حظيت «سوق خان» الفاخرة بالعاصمة الهندية نيودلهي مؤخرا استضافة الفنان المصري، محمد عبلة، القادم من أرض الفراعنة.
ومحمد عبلة، الذي كان في دلهي لعرض أعماله الفنية، كان قد تلقى الدعوة من جانب حركة «شارع الفن» لرسم جدارية في دلهي بأسلوبه المميز. وقد استخدم الفنان المصري الطلاء والفرشاة بمنتهى البراعة لدمج عبارة «السلام لباريس»، مستلهما الفكرة من جان جوليان، مصمم الغرافيك والمصور الفرنسي البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاما، لتأبين أرواح ضحايا الحادث الإرهابي الأليم بأسلوب الكتابات الظلية الحرة الرائعة. وقد عبر ما تبقى من رسومات الجدارية عن زخارف مجردة توحي بالسلام.
ويوضح الفنان القاهري، مفسرا وجود برج إيفل على لوحته الجدارية: «هناك كثير من القصص في إطار وحيد. إنك ترى الطبيعة، والبشر، والطيور، والحيوانات، التي هي مرادفة لمدينة دلهي متعددة الثقافات الرائعة مع مناظرها الخلابة، وأصواتها، وتناقضاتها، وتطلعاتها. إنه نوع من التضامن الذي تبعث به دلهي لما حدث في باريس».
يذكر أنها المرة الأولى التي يشارك فيها فنان مصري رفيع المستوى في مبادرة الفنون بشوارع دلهي.
وأضاف الفنان المصري، الذي بدا متأثرا للغاية بعمق الصراع على ذلك الجانب من العالم: «كان هناك أمر آخر يدور بخلدي، لكن هجمات باريس زلزلت كياني كما صنعت بكثير من الآخرين. للجدارية معانٍ كثيرة مختلفة الدرجات، فهي لا تتعلق بباريس فحسب؛ إنها تعبر عن جهد فني عالمي لمحاربة الإرهاب. إن ما شهدته باريس لهو حرب على السلام، والوئام، والبشرية».
ووفقا لما قاله عبلة، يمكن تشييد جدارية جميلة وأكثر جذبا للاهتمام من خلال تلك التداخلات الفنية، حيث أضاف: «يتفاعل الناس حقيقة مع تلك القطع الفنية من فنون الشارع. لماذا نحجب الفن داخل صالات العرض الضيقة؟ هناك جماهير لا يزورون صالات العرض مطلقا، ويمكن التواصل معهم من خلال مبادرات جميلة كتلك».
كان الفنان المصري محمد عبلة في دلهي لعرض أعماله الفنية الأحادية الأخيرة والأعمال التصويرية في معرض فني بعنوان: «حكايات شعبية مصرية» في المركز الهندي الدولي، لاستحضار عوالم الخيالات والحكايات، التي تُنفذ باستخدام ورق «الاستنسل» واللوحات الأحادية التصويرية، وهي وسيلة تختلف عن أعماله ورسوماته المعتادة.
والفنان، البالغ من العمر اثنين وستين عاما، ليس غريبا على مدينة دلهي. كما أنه ليس غريبا على الهند، فقد زارها من قبل ورسم كثيرا من اللوحات المستوحاة من شوارعها، عُرضت في شهر أغسطس (آب) الماضي بمركز «مولانا أزاد» الثقافي الهندي في حي الزمالك المصري.
يقول الفنان محمد عبلة إن «هناك تقليدا مصريا قديما هو قطع الصور من المجلات والجرائد ولصقها على الورق، وكما يبدو، إنه الوسيلة المثلى لرواية القصص والحكايات، مما يذكرنا كيف نحت الفراعنة شخصيات الحيوانات والبشر على جدران الأهرامات لرواية قصص الموتى والراحلين».
وأوضح الفنان، من داخل معرضه، أنه استخدم أسلوب ظلال العرائس في لوحاته.. «بعض من الأشكال كان محلها الجدار، وهي مقطوعة من جرائد تقليدية، في حين أن البعض الآخر مقطوع من جرائد ملونة».
