حضرموت.. بين غضبة «تشابالا» وسطوة «القاعدة»

الانقلاب وضعف الحكومة ساهما في تمدد الجماعات الإرهابية

حضرموت.. بين غضبة «تشابالا» وسطوة «القاعدة»
TT

حضرموت.. بين غضبة «تشابالا» وسطوة «القاعدة»

حضرموت.. بين غضبة «تشابالا» وسطوة «القاعدة»

مرّ الإعصار «تشابالا»، من حضرموت بجنوب شرقي اليمن، مخلفًا وراءه منازل مدمرة وسكانًا مشردين، في حين لا يزال إعصار تنظيم القاعدة جاثمًا على أجزاء واسعة من حضرموت الساحل، وهو ما جعل السكان يعيشون بين مطرقة الكوارث الطبيعية وسندان تنظيم القاعدة الذي سيطر على العاصمة المُكلاّ في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي وسط انهيار منظومة الدولة هناك واختفائها عن المشهد.
ويتساءل كثير من اليمنيين والمراقبين، اليوم، عن كيفية تمكن المسلحين المتشددين الذين لا يتجاوز عددهم 150 شخصًا من السيطرة على مدينة المُكلاّ، وعلى معسكرات المنطقة العسكرية الثانية، والأجهزة الأمنية والمخابرات والأمن القومي، بالتزامن مع انشغال حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي بقتال المتمردين من قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وميليشيات الحوثي المتحالفة معها، في مدن جنوبية آنذاك، متجاهلة تمدّد «القاعدة» شرقًا.

تعدّ محافظة حضرموت، جنوب شرقي اليمن، من أهم المناطق النفطية التي تعتمد عليها الدولة اليمنية بشكل رئيسي في دخلها القومي، وتحتل ما نسبته 36 في المائة من مساحتها الإجمالية، إذ كانت تنتج نحو 100 ألف برميل يوميا قبل أن يتوقف الإنتاج بشكل نهائي وتغادر جميع الشركات الأجنبية من القطاعات النفطية منذ انقلاب الحوثي وصالح في سبتمبر (أيلول) 2014.
وتشير آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة من لجنة الطوارئ بمديريات ساحل حضرموت في أعقاب الإعصار «تشابالا» المدمّر الذي ضرب حضرموت وجزيرة سقطرى ومناطق يمنية أخرى إلى وفاة 8 أشخاص. ولقد قال خالد بلفاس، رئيس غرفة العمليات باللجنة، في تصريحات صحافية، إن السيول والفيضانات تسببت في إصابة 45 شخصًا وتهدم 13 منزلاً بصورة كلية، ونفوق أكثر من 350 رأس ماشية وتضرر 211 قارب صيد.
وكان التواصل قد انقطع مع مديريتي حجر وأرياف المكلا لليوم السادس على التوالي منذ أن ضرب «تشابالا» المناطق الساحلية في حضرموت، وذكرت اللجنة أن الإعصار تسبب بأضرار بالغة في مشاريع البنى التحتية والخدمات العامة بمدينة المُكلاّ، وتضرّرت ثلاثة جسور رئيسية وطمر ثلاث آبار لمياه الشرب في كل من حقول الغليلة وفلك وفوة، كما تضررت خطوط وشبكات خدمات المياه والكهرباء والاتصالات وقطعت الطرقات بين مختلف المناطق في ساحل حضرموت.
وتُقسم حضرموت إداريا وعسكريًا إلى حضرموت الساحل، وحضرموت الوادي والصحراء. الأولى يسيطر عليها تنظيم القاعدة وتخلو تمامًا من أي وجود للجيش والأمن. أما حضرموت الوادي والصحراء فما زالت في قبضة قوات الجيش والأمن، التي هي أصلا ضعيفة ومشكوك في ولائها. ومنذ سيطرة «القاعدة» على المدينة توقّفت جميع مؤسسات الدولة في ساحل حضرموت، فيما عدا المؤسّسات الخدمية مثل قطاع الصحة. أما الصحف والإذاعة الوحيدة بالمُكلاّ فقد توقفت بشكل كامل. ويقول سكان من المدينة لـ«الشرق الأوسط»، إن «القاعدة» لم تقدّم أي مساعدات للسكان خلال إعصار «تشابالا»، بل اكتفت بنشر سيارات مكتوب عليها فرق إغاثة.

مجلس أهلي
مضت سبعة أشهر على سكان المُكلاّ، وهم تحت حكم المتشددين من مسلحي «القاعدة»، التي تقول مصادر محلية إن لهم علاقة بالمخلوع علي عبد الله صالح.. «الذي كان قد أمر قيادات عسكرية وأمنية موالية له بالانسحاب من المدينة وتسليمها لهم»، بحسب هذه المصادر. ومن ثم، حاول السكان سد الفراغ الذي تركته الدولة ومؤسساتها عبر إنشاء «مجلس أهلي» تمكّن من تجنيب المدينة المواجهات المسلحة كما يقول، وعقد اتفاقا مع قادة «القاعدة» من بينهم ناصر الوحيشي - الذي قتل بعدها بغارة لطائرة أميركية من دون طيار - ينص على تسليم المرافق كافة وإداراتها إلى «المجلس الأهلي» الحضرمي. وأن يكون من حق «المجلس الأهلي» أن يُعيّن من شاء رئيسًا له، وأن يتحمل «المجلس الأهلي» إدارة الأمن العام ومرافقه، ويجري تجنيد وتوظيف أبناء حضرموت لإدارة أعمال المجلس والإدارات الخدمية. إلا أن الاتفاق ظل حبرًا على ورق، ولم ينسحب المتشدّدون من المقرات العسكرية والأمنية، حيث يدير «القاع» جميع الشؤون الأمنية والقضائية وفرض أفكاره المتشددة على الجامعات والمدارس هناك والتي لا تزال مغلقة بأوامر من قيادة التنظيم.
ولقد شهدت مدينة المُكلاّ، عاصمة محافظة حضرموت وكبرى مدنها، احتجاجات ومظاهرات ضد «القاعدة»، كان أبرزها في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما خرج السكان في شوارع المدينة للتعبير عن رفض وجود التنظيم المتشدد، رغم تحذيره للأهالي من المشاركة في أي فعاليات احتجاجية. ورفع المتظاهرون يومذاك شعارات ولافتات ترفض الإرهاب و«القاعدة». ويؤكد السكان أن التنظيم يحكم سيطرته على المُكلاّ بمساعدة جهات متنفذة في السلطة، مشيرين إلى أنهم يرفضون وجوده في المدينة.
من ناحية ثانية، يتحدث السكان عن استيلاء «القاعدة» على كميات ضخمة من المال من فرع البنك المركزي وفروع بقية البنوك الحكومية والخاصة، إضافة إلى أسلحة ثقيلة استولى عليها من المعسكرات، كما قام التنظيم بإطلاق السجناء من السجن المركزي بينهم قيادات من التنظيم، الذين تمركزوا في القصر الجمهوري بالمُكلاّ ومقر قيادة المحافظة وبقية المقار والمباني الرسمية وغير الرسمية. ولقد فرض التنظيم على المواطنين نظامًا يصفه بـ«الإسلامي» ويتعلق بتطبيق ما يعتقدونه «الشريعة الإسلامية»، إذ نفذ مسلحو التنظيم المتطرف سلسلة من عمليات الإعدام في الساحات العامة.
ومطلع أكتوبر أيضًا أعلن «المجلس الأهلي» الحضرمي إنشاء قوة أمنية. وأوضح المجلس الذي يضم في عضويته شخصيات اجتماعية ووجاهات وعلماء دين، أن «القوة ستسند إليها مهام حفظ الأمن والاستقرار لضمان تأمين الميناء والمطار والإدارات الحكومية، التي جرى تسلمها من «القاعدة». وعن ظروف تأسيس «المجلس الأهلي» ذكر المهندس عمر بن الشكل الجعيدي، رئيس «المجلس الأهلي» الحضرمي لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه أنه «منذ سيطرة (القاعدة) على المُكلاّ سارعنا إلى تشكيل مجلس أهلي بهدف تجنيب المدينة إراقة الدماء. ولذا بادرنا للتواصل مع قيادات التنظيم، ووقعنا اتفاقا مع قائد التنظيم آنذاك ناصر الوحيشي الذي قتل بطائرة من دون طيار، وما زال الاتفاق ملزمًا وساري المفعول ونحن نتابع تنفيذه».
أما بخصوص تعامل المجلس مع إعصار «تشابالا»، فأوضح الجعيدي قائلاً: «شكلنا لجان طوارئ قبل الإعصار بأيام، وتم توزيع الفرق التطوعية إلى مناطق الخطر في السواحل والأودية، وتمكنّا من إجلاء السكان من ساحل البحر، بالإضافة إلى فتح قنوات تصريف السيول التي كانت مغلقة».
غير أنه أفاد بأنه لم يكن هناك تواصل لا من قبل المجلس ولا السلطات مع قيادات «القاعدة» بخصوص تنسيق الجهود الإغاثية.. «بل كان عملهم مستقلاً عنا، عبر توزيع سياراتهم في عدة أحياء بالمُكلاّ». أيضًا وفق رئيس «المجلس الأهلي» فإنه «عند دخول (القاعدة) إلى المُكلاّ ومدن الساحل اختفى الجيش والأمن والقيادات الرسمية، ولم نجد لهم أي أثر»، ثم قال «مشكلة المحافظة أن الدولة غائبة ولم تقدم شيئًا للمحافظة. لم تقدم الحكومة أي مساعدات للمجلس الأهلي، ولا للسكان، وهو ما جعل (القاعدة) تتشبث بالبقاء في المُكلاّ».
من جانبه، يرى صلاح باتيس، عضو رئاسة الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني في اليمن، أن «غياب السلطات المحلية عن المُكلاّ، عاصمة محافظة حضرموت، كان له تأثير سلبي على أعمال الإغاثة والإجلاء، وخاصة أن المحافظة تعاني منذ عقود من غياب البنية التحتية الكافية وضعف وانعدام شبه كامل للإمكانيات الخاصة بالمستشفيات والمراكز الصحية». وتابع باتيس في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «غياب الدولة ومؤسساتها، وسيطرة (القاعدة) على مدن الساحل، جعلا الجهود الشعبية ومنظمات المجتمع المدني هي المتصدّرة التي قامت بعمل الدولة، فيما كان هناك حضور للدولة في حضرموت الوادي وشبوة والمَهرة، وتمكنت السلطات المحلية من مساعدة السكان وتقديم الاحتياجات الضرورية لهم وإن كان بإمكانيات متواضعة ولا ترقى للمستوى المطلوب».
وأوضح: «(القاعدة) لم تستطع أن تقدم شيئًا للمواطنين المتضررين من الإعصار، كما أنه لا يوجد أي تنسيق بينهم وبين السلطات أو الفرق التطوعية. إنهم يظهرون ويختفون فجأة، مع أنهم يسيطرون حاليًا على المُكلاّ والشحر والغيل والديس الشرقية».
وأكد باتيس، الذي ينتمي إلى محافظة حضرموت، أن «سقوط مؤسسات الدولة بأيدي جماعات مسلحة كـ(القاعدة) وغيره فاقم من معاناة سكان حضرموت. وحاول الأهالي بجهود ذاتية تشكيل فرق تطوّعية من أبناء المناطق المتضررة، قامت بالتواصل مع غرف عمليات السلطة المحلية في الوادي المرتبطة بغرفة عمليات الرياض ومع اللجنة الحكومية».

خطأ تكتيكي
في هذه الأثناء، يرى مراقبون أن الانقلاب والاضطرابات التي شهدتها معظم المدن اليمنية، عاملان ساهما في تنامي نفوذ الجماعات الإرهابية كـ«القاعدة» وميليشيات الحوثي وجماعة صالح، قبل أن ينضم إلى هؤلاء فصيل جديد هو «داعش» الذي ينازع تنظيم القاعدة الذي تأسس في 2009 نفوذه. وهنا يشرح سعيد عبيد الجمحي، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، قائلاً إن «(القاعدة)، استغلت – كعادتها – الأوضاع المتردّية، وبسط هيمنته على جزء من محافظة حضرموت، بمساعدة الموالين للنظام السابق لتعميق حالة الفوضى وخلق مزيد من الإرباك الداخلي، وفق قاعدة (عليّ وعلى أعدائي)».
ويوضح الجمحي لـ«الشرق الأوسط» مستطردًا: «رغم استفادة التنظيم من هشاشة الأوضاع، فإنه لم يكن في حسبانه أنه سيكون هو الطرف الأكثر خسارة. إن اختياره حضرموت مركزًا لنشاطه، لم يكن اختيارا موفقًا، إذ فوجئ التنظيم برفض شعبي عارم من قبل أهالي حضرموت، الذين خرجوا بمسيرات رافضة وجوده بينهم. وعلى الرغم من محاولات (القاعدة) التودّد إلى الأهالي من خلال تقديم بعض المساعدات والتملّق للناس، كما حصل أثناء الإعصار، فإن رفض الحضارم للتنظيم يبدو مبدئيًا وغير قابل للتحوّل».
ويشرح الجمحي كيف أن «حسابات (القاعدة) في اختيار حضرموت، حملت خطأ تكتيكيًا، إذ كانت خسارة التنظيم في صفوف قياداته وعناصره هي الأكبر من تأسيسه. إذ لم يفقد تنظيم القاعدة قيادات في وقت قصير، كما حصل له أثناء استيلائه على حضرموت». ويضيف: «نتيجة عدم امتلاك التنظيم أي مشروع سياسي أو اجتماعي، يمكنه من خلاله استمالة المواطن اليمني، كانت خساراته متواصلة». ثم يلفت الجمحي إلى أن أي «استراتيجية للبقاء في المحافظة تبدو مفقودة لدى التنظيم، واتضح أن خياراته فاشلة، ذلك أن حضرموت رغم توسعها الجغرافي، ضاقت بالتنظيم، بسبب الاستفزازات المتواصلة من عناصر التنظيم للأهالي». ويفصل الخبير الاستراتيجي جوانب من أخطاء ممارسات «القاعدة» في حضرموت فيقول إن «تنظيم القاعدة يفرض قيودًا في حركة المواطنين ويقيد حريتهم. كذلك أقدم التنظيم على فرض خطباء وموجّهين تابعين له، ناهيك بأن عناصر التنظيم في حضرموت يتعاملون مع الناس بتعالٍ واستعلاء توهمًا منهم بأنهم أكثر فهمًا للإسلام وتعاليمه من غيرهم خارج التنظيم».
ويذكر الجمحي أن «هذا الأمر تنبّه له زعيم (القاعدة) السابق ناصر الوحيشي، حين ظهر في آخر تسجيل له قبل مقتله وهو يشكو رعونة بعض عناصر جماعته، ومصادمتهم لعامة الناس، من خلال فرض آراء لا يمكن أن يتقبلها الآخرون بهذه السرعة، فضلاً عن أن هذا السلوك لا يتناسب مع جوهر الشريعة، بحسب الوحيشي».
ويفسر الجمحي هذا الموقف من الوحيشي بأنه «يبدو متخاذلاً لدى بعض عناصر التنظيم الأخرى، ويكشف عن خلل داخلي كبير في صفوف التنظيم. وقد يكون ذلك هو الإجابة عن سبب التساقط السريع لقيادات التنظيم وسهولة استهدافهم من خلال الطائرات من دون طيار». ويضيف: «هناك قرائن وأدلة على وجود اختراقات، واهتزاز داخلي لدى تنظيم القاعدة، لا سيما إذا أضفنا إلى كل ذلك، طموحات بعض القيادات في التنظيم للوصول إلى زعامة التنظيم في أسرع وقت».
ويعتقد الجمحي أن التنظيم «يمر حاليًا بوقتٍ عصيب، خاصة مع بروز تنظيم داعش كطرف أكثر تشددًا من كل ما رأيناه في الجماعات المتطرفة». ويردف «(داعش) يتوسع راهنًا على حساب (القاعدة) حتى في حضرموت ويلتهم عناصره بسهولة. وهو يقدم خطابًا يدغدغ فيه مشاعر المتشددين، بتحقيق حلم (الدولة) وليس فقط (الإمارة) التي عجزت (القاعدة) عن الحفاظ عليها، بل انهارت في وقت قصير». ويختتم كلامه بالقول: «جميع الدلائل تشير إلى احتمال وقوع صراع واقتتال قريب بين (القاعدة) و(داعش) في حضرموت، لا سيما أن الحرب الإعلامية بينهما بلغت أوج سعارها في الفترة الأخيرة».

محافظة حضرموت.. في سطور

> تقع محافظة حضرموت على ساحل البحر العربي، وتبعد عن العاصمة صنعاء بحدود 794 كيلومترا، وعدد مديرياتها 30 مديرية، وتعد أكبر محافظات الجمهورية مساحة. ومدينة المُكلاّ عاصمتها، وأكبر موانيها. أما أكبر مدنها الأخرى فهي سيئون وتريم وشبام، الحواضر الثلاث في وادي حضرموت، والشِّحر وغيل باوزير في المنطقة الساحلية.
> يمارس سكان حضرموت الزراعة وصيد الأسماك والعناية بالثروة الحيوانية، خصوصا أن المحافظة تقع على شريط ساحلي طويل يمتد على شاطئ بحر العرب (الجزء الشمالي الغربي من المحيط الهندي)، الذي يمتاز بكثرة وتنوع الأسماك والأحياء البحرية، كما تضم أراضي المحافظة بعض الثروات المعدنية منها حقول النفط وموارد معدنية أهمها الذهب.
> من معالم السياحة في محافظة حضرموت المساجد والمدارس والمكتبات والقصور في مدينة تريم (العاصمة الثقافية والدينية لوادي حضرموت) وحصون وحدائق مدينة سيئون (العاصمة الإدارية والسياسية) وناطحات السحاب الفريدة في مدينة شبام (المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي).
> تتميز المحافظة بتنوع مناخها نتيجة مساحتها الكبيرة ومتوسط درجات الحرارة خلال أيام السنة 27 درجة مئوية تقريبًا.
> عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، (5.2 في المائة من إجمالي السكان)، ويتوزّعون بين المناطق الجبلية التي تتركز في الأجزاء الوسطى والجنوبية الغربية وبعض الأجزاء الغربية، والقسم الثاني المناطق الصحراوية وتتركز في الأجزاء الشمالية والشمالية الغربية والشرقية للمحافظة، والقسم الثالث بالمناطق الساحلية التي تمثل الشريط الساحلي المطل على البحر العربي.
> بحسب التقسيم الاتحادي الذي أقرته حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي ستكون المحافظة جزءًا من «إقليم حضرموت» الذي يتكوّن من ولايات المَهرة وحضرموت وشبوة وجزيرة سُقُطرى.
> تعد حضرموت من أهم المناطق التي اتخذها تنظيم القاعدة معقلا له، ولقد شن الكثير من الهجمات على كثير من مدنها ونهب كثيرا من المصارف ومعسكرات الجيش، خاصة مدينتي سيئون والشِّحر اللتين تعرضتا لأكثر الهجمات من قبل المسلحين المتشددين.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.