نظام الأسد تجاهل الحرب وجنيف 3.. ويحضر لمرحلة إعادة الأعمار

تحضيرات لإطلاق معهد عالٍ للتخطيط الإقليمي.. وطيران النظام دمّر مناطق العشوائيات الواردة بدراسات التخطيط العمراني

نظام الأسد تجاهل الحرب وجنيف 3.. ويحضر لمرحلة إعادة الأعمار
TT

نظام الأسد تجاهل الحرب وجنيف 3.. ويحضر لمرحلة إعادة الأعمار

نظام الأسد تجاهل الحرب وجنيف 3.. ويحضر لمرحلة إعادة الأعمار

بينما تنشغل مراكز القرار الدولي والأمم المتحدة بمصير مفاوضات جنيف 3 من أجل السلام في سوريا، وإمكانية انعقادها، كان وزير التعليم العالي في حكومة النظام السوري محمد عامر مارديني يجتمع مع الكوادر العلمية والإدارية المتخصصة والمعنية بالتخطيط الإقليمي لبحث تحضيرات إطلاق «المعهد العالي للتخطيط الإقليمي» في جامعة دمشق.
رئيس النظام السوري بشار الأسد كان قد أصدر العام الماضي المرسوم رقم 54 لعام 2015 المتضمن إحداث معهد عال للتخطيط الإقليمي في جامعة دمشق باسم «المعهد العالي للتخطيط الإقليمي». ويتولى المعهد مهمة إعداد وتأهيل وتدريب كوادر من حملة الإجازة الجامعية على الأقل إعدادًا وتأهيلاً رفيعي المستوى في مجال التخطيط الإقليمي بما يخدم التنمية المستدامة في مجالاتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
ويأتي هذا المرسوم متمما للقانون رقم «26» لعام 2010 الذي يهدف إلى تنظيم عملية التخطيط والتطوير الإقليمي المكاني في كل الأراضي السورية. وبموجبه تلتزم جميع خطط ومشاريع التطوير القطاعية والعمرانية العائدة إلى مختلف الجهات العامة والخاصة، والتي يكون لها تأثير مكاني على المستوى الإقليمي، بمبادئ وتوجيهات خطط التطوير الإقليمي الصادرة وفق هذا القانون. وللعلم يتضمن هذا القانون إحداث مجلس أعلى للتخطيط الإقليمي برئاسة رئيس مجلس الوزراء وإحداث هيئة التخطيط الإقليمي تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري وترتبط برئيس مجلس الوزراء ويكون مقرها دمشق.
هذا، ورغم اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، واصلت هيئة التخطيط العمراني وضع دراستها لإعادة تنظيم أرياف المناطق الشمالية وريفي محافظتي دمشق وحمص، جرى التركيز على المناطق الساخنة كـ«عشوائيات». وهذه هي المناطق التي كانت الأكثر عرضة للتدمير من قبل القصف الجوي لطيران النظام. ففي ربيع عام 2014 أعلنت هيئة التخطيط الإقليمي بوزارة الإسكان إنجاز دراسة التخطيط الإقليمي لمحافظة ريف دمشق، وبيّنت الدراسة أن عدد مناطق «السكن العشوائي» في محافظة ريف دمشق، وفق الخريطة الوطنية لـ«السكن العشوائي»، بلغ 72 منطقة مخالفات معظمها يحيط بالعاصمة، من أصل 157 منطقة في سوريا، أي بنسبة تقدر بـ45 في المائة من المناطق.
وركزت الدراسة على مناطق داريا - حرستا - ببيلا الواقعة ضمن مناطق «السكن العشوائي»، وهي المناطق المحاصرة التي ما تزال الاشتباكات فيها متواصلة وتتعرض لقصف يومي من قبل طيران النظام حيث تجاوزت نسبة التدمير فيها 70 في المائة. وبحسب الدراسة المساحة الكلية لمدينة داريا هي (540) هكتارًا، تتضمن مساحة المنطقة الخضراء (140) هكتارًا، والمساحة المشتركة مع المخطط المصدّق عليه (185) هكتارًا، والمساحة المطلوب دراستها 540 - 185= 355 هكتارًا ومنه المساحة التي سيتم تخصيصها للسكن بكل أنواعه 355 - 140=215 هكتارًا، على حين منطقة ببيلا فهي (136) هكتارًا، المنطقة الخضراء (33) هكتارًا، وحرستا (285) هكتارًا.
كذلك جرى طرح خطط ودراسات تشمل مناطق أخرى غرب مدينة دمشق، وبوشر بإخلاء السكان من مناطق بساتين المزة خلف الرازي، وهدم البيوت بالجرافات تمهيدا لبناء مجمعات جديدة لم يكشف لغاية الآن عن هويتها أو هوية الشركات التي ستتولى عملية أعمارها.
وتأتي خطوة إطلاق معهد عالٍ للتخطيط الإقليمي بينما يفقد النظام السيطرة على أكثر من 70 في المائة من الأراضي السورية، ويواصل خوض معارك شرسة يلجأ فيها لعمليات القصف والتدمير للحفاظ على ما تبقى من مناطق تحت سيطرته، مدعوما بسلاح الجو الروسي، وميليشيات حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.
وفي الاجتماع الذي عقد قبل يومين اعتبر مارديني، وزير التعليم العالي، إطلاق المعهد العالي للتخطيط الإقليمي «خطوة على طريق إعادة الإعمار»، على حد تعبيره، وقال إنه يجب أن يكون «بيتا للخبرة ومرجعا علميا» لقيادة التعاون والتنسيق مع الجهات الحكومية والخبراء على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. ولفت مارديني إلى أهمية التأسيس النوعي لهذا المركز العلمي التخصصي بما ينسجم مع أهداف مرسوم إحداثه وأهمية التخطيط الإقليمي العلمي والعملي في اتخاذ ودعم القرار. ومن جانبه قال حسان الكردي، رئيس جامعة دمشق، إنه سيصار إلى دعم المعهد بعدد من الكوادر العلمية المتخصصة وتأمين مقر مؤقت في كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.