المشهد

المشهد
TT

المشهد

المشهد

* اليوم هو عيد ميلاد الممثل والمخرج والمنتج ورئيس مهرجان صندانس السينمائي روبرت ردفورد التاسع والسبعين. وُلد في 18 أغسطس (آب) سنة 1936 ولا يزال نشطًا رغم تلك التجاعيد وما خفي من علامات الشيخوخة.

* هذا العام، على سبيل المثال، ونحن ما زلنا على بعد ثلاثة أشهر ونصف من نهايته، قام بوظيفة «المنتج المنفّذ» لفيلمين؛ واحد تسجيلي («الطبيعي: أفضل ما كان») والآخر روائي («مفكرات أدرأول» مع أمبر هيرد وكرستيان سلاتر وإد هاريس وجيمس فرانكو في البطولة).

* وقام بإنتاج وبطولة «مسيرة في الغابات» الذي يحقق نجاحًا لا بأس بمستواه علما بأن الجمهور الغالب، وكما هو معروف، من أصحاب الهمم الشبابية وغير مكترث كثيرًا لمن فاته قطار الشباب. وروبرت ردفورد أيضًا في بطولة فيلم جديد هو «حقيقة» لاعبًا دور المذيع الإخباري الشهير دان راذر.

* كل هذا لا يكفي (ولا يجب أن يكفي إذا ما كان المرء بكامل قدراته الوظيفية)؛ ها هو يتسلم دفة المنتج المنفذ لمسلسل تلفزيوني بعنوان «ملحمة أميركية» وفي العام المقبل سيؤدي الدور التنفيذي ذاته في مسلسل بعنوان «الغرب»، لكن هذا ليس من قبل أن ينهي العمل على ثلاثة أفلام للعام المقبل انتهت من مرحلة التصوير. في اثنين منها هو - أيضًا - منتج منفذ وفي الثالث يلعب دور البطولة أمام برايس دالاس هوارد وعنوانه «تنين بيت».

* ما السبب في هذا النشاط؟ ليس المال. روبرت ردفورد لديه ما يكفيه منه. معظمه جمعه حالما انطلق في البطولات السينمائية قبل أربعة عقود ونيّف عندما ظهر في أول أدواره المهمّة «المطارد» (إخراج آرثر بن وبطولة مارلون براندو، 1966) منتقلاً مباشرة بعد ذلك إلى أدوار البطولة ومنجزًا في أواخر الستينات وطوال السبعينات بعض أفضل الأداءات لنجم معروف لاعبًا بطولة «بوتش كاسيدي وصندانس كِد» و«الجوهرة الساخنة» و«المرشح» و«جيرومايا جونسون» (هذا واحد من الأفلام التي مثلها تحت إدارة الراحل سيدني بولاك) و«اللدغة» و«غاتسبي العظيم» و«ثلاثة أيام من الكوندور» و«كل رجال الرئيس» والكثير سواها (نحو 75 فيلما).

* كذلك ليس هذا النشاط من باب إثبات قدراته. فهي ثابتة. ولا منافسة لسواه من جيله (معظمهم أحالته هوليوود إلى المعاش ومنهم وورن بايتي وجاك نيكولسون) أو أحال نفسه (جين هاكمان) ولا بحثًا عن الفيلم الخالد والجائزة الكبرى فلديه 34 جائزة تتحدث باسمه في هذا المجال من بينها أوسكار شرف مُنحت له سنة 2002 وخمس جوائز غولدن غلوبس.

* السبب هو أنه يحب ما يقوم به. ومن يحب ما يقوم به يستمتع بعمله ومن يفعل نجده غالبًا يعمّر وهو ما زال يمارس ما يقوم به. قبل عامين فقط تسلم دفّة أحد أفضل أفلام سنة 2013 وهو «كله ضاع»: شخصية واحدة في كل الفيلم مع تعليق مبتسر يتوّجه ذلك الأداء المتين منه والإخراج النيّر من ج. س. شاندور، أحد الأسماء الجديدة الأهم في السينما الأميركية.

* ردفورد لم يعتمد على وسامته. كان يدرك أنه وسيم وأن وسامته جاذبة للجنس اللطيف لكنه لم يكن في وارد القيام بخطوات بلهاء لتأكيد نجوميّته. احترم بذلك ثلاثة: نفسه وجمهوره وفنه. هذا هو الفنان الحقيقي الذي يسطر بأدواره تاريخه.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز