يبدو أن النهاية المريبة لعهد السويسري جوزيف بلاتر في رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لم تكتمل فصولها السوداء بعد، فإبعاد الفرنسي جيروم فالكه عن منصب الأمين العام على خلفية اتهامات جديدة يعزل أكثر فأكثر الرئيس المستقيل الذي يبدو على العكس أنه يريد إعطاء ضمانات إلى العدالة. وجاءت هذه التطورات في وقت نفى فيه الفيفا بشكل قاطع أن يكون بلاتر تراجع عن قرار السفر إلى موسكو، الجمعة، من أجل المشاركة في حدث «العد العكسي» قبل 1000 يوم من انطلاق كأس العالم 2018 في روسيا، مؤكدا «لا علاقة لإقالة فالكه بالذهاب إلى موسكو. لم يكن (السفر) أصلا على جدول الأعمال».
وكانت الصاعقة مدوية في وقت متأخر من ليل الخميس – الجمعة، عندما أعلن الفيفا إعفاء الرجل الثاني في المنظمة العالمية جيروم فالكه من مهامه لاتهامه من قبل الصحافة بالتورط في بيع كميات كبيرة من بطاقات الدخول إلى الملاعب في السوق السوداء خلال مونديال 2014 في البرازيل. وكان إعفاء الفرنسي سريعا ومفاجئا أكثر من المتوقع، خصوصا أنه يعتمد فقط على اتهامات في الصحافة وليس على أساس تحقيق رسمي. ورأى أحد أركان الفيفا في تحليل لوكالة الصحافة الفرنسية أنها «إشارة قوية موجهة إلى القضاء الأميركي ولوريتا لينتش»، وزيرة العدل الأميركية التي تحقق في ممارسات الفيفا.
* كشف غير طبيعي
واتهمت الصحافة الأميركية فالكه (54 عاما) في يونيو (حزيران) بالتورط في تحويل 10 ملايين دولار إلى الترينيدادي جاك وارنر الرئيس السابق لاتحاد الكونكاكاف (أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي) ونائب رئيس الفيفا سابقا، الملطخ بدوره بفضائح فساد كبرى والملاحق من القضاء الأميركي، من خلال اتحاد جنوب أفريقيا للعبة تحت ستار «مساعدة الشتات الأفريقي في الكاريبي»، لكنه نفى ذلك بشدة ورمى بالمسؤولية الكاملة على الاتحاد الدولي. وهو اليوم هدف ادعاءات خطيرة انطلقت شرارتها من تأكيدات بني عالون، اللاعب الإسرائيلي السابق في السبعينات والمستشار الحالي في شركة «جيه بي» للتسويق الرياضي المتخصصة في عقد صفقات كاملة للأحداث الرياضية. ويؤكد عالون أن شركته باعت بعض بطاقات الدخول إلى الأماكن المفضلة بثلاثة أضعاف سعرها الحقيقي بموافقة فالكه خلال مونديال البرازيل. وبعيدا عن التعقيدات الظاهرة لهذه القضية، تبدو الطريقة التي اعتمدها عالون لكشف تورط فالكه غير طبيعية: فهو دعا ليل الخميس - الجمعة 20 صحافيا إلى مطعم فاخر في زيوريخ، وقدم لهم ناقل معلومات (يو إس بي) يحتوي على رسائل إلكترونية مدعيا أن فالكه أرسلها، حسبما ذكر أحد المشاركين لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتظهر بعض الرسائل حسب اتهامات عالون أن فالكه كان على علم مسبق بمنح استضافة مونديال 2022 إلى قطر، لكن الفرنسي نفى في بيان شديد اللهجة أصدره محاميه الأميركي باري بيرك في نيويورك تلك المزاعم، قائلا: «ينفي جيروم فالكه بشكل قاطع الاتهامات الملفقة والشائنة من بني عالون لمخالفات مزعومة متعلقة ببيع تذاكر كأس العالم». وأضاف: «لم يتلق (فالكه) أو يوافق على قبول أموال أو أي شيء آخر ذي قيمة من عالون، وكل التعاملات تمت الموافقة عليها من قبل الدائرة القانونية في الفيفا».
وحسب مصدر مقرب من الفيفا، استقل فالكه بعد ظهر الخميس طائرة خاصة في طريقه جوا إلى موسكو لحضور حدث «العد العكسي» قبل 1000 يوم من انطلاق كأس العالم 2018 في روسيا، لكن الطائرة استدارت في منتصف مسارها وعادت أدراجها إلى زيوريخ إثر تبليغه نبأ الإعفاء - الإقالة من قبل محامي الفيفا. وعجل عالون من خلال اتهاماته برحيل الفرنسي الذي كان سيترك منصبه مع انتخاب رئيس جديد خلفا لبلاتر في 26 فبراير (شباط) 2016. وتقول مصادر متطابقة إن فالكه، الذي تأثر كثيرا بتوقيف مسؤولين رفيعي المستوى في الفيفا في مايو (أيار) الماضي، يبدو تعبا من الواقع الحالي، وينتظر الاستحقاق المقبل في فبراير بفارغ الصبر.
* أمر محزن
وعلق الأمين العام للاتحاد الأوروبي للعبة الإيطالي جاني إينفانتينو بعد إقالة فالكه: «هذا أمر محزن. هذه الأنباء تضر جدا بصورة كرة القدم». وتعقد اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي اجتماعا في مالطا، ويبدو رئيسه الفرنسي ميشال بلاتيني الأوفر حظا لخلافة بلاتر في رئاسة الفيفا. وفي مواجهة هذا الموجة العارمة من الفضائح، وجد بلاتر (79 عاما) نفسه مرغما على إعلان استقالته في 2 يونيو بعد 4 أيام من انتخابه رئيسا لولاية خامسة على التوالي بفوزه على الأمير الأردني الشاب علي بن الحسين «بسبب الضغوط الخارجية» على حد قوله. وتعيش المنظمة الدولية فضائح كبرى منذ مايو إثر اعتقال 7 من كبار مسؤوليها واتهام 14 شخصا من قبل القضاء الأميركي بتلقي رشاوى تزيد على 150 مليون دولار منذ عام 1991 في قضايا فساد تشمل التسويق وحقوق النقل التلفزيوني. ويحقق القضاء السويسري من جهته في ظروف منح استضافة كأس العالم 2018 إلى روسيا و2022 إلى قطر، فيما أوقف الفيفا عملية اختيار الدولة المنظمة لمونديال 2026. وقال المدعي العام السويسري ميكايل لاوبن، الخميس في مؤتمر صحافي مشترك مع الوزيرة الأميركية لوريتا لينتش «نعتقد أننا نستطيع اتهام أشخاص آخرين ومنظمات أخرى».
وبعد إعفاء فالكه، سيتولى الألماني ماركوس كاتنر، المدير المالي والأمين العام المساعد منذ 2007 «إدارة الشؤون اليومية» في المنظمة الدولية. في المقابل، لم يتم الاستماع إلى بلاتر من قبل القضاء، وهو يقود الفيفا دون أن يغادر سويسرا مفضلا تجنب «الأسفار الخطرة» كما قال مؤخرا.