المعارضة الفنزويلية تتسلم سلطات البرلمان وسط خلاف شديد مع الحكومة

أميركا قلقة من محاولة عرقلة عمل البرلمانيين.. والرئيس مادورو: لن نقبل الإمبريالية

رئيس البرلمان الفنزويلي الجديد راموس آلوب خلال حفل تسلم مهامه داخل البرلمان في كراكاس أمس (أ.ف.ب)
رئيس البرلمان الفنزويلي الجديد راموس آلوب خلال حفل تسلم مهامه داخل البرلمان في كراكاس أمس (أ.ف.ب)
TT

المعارضة الفنزويلية تتسلم سلطات البرلمان وسط خلاف شديد مع الحكومة

رئيس البرلمان الفنزويلي الجديد راموس آلوب خلال حفل تسلم مهامه داخل البرلمان في كراكاس أمس (أ.ف.ب)
رئيس البرلمان الفنزويلي الجديد راموس آلوب خلال حفل تسلم مهامه داخل البرلمان في كراكاس أمس (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ 16 عامًا، تسلمت المعارضة الفنزويلية أمس مقاليد البرلمان، متوعدة بعرقلة كل مبادرات الحكومة التشافيزية، مما يهدد بنزاع على السلطة، وتفاقم للأزمة السياسية في البلاد.
وفي إطار تسوده توترات شديدة بين الحكم التشافيزي (تيمنا باسم الرئيس الراحل هوغو تشافيز الذي تولى الحكم من 1999 إلى 2013) والمعارضة، تسلم النواب الـ167 الذين انتخبوا في السادس من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مهامهم أمس، وللمرة الأولى منذ 1999، حصل ائتلاف المعارضة، الذي يطلق على نفسه اسم «طاولة الوحدة الديمقراطية»، على الأكثرية بعد فوزه بثلثي مقاعد البرلمان في فنزويلا.
وكان الجو السياسي قد تأزم في نهاية الأسبوع الماضي جراء الدعوات التي وجهها الطرفان إلى التظاهر أمس، مما حمل على التخوف من وقوع أعمال عنف. لكن التوتر تراجع ليلة أول من أمس بعدما أكد الرئيس مادورو أن النواب الجدد سيتسلمون مهامهم وسط أجواء «سلمية».
وقال مادورو مساء أول من أمس، في خطاب نقلته شبكات التلفزة: «لقد أصدرت أوامر رسمية إلى وزير الداخلية غونزاليس لوبيز لاتخاذ كل التدابير من أجل انعقاد الجمعية الوطنية وسط أجواء سلمية وهادئة»، مما شكل مؤشرا إلى التهدئة بعد تصعيد استمر عدة أسابيع. لكن النواب الجدد تسلموا أمس مهامهم وسط غموض قانوني، وذلك بعد قرار محكمة القضاء العليا، التي تعد أعلى هيئة قضائية في البلاد، تعليق انتخاب ثلاثة من نواب المعارضة، ونائب تشافيزي في ولاية أمازوناس، الواقعة في الجنوب. وقد صدر هذا القرار المثير للجدل بعد استئناف قدمه الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد، الذي يتزعمه الرئيس مادورو، وهو يحرم، بصورة مؤقتة على الأقل، المعارضة من أكثرية الثلثين في البرلمان، لأن هؤلاء النواب الأربعة لا يستطيعون من حيث المبدأ المشاركة في الجلسات.
ولذلك فإن هذه الأكثرية الموصوفة تعطي الفريق السياسي الذي يملكها صلاحيات واسعة، ومنها الدعوة إلى إجراء استفتاء وتشكيل جمعية تأسيسية، وحتى الدفع باتجاه التنحي المبكر للرئيس عبر خفض مدة ولايته.
لكن هذا الوضع لم يمنع المعارضة من أن تنتخب الأحد الماضي هنري راموس ألوب، المعارض الشرس للتشافيزية، رئيسا جديدا للبرلمان، وقد سارع رئيس البرلمان الجديد إلى تأكيد أن نواب المعارضة الـ112 سيحضرون إلى البرلمان، وهو ما تم بالفعل أمس.
وقال هذا المحامي، البالغ من العمر 72 عاما، والمعروف بصراحته وسخريته اللاذعة، إنه «لن يستطيع أي قرار بيروقراطي، لا سيما ذلك الذي اتخذته هيئة تفتقر بالكامل إلى الشرعية، أن يصادر الإرادة الشعبية أو تسرقها».
وفي خضم الطعن ضد نوابها، انتقدت المعارضة لدى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ما اعتبرته «انقلابا قضائيا» من الحزب الأكثري.
بينما أعرب هنري ألوب نفسه مساء أول من أمس عن اقتناعه بأن القوات المسلحة التي تتجه الأنظار إليها، ستؤمن سلامة وأمن احتفالات تسلم السلطة التشريعية مهامها.
من جهته، طالب وزير الدفاع، فلاديمير بادرينو، ببقاء الجيش خارج هذه المواجهة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مشددا على أنه «غير مخول الاضطلاع بدور الحكم حول قرارات محكمة القضاء العليا». في حين قال دييغو مويا أوكامبوس، الخبير في مكتب «إي إتش إس»، إن تسلم البرلمان مهامه يؤكد «أجواء المواجهة» التي ستميز الديناميكيات السياسية في 2016، حيث ستضطلع القوات المسلحة بدور أساسي في فنزويلا، الغارقة في أزمة اقتصادية عميقة، بسبب تراجع أسعار النفط الذي تمتلك البلاد منه أكبر احتياطات في العالم.
ومن التدابير الأخرى التي اتخذها الحكم التشافيزي لتقليص هامش قدرة المعارضة على المناورة، موافقة النواب في 23 من ديسمبر الماضي، خلال الجلسة الأخيرة للبرلمان التشافيزي، على تعيين 34 قاضيًا في محكمة القضاء العليا. وتعد هذه التعيينات بالغة الأهمية، لأن محكمة القضاء العليا ستتولى مهمة التحكيم في النزاعات التي تلوح في الأفق في هذه المعركة الحادة بين السلطات.
وقد التأم أخيرا للمرة الأولى «برلمان شعبي»، أنشأه أيضًا أواخر ديسمبر الماضي، البرلمان المنتهية ولايته من أجل عرقلة عمل البرلمان المنتخب. وورد إنشاء هذه الهيئة التي تعد «سلطة موازية» كما يقول المحللون، في إطار قانون صدر في 2010، لكن الدستور لا ينص على إنشائها. وهي تضم مندوبي «القرى» وهيئات السلطة المشاركة التي تعد حجر الزاوية لاشتراكية القرن 21 التي وعد بها هوغو تشافيز.
وعلى صعيد متصل، عبرت الولايات المتحدة عن قلقها من أن الحكومة الفنزويلية تحاول عرقلة عمل البرلمان الجديد في البلاد الذين عقد أمس أول جلسة له، إذ قال جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للصحافيين مساء أول من أمس: «نحن قلقون لمحاولات الحكومة الفنزويلية التدخل في ممارسة الجمعية الوطنية المنتخبة حديثا لواجباتها المفوضة لها دستوريا»، بينما رد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قائلا إن فنزويلا «لن تقبل الإمبريالية»، وأضاف متسائلا: «لماذا تهتم وزارة الخارجية والحكومة الأميركية بتنصيب الجمعية الوطنية».
وفي رسالة إلى الرئيس باراك أوباما أول من أمس قال السيناتور روبرت مينينديز، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إنه يشعر بقلق بالغ لمحاولات حكومة مادورو «نقض نتائج» انتخابات الجمعية الوطنية، وحث مينينديز، الذي رعى مشروع قانون فرض عقوبات على فنزويلا في 2014 بعد حملة على المعارضين السياسيين، البيت الأبيض على اتخاذ مزيد من الإجراءات، لمنع حكومة مادورو من محاولة تقويض انتقال سياسي بناء في فنزويلا.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.