ملامح النصر تظهر في تعز.. وخسائر فادحة للميليشيات

الحوثيون يفجرون منازل عناصر المقاومة وينقلون أسلحتهم إلى المستشفيات

مقاتلون موالون للشرعية والتحالف العربي يرفعون العلم اليمني على قمة قلعة القاهرة، الواقعة في السفح الشمالي لجبل صبر بتعز (غيتي)
مقاتلون موالون للشرعية والتحالف العربي يرفعون العلم اليمني على قمة قلعة القاهرة، الواقعة في السفح الشمالي لجبل صبر بتعز (غيتي)
TT

ملامح النصر تظهر في تعز.. وخسائر فادحة للميليشيات

مقاتلون موالون للشرعية والتحالف العربي يرفعون العلم اليمني على قمة قلعة القاهرة، الواقعة في السفح الشمالي لجبل صبر بتعز (غيتي)
مقاتلون موالون للشرعية والتحالف العربي يرفعون العلم اليمني على قمة قلعة القاهرة، الواقعة في السفح الشمالي لجبل صبر بتعز (غيتي)

تواصل المقاومة الشعبية والجيش الوطني بمدينة تعز، وسط البلاد وأكبر المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان، تقدما كبيرا والسيطرة على مواقع كانت تحت سيطرة ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح، وذلك بمساعدة طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية.
وكثف التحالف من غاراته الجوية التي دمرت كثيرا من المواقع الهامة للميليشيات الانقلابية بما فيها مخازن الأسلحة في مطار تعز الدولي وجسر الهاملي الذي يربط الحديدة بتعز.
وتستمر الميليشيات في قصفها العشوائي على منازل الموطنين المناوئين للانقلاب وفجروا، أمس، منزل أمين طه بجولة المرور غرب مدينة تعز، لتؤكد بذلك استمرارها في العدوان ضد المدنيين ومهاجمة منازل عناصر المقاومة واعتقال جميع من يناوئها.
إلى ذلك، أظهرت مواجهات القتال بين القوات المشتركة وميليشيات الحوثي وصالح أنها قد تغيرت وبدأت ملامح النصر واضحة لصالح المقاومة الشعبية والجيش وسط المساعدة التي يلقوها من التحالف العربي بالسلاح وتغطيتهم عن طريق غاراتها الجوية في المدينة، بالإضافة إلى بارجاتها البحرية، على ساحل البحر الأحمر، التي طالت أهدافها أيضا مواقع وتجمعات لميليشيات الحوثي وصالح في مدينة المخا الساحلية التي بات قريبا تطهيرها من الميليشيات، خصوصا بعد السيطرة وتطهير باب المندب ومدينة ذباب الساحلية، التابعة للمخا.
وبينما يبدو أن معركة الحسم النهائية وطرد ميليشيات الحوثي وصالح من محافظة تعز بات قريبا جدا، وذلك بفضل صمود عناصر المقاومة الشعبية ووحدات الجيش الوطني، والأكثر من ذلك بعدما أن التف أهالي تعز وساندوا المقاومة والجيش، خصوصا بعدما واصلت الميليشيات تضييق الحصار عليهم ومن مداخل المدينة حيث تتمركز فيها الميليشيات الانقلابية وتمنع دخول الأدوية والغداء ومياه الشرب والخضراوات والفواكه وكل مستلزمات العيش.
وتمكنت المقاومة الشعبية والجيش الوطني من قطع إمدادات الميليشيات الانقلابية عن تعز بمساعدة قوات التحالف العربي، بقيادة السعودية، التي دمرت جسر الهاملي ووادي رسيان على خط الحديدة - البرح - المخا لقطع إمدادات ميليشيات الحوثي وصالح من الوصول لتعز والمخا، ووسط احتفال أهالي تعز بمناسبة الذكرى الـ52 لثورة 14 أكتوبر المجيدة، الذي تخلله بعروض عسكرية للمقاومة الشعبية وحضرته جموع غفيرة من الأهالي.
ويقول محمد سعيد الشرعبي، من أهالي مدينة تعز، لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يزال أهالي تعز محاصرون من قبل ميليشيات الحوثي وصالح وتمنع عليهم دخول الماء والغداء والدواء ومستلزمات العيش من أماكن تمركزها في مداخل المدينة، وتتفاقم المأساة الإنسانية بفعل انتشار وباء حمى الضنك الذي يفتك بالعشرات من أبناء المدينة. وهذا العام احتفل أهالي تعز بثورة أكتوبر وسط الحصار وفي مرمى قذائف ميليشيات الانقلاب، وهذا ما يميز احتفالها، كما تحرص تعز على إبقاء حسها الوطني مرتفعا في عز اشتداد مخاطر مشاريع التفكيك والتشرذم التي تعصف بالبلد».
وفي نفس السياق، تواصل ميليشيات الحوثي وصالح قصفها الهجمي على الأحياء السكنية بمدينة تعز وتقتل المواطنين العُزل، بينهم النساء والأطفال، وذلك من أماكن تمركزها في جبل أمان بالحوبان ومنطقة التحرير والدفاع الجوي بمدينة النور وشارع الخمسين، وتركز القصف على أحياء ثعبات والدمغة والروضة والموشكي والصفا والمسبح وسقوط قتلى وجرحى من المدنيين بينهم نساء وأطفال بما فيها مقتل نوال الشرعبي، أم لثلاثة أطفال أصغرهم لم يتجاوز ثلاثة الأشهر، في حي المسبح جراء سقوط قذيفة بي إم 21 صباح أمس.
ويقول مصدر من المقاومة الشعبية لـ«الشرق الأوسط»: «تحاول ميليشيات الحوثي وصالح التقدم وإعادة السيطرة على المواقع التي أصبحت تحت سيطرة المقاومة والجيش الوطني لكنهم يفشلون في ذلك ويتكبدون الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد، كما أنهم لا يزالون ينقلون أسلحتهم من مكان إلى آخر، لكن قوات التحالف العربي لهم بالمرصاد وتدمر مواقعهم ومخازن العسكرية في كل بقعة في تعز».
غير أن الميليشيات الانقلابية قامت، أمس، بإدخال دبابة في حوش منزل الحربي الموالي لهم في منطقة كلابة، الذي تمركزوا فيه بجانب معسكر الأمن المركزي، ودبابتين أخريين تم إنزالهما من المعسكر إلى المركز الصحافي (مستوصف) 30 نوفمبر (تشرين الثاني) بنفس المنطقة، وهم بذلك يستخدمون المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس كمخازن أسلحة لهم.
ويؤكد المصدر ذاته أن «المقاومة مستمرة في نهجها وتحقيقها للنصر الذي ملامحه بدأت تظهر في الأفق، رغم استمرار الميليشيات استهداف الأحياء السكنية بما فيها حي الجمهورية وقلعة القاهرة بصواريخ والمسبح وغيرها بصواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاوزر من أماكن تمركزها في جبل أومان، كما قتل أكثر من 20 من صفوف الميليشيات وجرح ما لا يقل عن 30 آخرين في مواجهات المقاومة والجيش الوطني مع الميليشيات الانقلابية.
وصدت المقاومة في جبهة الضباب، غرب المدينة، وجوار منزل المخلوع صالح وفي حي ثعبات وكلابة، شرق المدينة، محاولات تقدم الميليشيات، مشيرا إلى أن المقاومة والجيش تمكنوا من التقدم في منطقة الدمدم في العلقمة ومواقع محيطة بها في مديرية الوازعية، جنوب مدينة تعز، وسقوط عشرات القتلى والجرحى بصفوف ميليشيات الحوثي وصالح.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.