معرض تونسي لـ {الزربية} والنسيج المحفوف بمشاركة 60 حرفيًا

أفضلها «العلوشة القيروانية».. وتعتبر هدية مفضلة لدى التونسيين

تونسية تقوم بصنع الزربية، الزربية التونسية تنافس في السوق الدولية
تونسية تقوم بصنع الزربية، الزربية التونسية تنافس في السوق الدولية
TT

معرض تونسي لـ {الزربية} والنسيج المحفوف بمشاركة 60 حرفيًا

تونسية تقوم بصنع الزربية، الزربية التونسية تنافس في السوق الدولية
تونسية تقوم بصنع الزربية، الزربية التونسية تنافس في السوق الدولية

تلفت الزرابي (السجاد) والأنسجة المعروضة في المعرض الوطني للزربية والنسيج المحفوف والألياف النباتية انتباه الزائرين بألوانها الزاهية ومقاساتها المتناهية الدقة وطرق عرضها المغرية، وتكشف عن أنامل موهوبة وساعات طويلة من العمل الدقيق والشاق.
هذا المعرض ينظمه الديوان التونسي للصناعات التقليدية في دورة رابعة من 18 إلى 25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي وهو بمثابة الفرصة الهامة أمام الحرفيين للتعريف بثمار أنشطتهم وترويج إنتاجهم المبتكر في مجال الصناعات التقليدية العريقة في تونس. ويشهد هذا المعرض مشاركة أكثر من 60 حرفي وحرفية قادمين من 18 ولاية (محافظة) تونسية.
ويقدم المعرض مجموعة هامة من الزرابي والمرقوم في أشكال وأحجام متنوعة إضافة إلى المنتجات المجددة للمركز الفني للابتكار والتجديد والإحاطة في الزربية والحياكة. ويوجه هذا المعرض عادة لصغار الباعثين في ميدان الصناعات التقليدية ومنتجات الألياف النباتية (الحلفاء وسعف النخيل على وجه الخصوص). ويمثل فرصة هامة أمام التونسيين لتقديم أفضل الهدايا بمناسبة المولد النبوي الشريف.
وفي هذا الشأن قالت عزيزة السلاوي المختصة في صناعة الزربية القيروانية إن هذا النشاط يعاني أساسا من عزوف الفئات الشابة عن الاعتناء بالزربية وكذلك من ضعف الترويج واستيلاء الوسطاء على معظم عائدات بيع الزربية، وتمثل مثل هذه المناسبات فرصة هامة لترويج المنتجات التونسية التقليدية.
وعن مميزات زربية «العلوشة» القيروانية ذائعة الصيت وأهميتها ضمن قائمة الهدايا، تقول عزيزة إنها تتلخص في عدد الدقات (الغرز) التي تنفذها الحرفية في المتر المربع الواحد من الزربية. وتعرف زربية «العلوشة» بأنها ذات 20 دقة على 20 في المتر المربع الواحد وتسوق بنحو 80 دينارا تونسيا (نحو 40 دولارا أميركيا) في المتر. وقد يصل طولها إلى ستة أمتار أما العرض فهو في حدود 70 سنتيمترا، وهي تحلو للناظر وتكتسب أهمية في البيت لما تقادمت في الزمن.
وتشير السلاوي إلى أن الزربية القيروانية مميزة من حيث نوعية الصوف حيث يتم اختيار أجوده ويبقى على طبيعته (أسود وأبيض عموما) دون إضافة ألوان صناعية. كما أن الحرفية تعتمد طريقة مختلفة في «القرداش» الملين للصوف وهو ما يعطي في النهاية زرابي مميزة على حد تعبيرها.
ووفقا للمراجع التاريخية فإن الزربية وصلت إلى مدينة القيروان على يد ابنة الوالي العثماني «الكاملة بنت الشاوش» وهي مستلهمة من زرابي بلاد الأناضول في تركيا.
وينشط في قطاع الصناعات التقليدية نحو 350 ألف حرفي، ويساهم على وجه التقريب بنسبة 3.9 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي.
وحظيت الصناعات الحرفية في تونس خلال السنوات التي سبقت الثورة بكثير من الإجراءات الحكومية بهدف إعادة الاعتبار للقطاع وسعت إلى تطوير هذا النشاط على مستوى الإنتاج والتكوين والتشغيل والتصدير. وفي مجال الزربية والنسيج تركزت اهتمامات الحكومات المتعاقبة على الرفع من دخل الحرفيين من خلال برامج نموذجية تهتم بتحسين إنتاجية اليد العاملة وتأهيل المؤسسة الحرفية بالإضافة إلى إدراج عنصر مراقبة الجودة ضمن المقاييس المعتمدة لإسناد الطابع (ترخيص الترويج).
وبالنسبة لأنواع الزرابي في تونس، فقد أشار إبراهيم المالوش المختص في هذا المجال إلى الزربية البربرية أو ما يعرف بـ«المرقوم»، وقال إنها تتميز عن غيرها من الزرابي بأرضيتها البيضاء وصوفها الخشن والسميك أما زخارفها المميزة، فهي مستوحاة من «الوشام» وألوانها طبيعية متأتية من صوف الخروف الأبيض والأسود والبني.
أما الزربية التقليدية فيتوسطها محراب محاط بأشرطة متوازية وتنتشر زخارف زهرية أو هندسة مستوحاة من زرابي القيروان العريقة وتطغى عليها ألوان متعددة من أحمر وأخضر وأزرق كما تحاك بالصوف الطبيعي وتتدرج من الأسود فالبني فالرمادي إلى الأبيض على غرار زربية «العلوشة».
وفيما يتعلق بالزرابي الحديثة فهي زرابي مدينتي قابس وبنزرت وهي تنسج على نفس المنوال القيرواني غير أن أرضيتها تتميز بأشرطة متتابعة رتبت فيها نقوش زربية القيروان بإحكام، وقد عممت حياكتها في عدد من المدن التونسية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».