تعرض جدران المعرض في الطابق السفلي مجموعة رائعة ومثيرة للاهتمام من اللوحات الأحادية واللوحات متعددة الألوان والقواطع، والمطبوعات أحادية اللون، واللوحات الزيتية. تأتي أعمال الفنان المصري في مختلف الأحجام، وكانت تُعرض على الجدران مثل الشاشات السينمائية، ووفقا لما قاله الفنان، فإن «على الزوار التفاعل والتصور والتواصل وتلاوة قصتهم الخاصة».
يقول الفنان محمد عبلة: «عبر مسيرتي المهنية عملت من واقع مفهوم للفن بأنه وسيلة للعب والعكس بالعكس. لقد تلقيت كثيرا من التعاليم، ولكن طوال الوقت كان هناك مسار موازٍ حاولت من خلاله تقويض كل ما تعلمته من قبل، خصوصا فيما يتعلق بأي جدية للالتزام بخطوط المدارس أو الاتجاهات الفنية. كنت دائما أميل إلى التعامل مع الفن باعتباره لهوا ولعبا محببا».
بالنسبة إلى الفنان محمد عبلة، يرتبط هذا المعرض ارتباطا وثيقا بمعارضه السابقة، التي تضمنت اللعب كذلك بوصفه التيمة والمقاربة على حد سواء، مثل: «السلم والثعبان»، و«حفريات المستقبل»، و«وحي الشجرة»، والتي عقدت على مراحل مختلفة عبر مسيرته الفنية.
كما يقدم المعرض كذلك الرسوم المتحركة القصيرة المعنونة: «حكاية ريم»، التي قامت عليها وأخرجتها الفنانة المصرية سهى السرجاني التي نالت «جائزة الصالون» في عام 2014 من «صالون الشباب»، تقديرا لأعمالها الفنية المصورة بعنوان: «شجرة الجميز».
ولد الفنان محمد عبلة في مدينة المنصورة (شمال مصر) في عام 1953. وقضى فيها طفولته وأنهى مدرسته الابتدائية. وفي عام 1973 انتقل إلى مدينة الإسكندرية، ليبدأ دراسة الفن لمدة خمس سنوات في كلية الفنون الجميلة. وبعد التخرج انتقل إلى الحياة في القاهرة لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وأقام في القاهرة أول معارضه الفنية الفردية، وبدأ في عام 1978 رحلة امتدت سبع سنوات إلى أوروبا، حيث زار خلالها المتاحف في إسبانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وألمانيا.
كما كان أول معارضه الفنية الفردية في غاليري «هومان» بشمال ألمانيا، وبعد عامين انتقل إلى فيينا لدراسة الرسم، وعرض أعماله في غاليري «AAI». ثم انتقل بعد عام كامل إلى مدينة زيورخ السويسرية، حيث تابع دراسة الرسم والنحت، وخاض تجربة استمرت عامين في العلاج عن طريق الفن.. وبعد مولد ولده عاد إلى مصر، وهناك أقام كثيرا من المعارض الفردية والمشتركة في «أتيليه القاهرة»، وغاليري «المشربية»، و«شيبا غاليري»، ومعرض «القاهرة - برلين للفنون»، ومعرض «الزمالك للفنون».
وفي عام 1994 نال الجائزة الأولى في «بينالي الكويت»، وفي عام 1997 نال الجائزة الكبرى في «بينالي الإسكندرية». وقد شارك الفنان محمد عبلة في كثير من الفعاليات الدولية مثل «بينالي هافانا»، وأقام كثيرا من المعارض في متحف «كونست» بمدينة بون. وفي عام 2007 أسس الفنان محمد عبلة «مركز الفيوم للفنون»، حيث يلتقي الفنانون لكي يعملوا ويتعاونوا معا. وفي عام 2009 أسس كذلك متحفا للكاريكاتير في الشرق الأوسط. ويعيش الفنان محمد عبلة الآن في مصر ويعمل ما بين القاهرة، والفيوم، وألمانيا.
جدارية للفنان المصري عبلة في «سوق خان» بنيودلهي
من خلال معرض «حكايات شعبية مصرية»
جدارية للفنان المصري عبلة في «سوق خان» بنيودلهي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة