الباكستانيون يلجأون إلى قراء الكف في أوقات الغموض

قائمة الزبائن تشمل رؤساء ووزراء وجنرالات وقضاة ورجال صناعة

علماء الدين المسلمون يدينون اللجوء إلى العرافين وقراء الطالع
علماء الدين المسلمون يدينون اللجوء إلى العرافين وقراء الطالع
TT

الباكستانيون يلجأون إلى قراء الكف في أوقات الغموض

علماء الدين المسلمون يدينون اللجوء إلى العرافين وقراء الطالع
علماء الدين المسلمون يدينون اللجوء إلى العرافين وقراء الطالع

ساد شعور غير مسبوق بالتوتر وبحالة من الطوارئ في دهاليز السلطة بباكستان في صيف عام 1998، وفي مايو (أيار) من ذلك العام أجرت الهند الخصم اللدود لباكستان تجربة ناجحة لأول قنبلة نووية تقوم بإنتاجها، وشعرت باكستان بأنه يتعين عليها أن ترد على ذلك.
وانهمك العلماء الباكستانيون في الإعداد لتجربة مماثلة، بينما ظل الزعماء السياسيون نهبا لصراع عميق حول كيفية مواجهة الآثار المحتملة للعقوبات التي من المتوقع أن يفرضها الغرب على بلادهم. ولكن بعيدا عن كل ذلك النشاط المحموم، كان العالم الكبير عبد القدير خان الذي يعد الأب المؤسس لقنبلة باكستان النووية مشغولا في أمر لا علاقة له بالعلم.
فقد كان يستشير قارئ الكف الخاص به حول مدى الشهرة التي سيحصل عليها كنتيجة للتجارب النووية، على الرغم من أن رجال الدين الإسلامي يدينون اللجوء إلى العرافين وقراء الطالع، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
ويتذكر خان هذه الواقعة ويقول في اتصال هاتفي من منزله الرحب بالعاصمة إسلام آباد «إن ذلك كان هو الأمر الشائع». ويضيف العالم النووي «إنني أحببت ذلك، ولكني كنت أتجه إلى قراءة الطالع أحيانا من أجل المرح، ولم أكن مطلقا شغوفا بهذه الممارسة».
ويقيم خان في منزله تحت حراسة مشددة بعد أن تعرض لمتاعب بسبب تهريب أجهزة الطرد المركزي إلى إيران وكوريا لشمالية.
ومن أشهر قراء الطالع في باكستان«أ.ه. مالك» المقيم في إسلام آباد، ويزاول نشاطه داخل فندق خمس نجوم بالمدينة منذ ثلاثة عقود، وتتضمن قائمة زبائنه اثنين من رؤساء وزراء باكستان السابقين وهما ذو الفقار علي بوتو وشوكت عزيز، بالإضافة إلى مجموعة من الجنرالات والقضاة وكبار الموظفين والدبلوماسيين ورجال الصناعة.
ويزدان حائط بمنزل مالك بصور تجمعه بزبائنه البارزين، ويقول إنهم جميعا كانوا يريدون أن يرتقوا إلى أعلى المراتب التي يمكن أن يصل إليها الإنسان في حياته. ويؤكد مالك أن هذه الرغبة في التطلع إلى أعلى معتادة من جانب أفراد النخبة. ويوضح قائلا إن الشباب والمتعلمين والطموحين يريدون أن يعرفوا ما الذي سيحدث لهم. وعلى الرغم من أن قراءة الطالع كانت تقتصر منذ فترة طويلة على شريحة النخبة السياسية وأبناء المدن، فإن شريحة الأفراد الذين يأتون إلى العرافين المحترفين مثل مالك باسطين كفوف أيديهم إليهم لقراءة تفاصيل التعرجات، فيها اتسعت لتشمل الطبقة الوسطى الأكثر اتساعا.
ويلاحظ مالك أن الدوافع لمعرفة ما يخبئه المستقبل زادت خلال الأعوام الأخيرة.
ويرجع مالك السبب في ذلك التغيير إلى مشاعر الغموض إزاء المستقبل، في الوقت الذي تصارع فيه باكستان التهديد المزدوج الذي يأتي من عنف المتطرفين ومن التراجع الاقتصادي.
وأدى العنف الذي ساد لعقد من الزمان إلى تقليص الفرص أمام الباكستانيين، عن طريق خفض معدل النمو الاقتصادي إلى نحو 4 في المائة، على الرغم من تزايد عدد السكان بشكل سريع.
وتقول صيدا خان وهي خبيرة في علم النفس مقيمة في إسلام آباد «إن الأشخاص الذين يذهبون إلى قراء الكف أو الطالع إما أن يكونوا على درجة كبيرة من الطموح بشأن مستقبلهم أو أنهم يشعرون بالخوف من احتمالات المستقبل القاتمة».
بينما يقول «أ.س. تشودري» وهو منجم مقيم في لاهور ويعرف باسم مامو: «إنني شهدت تغيرا في تشكيلة زبائني بعيدا عن نخبة المدن».
ولعدة عقود كان أفراد النخبة من المدن يأتون إليه لشعورهم بالقلق بشأن مشكلات تتعلق بالعلاقات، أو فرص النجاح السياسي والسفر للخارج.
ويرى تشودري أن الأشخاص الذين كانوا يلجأون للدين في السابق ليشعروا بالطمأنينة أصبحوا يتجهون إلى مصادر أخرى لتحقيق ذلك.
ويعترف عمران رانا وهو خريج كلية للأعمال التجارية وينحدر من بلدة شيكوبورا بالقرب من لاهور بأنه كان يتردد على المنجم تشودري طوال عامين، ويستخدم قراءته للطالع في تخطيط حياته المهنية.
ويقول رانا الذي يبلغ من العمر 28 عاما «إن الناس حولي ينصحونني على الدوام بألا أشعر بالقلق، وأن أنتظر تحسن الأحوال، غير أنني لا أريد الانتظار وأفضل أن تسير حياتي بمعدلات أسرع». غير أنه في دولة إسلامية محافظة ينظر قطاع كبير من السكان بعين الشك العميق إلى قراءة الكف والتنجيم، وتعتبرهما السلطات الدينية نوعا من الكفر.
ويقول المفتي محمد أشرف وهو عالم إسلامي إن «الدين الإسلامي لا يقر التنبؤ بالمستقبل». ويضيف إن «أفعال وأقوال العرافين والمنجمين للناس مهما كانت فهي تخالف أحكام الإسلام، كما أنها خاطئة لأننا نؤمن بأن الله وحده هو الذي يعلم الغيب».
وقال شودري إن «أصول كل من قراءة الطالع والتنجيم ترجع إلى الأساطير الهندوسية، وبالتالي فمن الصعب على علماء الدين الإسلامي أن يقبلوها». غير أن المشكلات الأكثر عمقا التي تواجه باكستان تعني أن الأشخاص مثل عمران رانا الذي يشغل وظيفة في بنك خاص، قد يواصلون السعي للحصول على مشورة قراء كف مثل مامو.
ويقول رانا «إنني أتردد على هنا غالبا لمحاولة معرفة إلى أين سيقودني قدري». وهو يأمل في الهجرة إلى نيوزيلندا، ومنح تشودري لراما بعض الكلمات المشجعة. فقد قال هذا المنجم له «واصل السعي، ومن المؤكد أن النجوم ستأتي في صفك في يوم ما».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».