«وادي الحيتان» بالفيوم.. يضم هياكل كائنات بحرية متحجرة من العصر الأيوسيني

أول متحف من نوعه في الشرق الأوسط.. أبرز مقتنياته حوت «الباسيلورسوروس» عمره 40 مليون سنة

هيكل حوت باسيلورساوروس في متحف وادي الحيتان في الفيوم على بعد 60 كيلومترا جنوب القاهرة (أ.ف.ب) - متحف الحفريات وتغير المناخ - هيكل حوت الباسيلورسوروس طوله 18  مترا
هيكل حوت باسيلورساوروس في متحف وادي الحيتان في الفيوم على بعد 60 كيلومترا جنوب القاهرة (أ.ف.ب) - متحف الحفريات وتغير المناخ - هيكل حوت الباسيلورسوروس طوله 18 مترا
TT

«وادي الحيتان» بالفيوم.. يضم هياكل كائنات بحرية متحجرة من العصر الأيوسيني

هيكل حوت باسيلورساوروس في متحف وادي الحيتان في الفيوم على بعد 60 كيلومترا جنوب القاهرة (أ.ف.ب) - متحف الحفريات وتغير المناخ - هيكل حوت الباسيلورسوروس طوله 18  مترا
هيكل حوت باسيلورساوروس في متحف وادي الحيتان في الفيوم على بعد 60 كيلومترا جنوب القاهرة (أ.ف.ب) - متحف الحفريات وتغير المناخ - هيكل حوت الباسيلورسوروس طوله 18 مترا

تعتبر محمية وادي الحيتان بمحافظة الفيوم (150 كيلومترا جنوب غربي القاهرة) من أهم المحميات في العالم، حيث يرجع عمرها إلى العصر الأيوسيني أي أكثر من 40 مليون سنة. وهي تقع على مساحة 1759 كيلومترا وتعتبر متحفا طبيعيا مفتوحا يضم حفريات لهياكل متحجرة لحيتان بدائية، وأسنان سمك القرش وأصداف، وغيرها من الحيوانات البحرية كالسلاحف البحرية، ومجموعة من النباتات النادرة، منها نبات الشورة المتحجر داخل صخور لينة. وتتجسد فيها مراحل تطور الحياة على كوكب الأرض، حيث تحولت تلك المنطقة عبر ملايين السنين من منطقة لعيش الكائنات البحرية إلى صحراء، وتتجسد فيها الأطوار التي مرت بها الحيتان، ويبدو أن الطبيعة المناخية المعتدلة التي تتمتع بها الفيوم ساهمت في الحفاظ على هياكل الحيتان المتحجرة منذ آلاف القرون، لتقدم للباحثين أنواع الحيتان وأساليب حياتها. وكانت منظمة اليونيسكو قد أعلنت عام 2005 محمية «وادي الحيتان» منطقة تراث عالمي لما تحتويه من كنوز طبيعية وأثرية.
وكان خالد فهمي وزير البيئة المصري، قد افتتح يوم الخميس، متحف «الحفريات وتغير المناخ» بمحمية وادي الحيتان، كأول متحف من نوعه في مصر والشرق الأوسط. وحضر الافتتاح الدكتور أحمد زكي بدر وزير التنمية المحلية، والمستشار وائل مكرم محافظ الفيوم، وماريزيو مساري سفير إيطاليا بمصر، وأنتيتا نيرودي الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وقال وزير البيئة المصري في المؤتمر الصحافي بالمتحف الجديد: «بافتتاح أول متحف في الشرق الأوسط للحفريات وتغير المناخ بوادي الحيتان، تنطلق السياحة البيئية في مصر بمفهوم جديد، وتدخل مرحلة جديدة لصون الطبيعة، تتضمن الحماية والاستخدام الاقتصادي لتلك المحميات».
ويهدف المتحف لزيادة الوعي بقضية تغير المناخ وتجنب الآثار السلبية على البيئة والناس، خاصة وأن منطقة وادي الحيتان كانت قبل 40 مليون سنة تقع تحت محيط ضخم للغاية وبسبب التغيرات الجيولوجية انحسر هذا المحيط وترك وراءه عددا كبيرا من الحيوانات البحرية، ومن بينها الحيتان التي لوحظت بدرجات كبيرة. وحيث اكتشفت مئات من الهياكل العظمية المتحجرة لبعض أنواع من الحيتان الأولية وكذلك الكثير من الأصداف وأسماك القرش وغيرها من الحيوانات البحرية. وعموما يمتاز وادي الحيتان بوجود الكثير من هذه الكائنات المتحجرة التي توجد في مواقع عدة من بينها صخور تحوي هياكل للحيوانات البحرية ومناطق بها أعمدة فقارية متحجرة لحيوانات ثديية بحرية وبقايا لنباتات المانجروف المتحجرة داخل الصخور اللينة وغيرها.
وحول سبب اختيار حوت الباسيلورسوروس الذي يصل طوله إلى 18 مترا كقطعة رئيسية بالمتحف، قالت الدكتورة يسرية حامد، مدير مشروع دعم المحميات الطبيعية بالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة: «إنه أضخم وأحدث اكتشاف علمي تم الإعلان عنه في يونيو (حزيران) الماضي، وهو إضافة جديدة على المستوى العالمي ليكون تميمة متحف وادي الحيتان للحفريات وتغيير المناخ بالفيوم». وأكدت: «هذا الكشف العلمي سيفتح آفاقا جديدة للبحث العلمي في مجال الحفريات الفقارية ودراسة سلوك الحيتان القديمة وطرق تغذيتها وعلاقتها بالكائنات الحية المجاورة لها، وسيجيب عن تساؤلات طالما حيرت الباحثين عن حياة الحيتان القديمة».
وقد تم تأسيس المتحف بأحدث تقنيات العرض المتحفي العالمية، ليضم هياكل الحيتان والحفريات التي يتم الحصول عليها من تلك المنطقة. وفي إطار تشجيع السياحة البيئية، قدمت الحكومة الإيطالية منحة بقيمة 4 ملايين دولار لتنفيذ المرحلة الثالثة من البرنامج المصري الإيطالي للتعاون البيئي، الذي يشرف على تنفيذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)