يهدد تلويح القوى المسيحية البارزة في لبنان بمقاطعة الجلسة التشريعية التي دعا رئيس المجلس النيابي نبيه برّي لعقدها خلال الأسبوع المقبل، بالإطاحة بـ«ميثاقية» هذه الجلسة، وبالتالي بإمكانية انعقادها، مما يهدد بتطيير عدد من القروض المقدمة من البنك الدولي إلى لبنان، وبعواقب اقتصادية وخيمة.
«التيار الوطني الحر» وحزب القوات اللبنانية، وهما أبرز القوى السياسية المسيحية في البلاد، يربطان مشاركتهما في أي جلسة تشريعية بإدراج بندي قانون الانتخاب واستعادة الجنسية اللبنانية على جدول الأعمال، إلا أن اتفاق معظم أعضاء هيئة مكتب المجلس في الاجتماع الذي عقدته يوم الثلاثاء الماضي على رفض إدراج البند الأول جعل القوى المسيحية الرئيسية - بما فيها حزب الكتائب اللبنانية - تعيد النظر في المشاركة في الجلسات التي اتفق على تسميتها بـ«تشريع الضرورة»، نظرا لكونها تنعقد في غياب رئيس للبلاد. وللعلم، يُعارض حزب «الكتائب»، الذي يرأسه النائب سامي الجميل، هو الآخر عودة مجلس النواب إلى التشريع، ويتمسك بنص الدستور الذي يقول إن المجلس يتحول لهيئة ناخبة مع شغور سدة الرئاسة، ويبقى كذلك حتى انتخاب رئيس. إلا أنّه، وبعد مضي أكثر من سنة ونصف السنة على تعذّر وضع حد للشغور الرئاسي وارتباط الملف بالتطوّرات الإقليمية والدولية، ارتأى برّي إعادة تفعيل عمل المجلس الذي يرأسه، خاصة أن الامتناع عن إقرار بعض مشاريع القوانين المُدرجة على جدول الأعمال يهدد الاستقرار المالي في لبنان.
برّي حدد الثاني عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي موعدا للجلسة النيابية المرتقبة، مشددا على أن «استئناف العمل التشريعي بات أكثر من ضرورة للبلد، باعتبار أنه لا يمكن أن يستمر هذا الوضع على ما هو عليه في ظل المحاذير المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم يوما بعد يوم». وتابع برّي خلال لقائه عددا من النواب في دارته في بيروت: «لقد آن الأوان لكي نلتفت جميعا إلى مصلحة البلد وأن نتحمل مسؤولياتنا»، معتبرا أن «الميثاقية تعني بالدرجة الأولى الحفاظ على الوطن والمواطن، لا زيادة التعطيل والانهيار».
واستهجنت مصادر رئيس المجلس، الذي هو زعيم حركة «أمل»، تلويح القوى المسيحية بمقاطعة الجلسة التي دعا إليها برّي على خلفية عدم إدراج بند قانون الانتخاب، وتساءلت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هل هم متفقون أصلا على قانون للانتخاب لكي نحيله للتصويت؟ لماذا التورية والكذب في هذا الملف؟ فهل كانوا قد قبلوا بالتمديد للمجلس لو كان هناك اتفاق حول القانون؟». وأكدت المصادر على «جهوزية» برّي لإدراج أي مشروع قانون للانتخاب على جدول الأعمال يتفق عليه التيار و«القوات»، لافتة إلى أن قرار السير بجلسة لا يشارك فيها الطرفان المذكوران يتخذه بري في حينه.
ومن المتوقع أن يظهر موقف موحّد من قبل «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» في ما يتعلق بالمشاركة بالجلسة التشريعية بناء على اتصالات ومشاورات مفتوحة بين الطرفين. وفي حين لم تصدر بعد عنهما مواقف رسمية في هذا الصدد، أكد القيادي في «التيار الوطني الحر» ماريو عون أن تياره لن يشارك في جلسة نيابية «ذات جدول أعمال منقوص»، في إشارة إلى عدم تضمنها بند قانون الانتخاب، معتبرا أن الجهات التي ترفض التصويت على مشاريع القوانين الموجودة في مجلس النواب «تسعى للهيمنة على السلطة حتى عام 2017 تنفيذا لقانون التمديد وترفض الخضوع لقرار الشعب في هذا المجال».
وتحدث عون لـ«الشرق الأوسط» عن «نوايا سيئة تحيط بالموضوع»، لافتا إلى أنه وفي حال قرر الرئيس برّي عقد جلسة غير ميثاقية لعدم مشاركة التيار والقوات والكتائب فيها، أي القوى المسيحية الرئيسية، فذلك يعني أنّه قرر فرض هيمنته وإرادته على مجلس النواب بالتلازم مع قوى 14 آذار. ونبّه إلى أن ذلك يعني «ضرب الشراكة الوطنية والميثاق الوطني ويسهم في انحلال الدولة.. كأن هناك من يسعى لتمرير الوقت وإبقاء الأزمة السياسية على ما هي عليه، لكنّه يجهل أن ذلك قد يتحول لأزمة اقتصادية كبرى سيتحمل وحده مسؤوليتها».
وفي المقابل، حذّر وزير الداخلية نهاد المشنوق في وقت سابق من أنه «ولأول مرّة منذ 22 سنة، هناك تهديد جدّي لليرة اللبنانية في حال تأخر لبنان عن إقرار القوانين قبل نهاية العام». وشدد على أن «عقد الجلسة التشريعية بات أكثر من ضرورة لإقرار مجموعة من القوانين المالية». والقوانين المالية الثلاثة التي ينتظر البنك الدولي والهيئات الدولية إقرارها من لبنان، هي قانون مكافحة تبييض الأموال وقانون تعديل الإجراءات الضريبية وقانون نقل الأموال عبر الحدود.
كذلك، شدّد رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان (المركزي)، على أهمية انعقاد البرلمان قريبا لإقرار قوانين تتعلق بقروض التنمية وإصدار الديون والبنوك، وحث الساسة على كسر الجمود السياسي الذي يلحق ضررا بالاقتصاد. وأبلغ سلامة وكالة «رويترز» بأنّه من المتوقع ألا يسجل لبنان نموا في 2015، وأن البنك المركزي لا ينوي تغيير أسعار الفائدة في الوقت الراهن. وقال إن هناك جهودا لعقد جلسة برلمانية واحدة على الأقل لإقرار تشريعات تتعلق بالمالية العامة والقطاع الخاص. وأضاف سلامة: «الأمر بالغ الأهمية، ونأمل أن ينعقد المجلس، لأن هناك قوانين تمس تمويل البنية التحتية وتمويل النشاط الحكومي بالعملات الصعبة. من المهم أيضا من الناحية النقدية أن تمول الحكومة نفسها بالعملة الصعبة لتغطية التزاماتها.. وعدم اللجوء إلى البنك المركزي لشراء تلك العملات».
الخلاف على قانون الانتخاب يهدد بتطيير التشريع والاستقرار المالي في لبنان
القوى المسيحية تلوح بمقاطعة الجلسة التي دعا إليها بري الأسبوع المقبل
الخلاف على قانون الانتخاب يهدد بتطيير التشريع والاستقرار المالي في لبنان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة