيّة لم يتذكروني)!».
ولماذا لم نشاهدك في أعمال درامية مصرية وأنت خريج معهد الفنون بمصر؟ يبتسم عرقسوسي: «شاركت في بعض الأعمال، ولكن كان منتجوها سوريين وفي السبعينات، وعندما كنت أدرس في مصر شاركت في بعض الأعمال الدرامية هناك، ولكن في الوقت الحالي لم يطلب مني المشاركة وأنا أجيد بالتأكيد اللهجة المصرية وتابعني المتفرج في مشاركة لي بمسلسل شامي (ياسمين عتيق) أتكلم باللهجة المصرية، حيث جسّدت في المسلسل شخصية مصرية (شخصية الأميرالاي عمر قائد جيوش إبراهيم باشا في حملته على الشام)».
وحول رأيه بدراما السيرة الذاتية وإمكانية تجسيده لشخصية ما فيها يرى عرقسوسي أن شخصيات السيرة الذاتية مترسخة في أذهان الناس بشكل ما ففي حال كسر هذا الانطباع فإنه سيسبب فجوة بين الممثل والمتلقي ويؤدي لحالة من الابتعاد وعدم الرغبة في متابعة المشاهدة خاصة وأن الممثل لا يملك إيصال الرؤية كما يملكها المخرج وإنَّ من يتحكم في الرؤية العامة لمسلسلات السيرة الذاتية التلفزيونية لشخصية تاريخية ما دينية أو ثقافية أو سياسية هو المخرج، وهنا الممثل يحاول كثيرًا أن يبحث ويتخيّل ويقترب ويحلل ويناقش حتى تنضج الشخصية لديه ليؤديها في المسلسل، وقد يذهب هذا كلّه هباء بطريقة تقديم هذه الشخصية، فاللعبة هنا خطرة والأخطر منها بالنسبة للمثل أنه ليس هو من يمتلك التوجه.
وعن الدراما المدبلجة ومشاركته بها يقول عرقسوسي: «عملت في هذا النوع من الدراما لمرّة واحدة (مسلسل وادي الذئاب)، ولكنني لم أكرر مشاركتي بها لأنني وجدت أنه ليس فيها روح الإبداع، بل الممثل هنا يكتشف روح الشخص الذي يلعب شخصيته وطريقة انفعالاته في العمل وهذه أقرب ما تكون لمعايشة غير ممكنة، في الدوبلاج الممثل يقلّد حقيقة ويحاول إيجاد الصيغة الأنسب للتقليد».
ويجيب فائق عن العلاقة مابين الممثل والدور ومن يقدّم أكثر للآخر قائلاً: «العملية هنا متبادلة فقد يكون الممثل مجيدًا منذ بداية المسلسل وبكل حلقاته، ولكنه يمّر دون أن يترك أثرًا لدى المشاهد والعكس صحيح.. المهم هنا - برأيي - أنّ نتساءل هذا الدور ماذا فعل وكيف أثر في الأحداث؟ على سبيل المثال في مسلسل نزار قبّاني أديت شخصية حسني الزعيم وأعتقد أن من تابع المسلسل لم ينسى شخصيتي فيه رغم محدودية اتساعها في المسلسل.
وحول ضرورة وجود الفنان المثقف بثقافة عامة وليس بالدراسة الأكاديمية فقط، يرى عرقسوسي أن الثقافة ضرورية للممثل فأثناء دراستنا في المعهد كان أساتذتنا يقولون لنا نحن نعطيكم المفاتيح، ولكن بعد ذلك ما يوجد داخل الغرفة وما هي مكوناتها ومحتوياتها هذه خياركم أنتم!.. إنّ الثقافة العامة والخبرة والاحتكاك مع الناس تمنح الفنان أشكالاً حيّة للأداء وطرق جديدة للاكتشاف.
وحول عدم عمله في مشروع شخصي له أسوة ببعض فناني جيله يوضح فائق: «أنا لا أحب أن أتعدى على غيري!.. أنا رجل عاشق مسرح.. لقد قضيت جلّ عمري في المسرح - يتنهد عرقسوسي - إنّ متعتي ودنياي وهويتي وشخصيتي شيء له علاقة بالمسرح ولو كان هناك مسرحًا يمنح عائلتي وأولادي مستوى معينًا من العيش لما خرجت من بوابة المسرح، هناك من ينتقدني بسبب تركيزي على المسرح ويعتبرونه رهانًا خاسرًا.. وأقول لهؤلاء إنني لا أراهن على فرس خاسر، فالمسرح هو ارتقاء وثقافة والمسرح أنت من يطلبه فيجب عليك أن تدفع الثمن وقتًا وذهنًا وروحًا؟!.. والمسرح ليس حالة غواية، بل هي حالة تصوّف وليست حالة عشق مؤقت ولا مراهنة على مكسب وخسارة.. يكفيني أن أبحر ويلتحق في ركب الرحلة بعض الناس الذين لم يعتادوا السباحة لأقول إنني فعلت شيئًا؟!».
لدى فائق ثلاثة أولاد (ابنتان وصبي)، وجميعهم لديهم مواهب فنية، فابنه (أمجد) يدرس حاليًا في المعهد العالي للفنون المسرحية، و(نور) تتميز بموهبتها الغنائية والتي شاركت قبل عامين ببرنامج «The Voice» على شاشة «mbc»، حيث خرجت من نصف نهائي البرنامج بعد أن سحرت الجمهور بصوتها الرائع وبطربها الأصيل، ولديه البنت الأكبر (نغم) وهي تغني وتمتلك صوتًا جميلاً.



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».