«الجماعة الإسلامية» المصرية تبحث عن طريق جديد في خضم فوضى «التكفير والتفجير»

قيادات الداخل تؤجل حسم الموقف من تحالف «دعم الشرعية» انتظارًا لقيادات الخارج

«الجماعة الإسلامية» المصرية تبحث عن طريق جديد في خضم فوضى «التكفير والتفجير»
TT

«الجماعة الإسلامية» المصرية تبحث عن طريق جديد في خضم فوضى «التكفير والتفجير»

«الجماعة الإسلامية» المصرية تبحث عن طريق جديد في خضم فوضى «التكفير والتفجير»

تعد «الجماعة الإسلامية» المصرية واحدة من أهم الجماعات التي ظهرت في سبعينات القرن الماضي، وارتكبت أعمال عنف ضد السلطات خاصة في عهدي الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، لكن الفوضى التي ضربت منطقة الشرق الأوسط بظهور تنظيم داعش، جعل الجماعة تشعر بالقلق على مستقبلها، وهي اليوم تبحث عن طريق جديد مغاير، بعيدا عن فتاوى «التكفير والتفجير» الداعشية.
ويقول القيادي السابق في تنظيم الجهاد المصري، الشيخ نبيل نعيم، عن أحد الملهمين التاريخيين لـ«الجماعة الإسلامية»، وهو الشيخ المصري عمر عبد الرحمن، المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة الأميركية، إن خطبه وفتاواه تجاوزها الزمن، بعد ظهور تنظيم داعش الدموي. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»، في تقييمه لأدبيات الشيخ عبد الرحمن، في ظل الظروف الجديدة بعد تجارب حكم «التيار الإسلامي» في ليبيا ومصر وتونس، إن خطبه لم تعد لها قيمة، لأن الأمور أصبحت أكبر مما كان يرد في تلك الخطب، و«لغة الخطاب المتطرف اليوم تخطت عمر عبد الرحمن بمراحل».
وما زالت معظم قيادات «الجماعة الإسلامية» تتمسك بالأفكار الخاصة بمبادرة وقف العنف التي أجرتها مع الدولة في أواخر تسعينات القرن الماضي، وهي المبادرة التي أيدها الشيخ عبد الرحمن من محبسه في أميركا أيضا. إلا أن دخول «الجماعة الإسلامية» تحت مظلة ما يسمى بـ«تحالف دعم الشرعية» الموالي للرئيس الأسبق محمد مرسي، وعدم قدرتها على الخروج منه حتى الآن، جعل حركة الجماعة محل شكوك من جانب السلطات، أو كما يقول الزعيم السابق في «الجماعة الإسلامية»، الشيخ ناجح إبراهيم، لـ«الشرق الأوسط»: هي لم تستطع أن تتخذ قرارا لا بالبقاء ولا بالخروج.
وتفيد مصادر الجماعة أن الشيخ أسامة حافظ الذي يرأس في الوقت الحالي مجلس شورى «الجماعة الإسلامية»، في موقف صعب، حيث إنه يعد، مع مجموعات أخرى من الصف الأول، من قيادات الداخل، التي اضطرت عدة مرات لتأجيل حسم الموقف من «تحالف دعم الشرعية» انتظارا لقيادات الخارج.. أي القيادات التي فرت إلى خارج البلاد عقب الإطاحة بنظام مرسي، وكانت تدعو إلى «الجهاد» ضد السلطات الجديدة.
اختارت قيادات معتبرة في «الجماعة الإسلامية»، منذ خروج الشعب المصري في ثورة 30 يونيو 2013 ضد مرسي، الانحياز صراحة للتيار الإسلامي الذي كان يوالي الرئيس الأسبق. ووقف عدد من قادة «الجماعة الإسلامية» على منصة «الخطابة التحريضية» في ميدان رابعة العدوية الذي كان يعتصم فيه الآلاف من مؤيدي مرسي القادم من جماعة الإخوان المسلمين. وعقب فض اعتصام رابعة العدوية، انخرطت «الجماعة الإسلامية» في التحالف الداعم للرئيس الأسبق.
لكن «الجماعة الإسلامية» لم تتبن أي عمليات إرهابية ضد السلطات منذ ذلك الوقت، كما يقول الشيخ إبراهيم، إلا أنه جرى القبض على نحو 300 من عناصرها، وما زالوا موجودين داخل السجون، وفقا لمصادر قريبة من الجماعة، رغم أن مصدرا في وزارة الداخلية يقول إن عدد المقبوض عليهم أقل من ذلك بكثير، ويخضعون للتحقيق بين يدي النيابة والقضاء. ويمكن لمبادرة «حسن نوايا» بين السلطات و«الجماعة الإسلامية» أن تحل الكثير من المشاكل. ويقول الشيخ نعيم إن الحكومة لو سعت على سبيل لمثال لاستعادة الشيخ عبد الرحمن من السجون الأميركية فهذا سيكون مؤشرا قويا على أن النظام الحالي لا يعادي «التيار الإسلامي».
وباستثناء التنظيم الخاص الذي كان بمثابة الذراع العسكرية لجماعة الإخوان منذ ظهوره كمجموعة اغتيالات وتفجيرات، في النصف الأول من القرن الماضي، كانت «الجماعة الإسلامية» من الجماعات القليلة التي تعمل على الساحة المصرية، خاصة حين طالت عملياتها في التسعينات سياحا غربيين ومسؤولين في الدولة. واستقال عدد من قادتها في أوج نشاط الجماعة. ومن بين من استقالوا منها في ذلك الوقت الشيخ ناجح إبراهيم نفسه، وآخرون. بينما ظلت قيادات أخرى تدير أمور الجماعة، إلى أن ظهر تنظيم القاعدة.
وبعد تنفيذ القاعدة لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، بدأت أجيال جديدة من التيارات الدينية، بما فيها الجماعة الإسلامية، تصاب بـ«فتنة التنظيم الجديد» خاصة أن الرجل الثاني فيه كان هو أيمن الظواهري المصري الأصل، والذي كان، قبل خروجه من البلاد إلى أفغانستان، مسجونا مع قادة آخرين في جنوب القاهرة في قضايا من بينها قضية اغتيال السادات.
وبشكل عام أثر تنظيم القاعدة على قطاع من التيار الإسلامي المصري، قبل أن يتراجع دور التنظيم، ويظهر بدلا منه تنظيم داعش الدموي، حيث أدى ذلك إلى افتتان بعض شبان الحركة الإسلامية المصرية به. ويقول ناجح إبراهيم إن «داعش» «أضر الحركة الإسلامية وأضر الشباب، وهناك بعض الشباب اغتر في المرحلة الأولى وحدث له انبهار كاذب بالقاعدة أيام 11 سبتمبر، وحدث هذا الافتتان مرة أخرى أيام الانتصارات الكبرى لداعش في العراق».
وعما إذا كانت خطابات «الجماعة الإسلامية» قد تجاوزها الزمن خاصة في ظل الأوضاع الجديدة وظهور تنظيم داعش، قال الشيخ إبراهيم، إن هناك فروقا شاسعة بين الوضع أيام الجماعات الإسلامية والوضع الآن.. وهو يرى أن أول فرق يكمن في أن «الجماعة الإسلامية» كان لديها مشروع فكري معين، وكان لديها طلبات سياسية بعينها.
ويقول إن «الجماعة الإسلامية جماعة محلية ليس لها أي علاقة بالإقليم أو خارج مصر، ولا تتلقى أي دعم من الخارج. أما إذا كان هناك من هرب من الجماعة للخارج فهذا أمر يخصه هو فقط، كما أنه ليس مؤثرا».
وبإلقاء نظرة من بعيد على تيار الجماعات الدينية عموما، يمكن أن ترى «الجماعة الإسلامية» المصرية مجرد كيان يراوح مكانه في بحر واسع وسط موج متلاطم. ويقول الشيخ إبراهيم إن الوضع الآن مختلف عن السابق دون شك.. «أصبحت هناك جماعات كثيرة لديها امتدادات إقليمية وارتباطات إقليمية وما إلى ذلك». وهو يضع فروقا جوهرية بين مجموعات العنف في الوقت الراهن، ومجموعات العنف في السابق.
ويقول إن جماعات العنف السابقة (مثل الجماعة الإسلامية) كانت تتميز بأنها جماعة كاملة، أي «لها هيكل إداري، وتعرفها أجهزة الأمن، ولها مجلس شورى ودعاتها معروفون.. جزء منها يعمل في العلن، في المساجد وفي الدعوة العلنية، وجزء سري. كما أنه كان لها مشروع فكري، ولها طلبات سياسية، مثل الإفراج عن المعتقلين، وحرية الدعوة، ووقف التعذيب، ووقف التصفية الجسدية».
أما مجموعات العنف في مصر اليوم، كما يراها ناجح إبراهيم، فهي عبارة عن عدة أصناف.. «داعش سيناء» و«داعش» على العموم، الذي هو جزء من تنظيم دولي. وجماعة اسمها أنصار الشريعة، ومجموعة أجناد مصر، بالإضافة إلى مجموعة «العنف الفردي العشوائي».
ويقول عن «داعش سيناء» إنها «لا تعرف ماذا تريد. لا قالت مشروعها ولا قالت عن طلباتها في مصر ولم تطرح فكرتها. كلها مجموعة عسكرية ليس فيها دعاة ولا مفكرون ولا مربون.. كما أن داعش سيناء فيها تجار مخدرات وتجار أنفاق كانوا يهربون أسلحة وأفارقة (من سيناء لقطاع غزة وإسرائيل) وفيها هاربون جنائيون. كل هؤلاء اجتمعوا تحت هدف واحد هو محاربة الحكومة التي حاربتهم في أكل عيشهم».
أما جماعة أنصار الشريعة بمصر فيقول الشيخ إبراهيم إنها كانت تتركز في محافظة الشرقية (بشمال القاهرة) ويضيف أن هذه الجماعة انتهت عمليا، وقتل معظم أفرادها والباقي سجن. وفيما يتعلق بمجموعة أجناد مصر، والتي نفذت نحو 90 عملية ضد السلطات في عامي 2013 و2014 فقد جرى تصفية معظم قادتها أيضا بحسب ناجح إبراهيم.
ومن بين الجماعات الأخرى التي أربكت المشهد أمام التيار الديني وفي القلب منه الجماعة الإسلامية، فهناك ما أصبح يعرف باسم «مجموعة العنف الفردي العشوائي». وهذه المجموعة عبارة عن فرق صغيرة كل فريق منها يتكون من ثلاثة أو أربعة أشخاص، ينفذ عملية واحدة أو عمليتين ثم يختفي، ليقوم فريق آخر بتنفيذ عمليات جديدة، وتعتمد المجموعة على متفجرات محلية الصنع، وأغلبهم غير مسجل في أجهزة الأمن.. أي غير معروفين وليس لديهم ماضٍ يمكن تتبعهم من خلاله. ويقول الشيخ إبراهيم إن معظم عمليات «مجموعة العنف الفردي العشوائي» جرى تنفيذها أمام جامعة القاهرة وفي محافظة الجيزة (غرب العاصمة).
ويطلق على هذا النوع من «مجموعة العنف الفردي العشوائي» أيضا اسم «مجموعة العملية الواحدة». ومن خصائصها كما يقول الشيخ إبراهيم أنه ليس لديها مشروع.. «ينفذون عملية أو عمليتين، ثم يختفون، لتظهر مجموعة أخرى. وهكذا». وعن المنبع الذي أتت منه هذه الفرق الصغيرة، يوضح قائلا إن «جزءا منهم شهد خطاب رابعة العدوية التحريضي والتكفيري والحربي، وجزء منهم شاهد فض (السلطات) لاعتصام رابعة العدوية.. فض لم يكن رحيما ولا حكيما وغير متدرج. وبعضهم رأى دماء أصحابهم ومن كانوا يعيشون معهم في الاعتصام، وما إلى ذلك».
باختصار تقوم هذه الفرق الصغيرة التي نفذت عمليات راح ضحيتها رجال أمن وموطنون عاديون، بما يسميه الشيخ إبراهيم بـ«جهاد النكاية» ضد الدولة، وذلك من خلال عمليات تستهدف عناصر الأمن أو السياح أو غيرها، مما يتسبب في إرباك السلطات.
