فيلم تايوان للأوسكار المقبل يمر من بوابة فتاة مقاتلة

سياو ـ سيين هاو يقلب المعادلة

المخرج سياو سيين هاو خلال التصوير  -  لقطة من «المغتالة»
المخرج سياو سيين هاو خلال التصوير - لقطة من «المغتالة»
TT

فيلم تايوان للأوسكار المقبل يمر من بوابة فتاة مقاتلة

المخرج سياو سيين هاو خلال التصوير  -  لقطة من «المغتالة»
المخرج سياو سيين هاو خلال التصوير - لقطة من «المغتالة»

باشرت صالات مختارة في الولايات المتحدة وفي لندن وهلسنكي وتباعًا في عواصم أوروبية أخرى، عرض فيلم «المُغتالة» (The Assassins) آخر أعمال المخرج التايواني سياو - سيين هاو وأكثرها اختلافًا عن أعماله السابقة منذ أن تبوأ شهرة المهرجانات والمحافل العالمية بفيلم «وقت للحياة، وقت للموت» قبل 30 سنة.
وهو أيضًا فيلم هاو الذي يمثل تايوان في سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي. إذا ما وصل الفيلم إلى الترشيحات الرسمية التي سيعلن عنها في الشهر الأول من العام المقبل، فإن ذلك سيكون المرّة الأولى بالنسبة لأحد أعمال المخرج على الرغم من أنه سبق له وأن نال جوائز أولى في مناسبات أخرى مثل برلين وكان وشيكاغو وفريبورغ ولوكارنو ومهرجانات أخرى.
إذا كان ما سبق عاديًا إلى حد، نظرًا لأن هناك رهطًا كبيرًا من المخرجين الذين سبق لهم وأن نالوا جوائز أولى في مهرجانات عالمية، فإن انتخابه كواحد من بين ثلاثة مخرجين أكثر تأثيرًا على مستقبل السينما في إحصاء قامت به المجلة السينمائية البريطانية العريقة «سايت أند ساوند» يكاد يبز كل ما سبق من جوائز المناسبات. وفي عام 2012 تم انتخاب «مدينة الحزن» (1989) كأحد «أعظم» (على حد تعبير المجلة) عشرة أفلام في ذلك الإحصاء الكبير الذي شمل نقادًا ومخرجين كثيرين.
* عدالة السيف
«المُغتالة» فيلم يجري في عروق الأعمال التي تقوم على استعادة التاريخ الصيني العام (بما فيه التايواني) كما كانت هوليوود تستعيد دومًا (وبكثافة) تاريخها عبر أفلام الوسترن. يتبع أحداث تقع في القرن التاسع عشر ملؤها الخيال حول شخصيات غير واقعية ذات قدرات أسطورية تلج معارك مصوّرة بمد من الفانتازيا المبهرة. الصينيان تشن كايغي وزانغ ييمو عمدا إليها (لجانب آخرين كثيرين أقل شهرة منهما) بعدما كانا قدّما أفلاما أكثر مدعاة لتقدير النقاد الذين اعتادوا على ما قاما بتوفيره من مواضيع آنية أو شبه آنية تنتقد السلطات إلى حد تذمّر المسؤولين الحكوميين وتهديدهم لهما بالعقاب. حينها، حوّلا جانبًا من نشاطهما إلى أفلام سيوف ومبارزات وفنون قتال شرقية وتركا شغل النقد الاجتماعي.
لكن الحال يختلف بالنسبة للمخرج التايواني هاو.
صحيح أنه في السابق، وعبر أفلام مثل «مدينة الحزن» (1989) و«سيد الدمى» (1993) و«طيران البالون الأحمر» (2007) و«زهور شنغهاي» (1998) علاوة على «وقت للحياة، وقت للموت» بالطبع، أنجز أعمالاً درامية فنيّة الطابع وإنسانية التناول، إلا أن هاتين الصفتين، الفن والإنسانية، لازماه في «المُغتالة» ما يجعل إقدامه على تحقيق فيلم من نوع «الوسترن الصيني» هذا مختلف عن أفلام معظم أترابه الذين سبقوه في هذا المنحى.
يتناول «المُغتالة» حكاية امرأة أسمها يينانغ (تؤديه شو كي) تجيد المبارزة والقتال بعد أن أمضت سنوات من التدريب على يدي امرأة ترهّبت لكنها لم تنس القهر الذي تعرضت له. يينانغ تنفذ إحدى المهام بمهارة خارقة. بدقة وبلا تردد. هذا ما يمهد لها مهام أخطر إذ عليها الآن أن تقتنص من مسؤولين حكوميين فاسدين. لكن عندما تصل إلى قتل أحدهم، تتراجع بسبب وجود ابنه معه. عوض أن تكون هذه المرّة استثنائية، تعاود يينانغ التعرض إلى الرغبة في التراجع عن تنفيذ المهام عندما يتم إرسالها لقتل الحاكم (تشانغ تشن) فتكتشف أنه ابن عمّها وكانا متحابين وعلى أهبة الزواج كل من الآخر.
هذا الملخص لحكاية لها مقدّمة بالأبيض والأسود وتوابع نتيجة امتناعها عن تنفيذ الأمر، لكن الفيلم بأسره أبعد بكثير من مجرد قصّة وبل من كونه فيلم عراك ومبارزات. سياو - سيين هاو يقدم على عمله بتحييده عن الفرص التي كان الآخرون سيستغلونها لو أخرجوا هذه الحكاية. لا يكترث كثيرًا لمشاهد القتال بحد ذاتها. هي قليلة في الأساس لكن الظاهر منها سريع وبعيد جدًا عن الاستعراض. جزء من هذا أن مهارة المحاربة يينانغ تنص على أنها تجيد الإنجاز على ضحاياها سريعًا. على عكس أفلام أخرى تتحدّث عن محاربين مهرة، لا يترك هذا الفيلم بطلته تقاتل طويلاً، حتى وإن كان ذلك مطلبًا جماهيريًا، لأن ذلك يعني أنها ليست ماهرة بما فيه الكفاية.
إلى هذا، عمد المخرج إلى قدر كبير من الواقعية. المشاهد سوف لن ير هنا أبطاله وهم يقفزون عشرات الأمتار في الفضاء كما لو كانوا مصاعد كهربائية، ولن يرى أيًا منهم يقف على غصن شجرة كما لو كان بوزن إحدى ورقاتها، أو وهم يواجهون النصول براحة أيديهم لاحتوائهم على قدرات استشفاء غير واقعية. كل هذا تركه المخرج وراءه ليؤم قتالاً مكتسبًا من قدرات البدن الفعلية ومحلى بالمهارات القتالية الأسهل والأصدق قبولاً.
نتيجة ذلك، فإن المشاهد عمومًا يستوحي من الفيلم رغبته في إبداء الحكاية على الشخصية. الموقف على القتال من دون أن يغفل تمامًا عن قيمة مشاهد المعارك. في هذا الشأن يعاود المخرج هاو الإغارة على هذه المناسبات عبر طيّها داخل معطفه الواسع من المعالجة الفنية التي تمتد أفقيًا لتشمل الفيلم بأسره. من تلك البداية بالأبيض والأسود إلى تلك اللقطات المصوّرة من بعيد. من طبيعة المكان وتضاريسه إلى طبيعة الشخصيات وما تقوم به مرورًا بالتوقيت والإيقاع المختار عمدًا من قبل وصول الفيلم إلى المونتاج، يغزل هاو فيلمه جيّدًا ما يجعل «المُغتالة» عملاً فنيًا رائعًا أولاً ثم حكاية قتال ومواقف شخصية لامرأة تكتشف أنها لا تزال تحب من تم انتدابها لقتله ثانيًا.
* الحنان للماضي
وُلد سياو - سيين هاو (والمراجع المكتوبة باللغة الصينية تضع اسم العائلة، هاو، أولاً) في مقاطعة ماي الصينية سنة 1947 ثم هاجر مع والديه وباقي أفراد العائلة إلى جزيرة تايوان وعمد إلى دراسة الفن في «أكاديمية تايوان الوطنية للفنون».
منذ بداياته كمخرج مارس (آذار) هاو ذلك القدر من الاعتماد شبه الكلي على الكاميرا وليس على التوليف. أسلوبه المتأني لالتقاط الفعل والشعور لدى شخصياته، أتاح له كاميرا راصدة وغير متكلفة وقليلاً ما تتحرك. وهو تعامل دومًا مع مدير تصويره مارك لي بينغ - بين الذي بات يعرف تمامًا ما يرضي رغبة المخرج الفنية فيؤمّها بأقل قدر ممكن من النقاش. إلى جانب هذا التعاون، اختار روائية تايوانية معروفة تصغره بتسع سنوات هي تشو تيين - ون وكل ذلك مكّن المخرج من حفظ أسلوبه في العمل من دون تفاوت في أي من عناصر الصنعة الفنية الرئيسة.
عمد سياو - سيين إلى الحكايات التي تستطيع أن تعكس فترات من حياته شابًا في تايوان بعد نزوحه وأهله. لديه قدر كبير من الشعور الذي يحنو لتلك الفترة التي هي، عند سواه، فترة متاعب شخصية. في «وقت للحياة، وقت للموت» يستعير من فترة صباه وبلوغه ويلحظ تلك السمات التي أثرت فيه وهي وفاة والديه (تباعًا بفارق سنوات قليلة) وجدته من قبل.
ذكريات الماضي نجدها أيضًا في «حكاية تايبي» (1985) عبر شخصيات تلتقي صدفة بعد طول افتراق وتبدأ في تداول حكايات الطفولة وعادات وتقاليد الأسر حينها. الحاضر غير مثير للاهتمام لدى أبطال المخرج لا هنا ولا في أفلام أخرى.
سنة 2007 حقق فيلمًا فرنسي التمويل بعنوان «طيران البالون الأحمر» حول ذلك الصبي المشدوه لبالون يطير فوق رأسه كما اتجه. في الوقت ذاته هو عن الفرنسية التي تعمل «جليسة أطفال» (جولييت بينوش) ومصاعب حياتها المعيشية والعاطفية.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز