جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

نوما هنيئا يا كابتن!

تجلس في مقعدك على متن الطائرة براحة تامة بانتظار الإقلاع، ولكن هل فكرت مرة بما يحصل فعلا في قمرة القيادة؟
دعني أقل لك ما جرى في الثالث عشر من أغسطس (آب) الماضي، في رحلة لم تنشر تفاصيل مسارها، ولم يفصح عن اسم الناقلة، ولكن كل ما نعرفه هو أن الطائرة تابعة لإحدى خطوط الطيران التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، ما حصل هو أن الطيارين قررا التناوب على النوم لفترة عشرين دقيقة، ولكن وبعد مرور ساعتين على تحليق الطائرة في الجو استيقظ الطياران ليكتشفا بأنهما ناما في نفس الوقت لمدة طويلة، تاركين مهمة التحليق وقيادة الطائرة على الطيار الآلي و«التحليق الأوتوماتيكي»، ولحسن الحظ لم تحدث أي مصيبة، وحطت الطائرة التي كانت تحمل على متنها 350 راكبا بسلام، ولكن ضمير الطيارين المهني الصاحي، دفعهما إلى إبلاغ هيئة الملاحة الجوية بالأمر، وألقيا باللوم على ساعات العمل الطويلة التي تفرضها المهنة عليهما، ففي حالة الطيارين المعنيين في الموضوع لم يحصلا على أكثر من خمس ساعات نوم خلال 22 ساعة.
لم أختر هذا الموضوع لتخويفكم، فالسفر مهم، والتكنولوجيا أخذت بعالم الطائرات إلى مستوى راق جدا ومتطور، فالتحليق الأوتوماتيكي يمكن أن يحل مكان الطيار، ولكن السؤال هنا، هل يجوز أن تترك هذه المهمة لطيار آلي؟ وماذا لو تخللت الرحلة حادثة أمنية؟ وماذا لو تعرضت الطائرة لخلل ما؟.. أسئلة كثيرة تطرح نفسها.
وهذه الحادثة ليست الأولى من نوعها وليست بجديدة، فبحسب استطلاع للرأي شارك به عدد كبير من الطيارين، تبين أن نسبة 56% منهم أقروا بأنهم ناموا خلال قيادتهم الطائرة ونسبة 29% منهم استيقظوا ليجدوا الطيار المساعد نائما هو أيضا.
برأي خبير ملاحة جوية فإن الطائرة قادرة على التحليق من دون طيار، ولكن الخطورة تكمن في حال حدوث أي طارئ ولم يستطع الطيار استلام زمام قيادة القمرة بسرعة، خصوصا وأنه سيكون بحاجة إلى فترة معينة من الوقت للاستيقاظ بشكل كامل.
في بريطانيا، يعتقد كثيرون بأن السبب وراء تعب الطيارين هو ارتفاع عدد ساعات العمل، ومردود مادي ضئيل، وهذا الأمر يطال خطوط الطيران الاقتصادية التي تفرض ساعات عمل طويلة مقابل أجور زهيدة يرضى بها الطيارون بسبب قلة توفر فرص العمل، خصوصا وأن شركات الطيران الكبرى تفرض سن التقاعد على الطيارين، فلا يكون أمامهم إلا العمل في ناقلات اقتصادية.
وستكون هناك مراجعة لساعات عمل الطيارين في أوروبا في غضون الشهر المقبل، اعترضت عليها هيئة الملاحة الجوية البريطانية لأنها رفضت بأن يعمل الطيار لمدة 22 ساعة متواصلة، فهذا الأمر قد يعرض أمن وسلامة الركاب.
أخيرا، لا يسعني القول إلا: «رحلة موفقة، وعلى أمل أن يكون الطياران على متن رحلتكم بكامل وعيهما، وأفضل نصيحة اتباع بيت الشعر المعروف: (وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم)».