ويقول إن جماعات العنف الجديدة التي ظهرت في الفترة الأخيرة، تختلف إلى حد كبير عن الجماعات الأخرى التي كانت معروفة ولها أهداف معروفة، سواء «الجماعة الإسلامية» أو غيرها، مشيرا إلى أن «الخطاب في الفترة السابقة كان أعقل من خطاب جماعات اليوم. خطاب اليوم فيه تفجير أكثر وفيه عنف أكثر. (الجماعة الإسلامية) لم تقم بتفجيرات. التفجير الوحيد الذي حاولت أن تنفذه كان ضد وزير الداخلية الأسبق زكي بدر، وفشل، والحمد لله أنه فشل».
ويضيف أن «الجماعة الإسلامية» لم تكن جزءا من أي تنظيم دولي.. «كانت جماعة مصرية مستقلة خاصة، وليس لها ارتباطات إقليمية ولا دولية» كم أنها لم تكن تنحو ناحية التفجيرات العشوائية، بل «كانت دائما تواجه الخصم، وتنزل بنفسها بالسلاح الآلي وتواجهه»، قائلا إن المشروع الفكري لـ«الجماعة الإسلامية» يتلخص في السعي لإقامة دولة إسلامية أو على الأقل السماح بحركة إسلامية مثل الحرية في الدعوة.. «كان الأمر شبيها أو قريبا من المشروع الإخواني، لكن كان فيه عنف ولم يكن فيه تدرج. كان فيه نوع من الحماسة الزائدة والنزق».
لكن أين قادة «الجماعة الإسلامية» اليوم وأين عناصرها؟ يجيب الشيخ ناجح إبراهيم قائلا إن هناك من استقالوا في عز مجد «الجماعة الإسلامية» وعنفوانها. ثم جاءت بعد ذلك قيادة جديدة فيها الشيخ صلاح هاشم، والشيخ صفوت عبد الغني، والشيخ عاصم عبد الماجد، والشيخ عصام دربالة (توفي في السجن العام الماضي)، والشيخ رفاعي طه، وغيرهم، مشيرا إلى أن جزءا من هذه القيادة باق في مصر، وهم الأكثرية وهم الذين يقودون الجماعة.
أما الجزء الذي خرج من مصر، فمن بينهم رفاعي طه، ومحمد شوقي الإسلامبولي، وعاصم عبد الماجد، وبعض القيادات التي تعرف بأنها من الجيل الثاني من القيادة. ويتولى قيادة «الجماعة الإسلامية» حاليا الشيخ حافظ، بصفته رئيس مجلس شورى الجماعة. ويبدو أنه لم يستطع أن يتخذ قرارا لا بالبقاء ولا بالخروج من «تحالف دعم الشرعية». ويقول الشيخ إبراهيم إن الأمر يحتاج إلى قائد يحسم الموضوع، لأن استمرار الجماعة تحت مظلة «تحالف دعم الشرعية»، بهذه الطريقة، جعلها تتحمل سوءة التحالف، وفي نفس الوقت لا تشارك في مظاهرات هذا التحالف.. «أنت لا تنزل في المظاهرات، وفي نفس الوقت تتحمل سوءة التحالف. الأمر يحتاج لقائد يحسم الأمر».
ويضيف أن الشيخ حافظ «وسطي» التوجه، لكن أزمة «الجماعة الإسلامية» تكمن في أنها دخلت في «تحالف دعم الشرعية» ولم تستطع أن تخرج منه.. «دخلته دون أي ضرورة، ولم تخرج منه حتى الآن. لماذا؟ لأن الجزء الموجود في الخارج متشدد في البقاء في التحالف، بينما الجزء الموجود في الداخل يريد الخروج، لكن ليس هناك القائد الذي يستطيع أن يتخذ قرارا شجاعا بالخروج وعمل عملية سلام (مع الدولة) وما إلى ذلك».
ويقول عن قادة «الجماعة الإسلامية» في الداخل إنهم «سلميون، لكن الدولة تعتبرهم خصما وعدوا لأنهم في تحالف دعم الشرعية المشار إليه، حتى وإن لم يفعلوا شيئا. وعلى هذا جرى القبض على ناس كثيرين منهم»، معربا عن اعتقاده في أن بعض قادة الجماعة يرون أنهم إذا خرجوا من «تحالف دعم الشرعية» فيتسببون في زعزعة بين القيادات الموجودة خارج مصر «وستحدث مشاكل وفي المقابل لن يحصلوا على شيء من الحكومة».
وعما إذا كان مأزق «الجماعة الإسلامية» في الوقت الحالي، في ظل تنامي تنظيم داعش في المنطقة، يمكن أن يؤدي إلى الخَصم من رصيد الجماعة، يقول إن الجماعة كلها ضد «داعش»: «لأن الجماعة الإسلامية، رغم أنها غير مستريحة للحكومة الحالية، فإنها ضد فكرة التكفير والتفجير التي تتبناها داعش. الجماعة الإسلامية ما زالت مبقية على أفكار مبادرة وقف العنف، وهي لا تمارس عنفا، ولكن المشكلة أنها في حالة خصومة مع الحكم الحالي، وهذه الخصومة تمنعها من ممارسة أي دعوة أو أي وجود أو القيام بأي فعاليات أو أي تفاهم، وفي نفس الوقت هي لا تصنع شيئا ضد الدولة. هم الآن يريدون التفاهم، لكن الدولة لا تعطيهم وجها لذلك. باعتبار أنهم دخلوا في تحالف دعم الشرعية».
ويوضح الشيخ ناجح إبراهيم أن الذي يخصم من رصيد الجماعة الإسلامية ليس تنظيم داعش، ولكن الذي يخصم من رصيدها هو «منعها من الدعوة، ومنعها من العمل، وهذا نتيجة للخطأ القاتل الذي ارتكبته حين شاركت في مشهد رابعة العدوية»، مشيرا إلى أن «داعش سيناء» وتنظيم داعش عموما، ليس مقبولا، لا من المجتمع المصري ولا من الحركات الإسلامية المصرية على اختلاف توجهاتها، حيث إنها تكره تنظيم داعش، ولا ترى أنه يمثل الدين، إلا أن بعض الشباب الصغير يفتن به، لكن الأمر لا يصل إلى اتخاذ خطوات بالاندماج أو العمل مع هذا التنظيم.
وساعد على نمو وازدهار التيار الديني في مصر منذ أواخر عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حتى تجربة حكم الرئيس مرسي، العشرات من الرموز الدعوية التي سار خلفها ألوف من الشبان، ونتج عنها عدة جماعات كان من بينها «الجماعة الإسلامية». ومن أبرز الدعاة الذين أثروا في الحركة الإسلامية منذ تفجرها خاصة مع بداية عهد السادات، الشيخ أحمد المحلاوي في الإسكندرية (غرب القاهرة) والشيخ عمر عبد الرحمن في الفيوم (جنوب العاصمة). ويقول الشيخ نبيل نعيم إن مثل تلك الخطب والفتاوى تجاوزتها الظروف التي تمر بها المنطقة اليوم، خاصة بعد ظهور تنظيم داعش. ويضيف أن الشيخ عبد الرحمن، على سبيل المثال، كان في مرحلة معينة له تأثير «لكن المشاكل اليوم تجاوزته بكثير».
ويقول الشيخ نعيم، إنه، على سبيل المثال، لو تمكنت السلطات المصرية من إعادة الشيخ عمر عبد الرحمن إلى البلاد، فإن هذا يمكن أن يسهم في خلق بوادر حسن النية تجاه التيار الإسلامي. ويضيف أحد قيادات «الجماعة الإسلامية» في الداخل أن الشخصيات التي تورطت في الخطب التحريضية على منصة رابعة العدوية مع جماعة الإخوان، وهربت إلى الخارج، لديها استعداد للعودة، والعمل تحت راية السلطات الجديدة، إذا توفرت ضمانات لها بعدم الملاحقة.
ويسود اعتقاد بين عدد من قيادات «الجماعة الإسلامية» والقيادات السابقة في «جماعة الجهاد» أن فك الارتباط بجماعة الإخوان وما يسمى بـ«تحالف دعم الشرعية»، وانتهاج مسار جديد، يمكن أن يلطف الأجواء مع السلطات، ويفتح صفحة جديدة من العمل السياسي، خاصة أن «الجماعة الإسلامية» لديها حزب يعد ذراعا سياسية لها.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».