جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

حتى على الحمص غير متفقين!

إذا كنت من المهتمين بالطعام، لا بد أنك سمعت وقرأت نتائج دليل ميشلان للتميز لعام 2016 الذي صدر منذ أيام قليلة، وصدر الدليل بنسخه المختلفة، في فرنسا والبرتغال ونيويورك والمملكة المتحدة.
وبما أنني مقيمة في لندن فكان لا بد من التركيز على النسخة التي تسلط الضوء على لندن، لنكتشف أن حصة الأسد كانت من نصيب مطعمين يابانيين حصل كل منهما على نجمتين.
لن أطيل الكلام عن الدليل، وعن الفائزين، لأن التفاصيل موجودة في الموضوع الذي نشرته على صفحات صحيفتنا الغراء، والقصة وما فيها هو تعجبي وسعيي الدائم لطرح السؤال على المسؤولين عن الدليل في إنجلترا عن سبب تناسي، حتى لا أقول تجاهل، المراقبين الذين يتعدى عددهم الـ240 للمطبخ العربي، ولأكن أكثر صراحة، المطبخ اللبناني، ليس لأنه الأفضل في المنطقة العربية وإنما هو الأفضل تسويقًا والأكثر شهرة في العالم، والجواب العام الماضي كان: «ها قد ذكرنا لأول مرة في تاريخ الدليل مطاعم لبنانية في لندن»، نعم ذكرت تلك المطاعم وضمها الدليل هذا العام أيضًا، ولم يحصل أي منها على نجمة.
عاودت المحاولة وطرحت على القائمين على دليل ميشلان نفس السؤال، وكان الشخص المسؤول في غاية التهذيب ودماثة الأخلاق، ولم يخل جوابه من الدبلوماسية فكان رده: «السبب هو أن المطاعم العربية لا تركز على مطبخ واحد»! تعجبت من الجواب ولم أكتف، فقلت في قرارة نفسي، لأجرب هذه المرة بأن أسأله على الطريقة العربية، فقلت: «ألا تعتبر أن مطبخنا يستحق التقدير، وكيف يمكن القول بأن المطعم اللبناني (الفلان) لا يعتمد مطبخًا واحدًا»؟ سكت الشاب المهذب لأكثر من لحظة فظننت أن الاتصال انقطع، ليعود من جديد ويشرح: «المطاعم الشرقية منقسمة في مطابخها». وأضاف: «أرجو أن يكون جوابي وافيًا لأن سؤالك صعب».
وهنا تنبهت لقصده، بمجرد أنه ذكر كلمة «انقسام» قلت: «معه حق»، نحن العرب فعلاً لا نعرف الوحدة في المطبخ، فنحن نختلف على أصل الحمص والتبولة، ومن الممكن أن نضرب بعضنا بعضا إذا تجرأنا وقلنا إننا تناولنا طعامًا لبنانيًا اليوم، لأن الفلسطيني سينزعج ويقول إنه أكل طعامًا فلسطينيًا، ليأتي دور السوري وينزعج.
وفي الحالة الوحيدة التي نتوحد فيها على مطبخنا وموروثنا الطعامي عندما نتحدى الأتراك، ونقول لهم إن العثمانيين لم يخترعوا الأكلات الشرقية، من دون أن ننسى الإسرائيليين الذين يعانون من «عقدة الحمص» والفلافل أو «الطعمية» كما يسمونها إخواننا في مصر.
بالفعل، إنها مشكلة حقيقية، نحن ولدنا وترعرعنا في هذه الأجواء التنافسية التي أصبحت في بعض الأحيان «نكتة» تضحكنا (هنا أتكلم عن طبقة معينة من البشر التي ترى الجانب المضحك في المسألة)، ولكن كيف يمكن لمفتش أو مراقب أجنبي يعمل لصالح دليل بحجم ميشلان بأن يقع في معمعة تبدأ بالحمص وتنتهي بالسياسة؟
قد يكون هذا هو السبب الأساسي والرئيسي لعدم حصول أي مطعم عربي في أوروبا وأميركا على نجمة، علمًا بأن هناك الكثير من الطهاة العرب الذين يستحقون التقدير، كما أن «مطبخنا» الشرقي غني ونكهاته أكثر من رائعة، وإذا كان السبب الذي تذرع به العاملون في الدليل هو عدم التفنن بطريقة تقديم الأطباق، فهذا الأمر تغير وهناك كثير من المطاعم الشرقية التي تحرص على الشكل والمذاق والخدمة وتستحق نجمة وأكثر.
ويبقى السؤال: هل من الممكن أن نتقبل فكرة أن «التبولة» لبنانية و«الكنافة» نابلسية و«الطعمية» مصرية؟ أما بالنسبة للحمص، فمن الأفضل أن ننهي المقال هنا!.