علاوي: العبادي تمسك بالقشور.. وقراره بإلغاء مناصب نواب الرئيس ليس دستوريًا

أكد في حديث لـ {الشرق الأوسط} أن خادم الحرمين يمتلك رؤية عميقة والسعودية عمود الاستقرار في المنطقة

رئيس حركة الوفاق الوطني العراقي الدكتور إياد علاوي
رئيس حركة الوفاق الوطني العراقي الدكتور إياد علاوي
TT

علاوي: العبادي تمسك بالقشور.. وقراره بإلغاء مناصب نواب الرئيس ليس دستوريًا

رئيس حركة الوفاق الوطني العراقي الدكتور إياد علاوي
رئيس حركة الوفاق الوطني العراقي الدكتور إياد علاوي

يكشف رئيس حركة الوفاق الوطني العراقي الدكتور إياد علاوي، رئيس أول حكومة عراقية بعد تغيير نظام صدام حسين، عن أن قرار حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية بإلغاء منصبه كنائب لرئيس جمهورية العراق ليس دستوريًا ولا قانونيًا ولا يتناسب مع التوافق الوطني، مشيرًا إلى أنه عرف بقرار إلغاء منصبه من خلال موقع العبادي على شبكة الإنترنت. وفي حواره مع «الشرق الأوسط» الذي تم بمكتبه ببغداد، أكد علاوي أن «العبادي حتى الآن لم يقم بأي إصلاحات حقيقية»، معلنا عن «موت العملية السياسية القائمة على الطائفية السياسية»، ومؤكدا أنه «سينضم إلى المعارضة السلمية من أجل تحقيق دولة المواطنة». وقال علاوي إنه يسعى لعقد مؤتمر خارطة طريق عربية، مشيرا إلى أن «السعودية هي عمود الاستقرار في المنطقة». وفيما يلي نص الحوار:

* هل كان عندكم علم أو كان هناك اتفاق مسبق حول إقالتكم من منصبكم كنائب لرئيس الجمهورية من قبل رئيس الحكومة حيدر العبادي؟
- هي ليست إقالة، بل طلب إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، وليس من صلاحيات العبادي إقالتنا، لأننا لا نعمل موظفين عنده، ربما له الحق في إقالة نواب رئيس الوزراء أو استبدالهم، أما موضوع نواب رئيس الجمهورية، فوجودهم دستوري ومثبت في الدستور العراقي وبصورة قانونية، كما أنه ليس من حقه التدخل في مجالس المحافظات ولا دمج الوزارات الموجودة بقانون، والعبادي نشر القرار بموقع رئاسة الوزراء وكأن موقعه هو الجريدة الرسمية، وهذا ذكرني بأسلوب صدام حسين عندما كان يجتمع مع وزير أو مسؤول بينما الإذاعة تبث قرار إقالته أو إحالة هذا الوزير إلى التقاعد. لا، لم نكن نعرف بقراره ولا رئيس الجمهورية كان على علم بهذا القرار، ولا رئيس مجلس النواب يعرف مسبقًا. ومثلما يعرف الجميع، فإن العبادي جاء إلى هذا الموقع بتوافق سياسي بناء على وثيقة سُمّيت بوثيقة الإصلاح السياسي التي نحن وغيرنا من النواب ساهمنا بإعدادها، وضمنت ببرنامج سُمي «البرنامج الحكومي»، وهذه الوثيقة هي التي جاء وفقها الرئيس فؤاد معصوم ورئيس البرلمان سليم الجبوري والعبادي نفسه. هذا القرار كان خطأ دستوريًا وقانونيًا؛ فمشكلة العراق ليست هذه الوظائف، المشكلات الحقيقية أعمق بكثير، منها وجود الإرهاب وتمدد «داعش» والعجز في الميزانية، ومنها خراب العملية السياسية والطائفية السياسية والدمار الذي أصاب المجتمع العراقي ومشكلات النازحين والمهاجرين. اليوم شباب العراق يغرقون بالبحر في طريق هجرتهم لأوروبا حتى يتخلصوا من الأوضاع السيئة التي يمر بها البلد، والعبادي بدلا من معالجة المشكلات الحقيقية التي يعيشها الشعب، جاء وألغى 6 وظائف.. هذه معالجة غير صحيحة.
* باعتقادكم، هل قرار العبادي بإلغاء مناصبكم هو نوع من التقشف أم استجابة لمطالب المتظاهرين؟
- بصراحة أنا سميته تقشفًا وليس إصلاحات ولا يطال أصل المشكلات والأزمات في العراق. العبادي يعرف أنني معه ودعمته ونصحته وعملت ما طلبه مني من دعم في المحيط الوطني وعلاقاتي العربية والدولية. كان بإمكانه (العبادي) أن يأتي ويقول لنا إنه ليس بحاجة لمنصب نواب رئيس الجمهورية، أو يطلب مني الاستقالة، فأنا لست بحاجة لهذا المنصب ولم يكن في نيتي أن أشارك في العمل بالحكومة لولا 3 عناصر دفعتني لهذه المشاركة؛ أولا الضغط الذي صار من قبل بقية الأطراف السياسية، باستثناء حزب الدعوة، للمشاركة في الحكومة، ثانيا أنني شعرت بأن العراق في مسار ختامي؛ إما أن يبقى أو يتشظى، ولهذا قلت إنه ليس من المعقول أن أتخلى عن البلد في هذا الظرف بعدما ناضلنا لعقود طويلة من أجله ومن أجل شعبنا. المسألة الثالثة، وهي الأهم، أنني لمست أن هناك اتجاها حقيقيا للمصالحة الوطنية، وهو الملف الذي تصديت له وصار ضمن مسؤولياتي؛ فالبلد لا يمكن أن يستقر، والعملية السياسية لن تنجح إذا بقيت قائمة على الطائفية السياسية والتهميش والإقصاء، بسبب أن هذا كان في الجيش أو بعثيا أو في المخابرات. كنتُ قد تحدثت مرات عدة مع الأخ العبادي عن الإصلاحات والمصالحة الوطنية والجيش والحشد الشعبي والحرس الوطني وقدمت له مذكرات كثيرة ومهمة عن الوضع السياسي العراقي، لهذا أنا لا أعتقد أن السيد العبادي قد توصل إلى جوهر المشكلة، بل هو تمسك بالقشور، إذ ليس هناك إجراء جدي وملموس، ولا انعكس إيجابيا على مسارات العملية السياسية. بهذه المناسبة أحب أن أذكر بأن العملية السياسية ماتت، بل هي وُلدت ميتة أساسا، لأنها قامت في ظل احتلال وعلى أساس الطائفية السياسية والتهميش والإقصاء والترويع والقهر والدمار، ودليل ذلك ما حصل في العراق، خاصة ما يتعلق بوجود «داعش» وسقوط محافظات عراقية بأيدي هذا التنظيم الإرهابي، والحكومة لا تمتلك القدرة على مواجهته بل تعتمد على الأميركيين وغيرهم من الحلفاء الذين هم أيضًا غير قادرين على إنهاء وجود «داعش»، ويقولون إن الأمر يتطلب سنوات طويلة. غير هذا فإن علاقة الحكومة مع إقليم كردستان سيئة وسلبية، هذا جزء مما يحصل في العراق، والجزء الآخر، وهو الأهم، أن العراقيين ثائرون اليوم في بغداد والبصرة والناصرية والديوانية وبابل وبقية المحافظات، عليه، أنا لا أعرف ما يقوم به الأخ العبادي تحديدا، ومن ينصحه في هذا الموضوع أو ذاك، خاصة بعد أن تجاوز رفاقه وشركاءه في العمل السياسي، في الأقل نظريا نحن شركاؤه في العمل السياسي، ولا أعتقد أن هذه الطريقة في العمل ستؤدي إلى نتائج إيجابية.
* هل قرار إلغاء مناصبكم دستوري أو قانوني؟
- القرار ليس دستوريًا ولا قانونيًا ولا يتوافق مع التوافق الوطني.
* باعتقادكم من يقف في طريق رئيس الوزراء لتحقيق إصلاحات حقيقية؟
- لا أحد. نحن أول من طالب وبقوة بإجراء إصلاحات حقيقية وتجاوز الطائفية السياسية التي امتدت حتى إلى الوظائف. أنا قلت مرات كثيرة لا يهمني أن يأتي شيعي أو سني أو مسيحي أو كردي أو تركماني لهذه الوظيفة أو تلك، بقدر ما يهمني أن يكون النهج وطنيا. لقد تقدمتُ بمشروع حقيقي في هذا المجال لا يعتمد على المؤتمرات، بل على إجراءات عملية تسودها الثقة يمكن أن تبني عليها مصالحة وطنية حقيقية بين العراقيين، وباعتقادي ليس هناك من يقف بوجه رئيس الوزراء للقيام بإصلاحات حقيقية، وما قام به حتى الآن ليس إصلاحات، إنما إجراءات تقشف بسيطة وقطع رواتب ستة مسؤولين لا توفر الكثير للدولة.
* كم كان سقف رواتبكم عندما كنت رئيسًا للوزراء في 2004؟
- كان راتب الوزير أربعة آلاف دولار ورئيس الوزراء خمسة آلاف دولار، وهذا السقف في الرواتب جاء من الوزارة التي شكلها (الحاكم الأميركي بول) بريمر، وكان الأخ العبادي وزيرًا للاتصالات فيها، والأخ عادل عبد المهدي وزيرًا للمالية، وأعتقد أن رواتبهم في تلك الحكومة كانت أعلى من رواتبنا، ولم تكن هناك ميزانية، فقد كانت الميزانية مسلَّمة منذ يناير (كانون الثاني) 2004 ونحن تسلمنا المسؤولية في 28 يونيو (حزيران) 2004 وعمليًا في الأول من يوليو (تموز) 2004، وكان بريمر قد سلم الميزانية نقدًا للوزراء والأموال كانت تأتي في أكياس كبيرة محملة بملايين الدولارات وتنقل بطائرات خاصة، وأتذكر عندما انتقلت السيادة للعراق، سلمنا بريمر، وبحضور عادل عبد المهدي بصفته وزيرا للمالية وسنان الشبيبي بصفته محافظ البنك المركزي، قائمة مطبوعة بنفقات ما يقارب مليارًا ونصف المليار دولار، ولم أقبل بالتوقيع عليها إذ طلبت تفاصيل هذه النفقات والمشاريع التي أنفقت عليها ونحن تسلمنا بحدود 150 مليون دولار في شهر يوليو (تموز) 2004 وبدأنا نتسلم عائدات النفط حيث كان سعر البرميل ما بين 28 إلى 30 دولارًا، ووضعنا الميزانية على أساس سعر البرميل 26 دولارًا، وإذا زاد سعره فنضعه في احتياطي البنك المركزي من العملات الصعبة لتأمين استقرار الاقتصاد والدينار العراقي، وأنا شخصيا كلفت «سكرتاريتي» بتوزيع راتبي على المحتاجين.
* ما الفرق بين حكومتي نوري المالكي (رئيس الوزراء السابق) والعبادي؟
- حتى الآن ليس هناك أي فرق؛ في عهد المالكي خسرنا الموصل، أنا لا أقول هو المسؤول، والقضاء هو الذي يجب أن يحدد مَن المسؤول عن خسارة الموصل، وفي عهد العبادي خسرنا الرمادي، وأيضًا هنا لا أقول إن العبادي هو المسؤول عن خسارتنا للرمادي، و«داعش» تمدد وأصبح قوة موجودة على الأرض، بحيث كلما نقول: «حررنا بيجي»، يعود التنظيم المسلح ويسيطر على بيجي.
* هل لا يزال الحكم في العراق هو حكم الحزب الواحد؟
- ما يدور من حديث حول الشراكة في الحكم غير حقيقي، ولا توجد شراكة، بدليل أنه لم يعرف أحد ممن يفترض أنهم شركاء في العملية السياسية بما يُسمى حزمة الإصلاحات، بل حتى إن رئيس الجمهورية الأخ فؤاد معصوم قال لي إنه سمع بهذه الإجراءات عن طريق الإعلام. نحن نلاحظ أن التغيير في المناصب يتم فقط بالأسماء، وتأتي وجوه وأسماء من الحزب نفسه (الدعوة)، وحزب الدعوة فيه مناضلون قاتلوا ضد نظام صدام حسين، وهؤلاء انتهوا ورحلوا عن الحزب وجاءت طواقم جديدة تقود الحزب اليوم وقسم من قياداته السابقة ما زالوا موجودين، لكنهم ليسوا في مواقع المسؤولية، وعلى ما يبدو لن نتخلص من ظاهرة تقديم القريب والصديق والرفيق أو الزميل الحزبي الذي هو عضو في حزب رئيس الوزراء أو صاحب السلطة في العراق، وهذا يشكل خطرًا كبيرًا، خاصة بوجود الدستور، على الرغم من تحفظاتنا على الدستور، لكنه الوثيقة الوحيدة الموجودة، وعلى الرغم من وجود قوانين وتوافق وطني.
* من ضمن مطالب المتظاهرين أن يستقيل العبادي من حزب الدعوة ما دام هو رئيسًا للوزراء، هل تعتقد أنه سيقدم على مثل هذه الخطوة؟
- دعني أكشف سرًا هنا، في أول أو ثاني لقاء لي مع الأخ العبادي وقبل تشكيل الوزارة، قلت له: (أخي الكريم، عليك أن تترك حزب الدعوة طوال توليك رئاسة الحكومة، ولك أن تعود، إذا أردت، لحزبك بعد أن تنتهي ولايتك، لكن أن تبقى في حزب الدعوة ورئيسا للوزراء فهذا غير صحيح). لكنه ضحك دون أن يرد، واعتقدت، لكونه رجلا متعلما، أنه استوعب القصة. لا يهمني أن يكون العبادي في حزب الدعوة، لكن لا يمكن أن يكون رئيسا للوزراء وهو يمثل حزبه ولا يمثل العراق والعراقيين، ولا يمكن أن يصل حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون إلى السلطة ويقرر أن يعين في مناصب الحكومة فقط أشخاصا من أعضاء حزبه وائتلافه، بينما لا يمنح من يسمون بالشركاء في العملية السياسية والحكومة سوى الفتات والمناصب الثانوية والتهميش.
أتذكر أنني عندما تسلمت منصب رئاسة الوزراء عام 2004 تركت موقعي كزعيم لحركة الوفاق، وسلمته للأخ عماد شبيب، وقلت للإخوة في الحركة: عندما تنتهي فترة رئاستي للحكومة سأعود للحركة كعضو أو أي موقع تختارونني فيه، لأن مسؤولية إدارة العراق هي الأهم، وعينت اثنين من الحركة في الحكومة، ولم أعيِّن أيًا من أقاربي، بل طلبت من أقاربي الذين أعادوا فتح مكتبهم التجاري في العراق أن ينقلوا المكتب إلى دولة أخرى، حتى تنتهي ولايتي كرئيس للوزراء.
وكلنا نعرف ما جرى في 2010، عندما فازت «العراقية» بالانتخابات على الرغم من التزوير، وأصرت دولة القانون على تسلم الحكم بدعم من إيران والولايات المتحدة الأميركية، وفي انتخابات 2014 جرى تزوير واجتثاث في قائمتنا ومحاربتنا، وحصلنا على ما حصلنا عليه، وقررنا التعاون مع العبادي بعد إصرار القوى السياسية على الوقوف بوجه الولاية الثالثة لرئيس الوزراء السابق، وبالفعل التقيت العبادي عدة مرات وتحدثنا ودعوت بعض الدول العربية للانفتاح عليه وتأييده، وقلت له: أنا مستعد أن أدعمك ولست منافسا لك، كوني مؤمنا بالعراق وبشعبنا وسلامته وبناء دولة المواطنة والمؤسسات المدنية وإنهاء الطائفية السياسية، ومؤمنًا بعمقنا العربي. ووعد خيرًا، وها نحن نعبر عتبة السنة الأولى على حكم العبادي ولم يتحقق أي شيء، بل ما حدث ويحدث هو العكس، وتضاعفت مشكلات الفقر والفساد وانهيار العملية السياسية الكئيبة التي ما عادت تشرف أحدًا، حتى مجلس النواب الذي يمثل الشعب العراقي منقسم.
* إذا كنتم معترضين على العملية السياسية في العراق؛ فلماذا أنتم فيها حتى اليوم؟
- سأكشف لـ«الشرق الأوسط» سرًا؛ كتبتُ خطاب استقالتي في الثالث من مايو (أيار)، وكنت أنوي تقديمها، لكن ما حصل هو التقدم المخيف لتنظيم داعش، ووجدت من المعيب أن يتقدم «داعش» ونحن نتقهقر دون أن أقوم بدوري، مهما كان هذا الدور، في محاربة الإرهاب والطائفية السياسية التي هي من جاء بـ«داعش»، لهذا تريثتُ في هذا الموضوع، وربما لا أكشف سرًا إذا أخبرتكم بأني اتصلت بإحدى دول مجلس التعاون الخليجي، واعذرني عن ذكر اسم الدولة، وبناء على طلب الحكومة العراقية طلبت من هذه الدولة الشقيقة سلاحًا مجانيًا للجيش العراقي، وكانت استجابتهم بمستوى عروبة ورقي هذه الدولة ومجلس التعاون الخليجي، وقدموا جزءًا من المساعدة، على أن تستكمل بعد اجتماعهم مع وفد عسكري من وزارة الدفاع العراقية لمعرفة احتياجاتهم، لكن ما قدموه لم تتسلمه وزارة الدفاع، بل تسلمته جهات عراقية أخرى لا أعرف هويتها. دوري كان ولا يزال وسيبقى دعم بلدي من خلال علاقاتي الوطنية والعربية والدولية، وغالبا ما قلت وأبلغت العبادي بأن الانتصار على «داعش» هو انتصار سياسي وليس عسكريا، وما لم ننتصر سياسيا فلن ننتصر عسكريا، والانتصار السياسي يكمن بالمصالحة الوطنية وإلغاء الطائفية السياسية وعودة النازحين واحترامهم وعودتهم إلى بيوتهم، هذا ما أنا مؤمن به وما منعني من تقديم استقالتي.
* هل هذا يعني أنكم ستنتقلون إلى صف المعارضة؟
- نعم، سأكون معارضا سلميا لهذه العملية السياسية حتى نبني على أنقاضها عملية سياسية تليق بشعبنا الذي ضحى بملايين «الشهداء» عبر سفره في التاريخ الحديث.
* اليوم هناك انقسام شيعي - شيعي وسني - سني، هل تعتقد أن هذا يضعف العملية السياسية؟
- أعتقد أن هذه المسألة تشكل عاملا إيجابيا، فالناس ملّت من الطائفية السياسية سواء كانت شيعية أو سنية، لهذا بدأ التفكك في هذه الكيانات التي تبنت مشروع الطائفية السياسية، وهذا أعتبره عامل قوة إذا استثمر بشكل جيد، وسيغير العملية السياسية في العراق، وسيعود التيار المدني الوطني إلى الصدارة، وهذا من المؤشرات الجيدة، وثبت للكتل التي تبنت الطائفية السياسية، سواء من السنة أو الشيعة، أن هذا النهج لا يعالج مشكلات المجتمع بالكامل، بل إن ما يعالج هذه المشكلات هو النفس الوطني.
* ما حجم التدخل الخارجي في الملف العراقي؟
- هناك تدخل كبير ومؤثر، خاصة من قبل إيران، وقلت للسفير الإيراني في العراق الذي التقيته في مكتبي قبل أيام بحضور أعضاء من حركة الوفاق الوطني العراقي: إنكم جار للعراق، سواء شئنا أم أبينا، وهناك ظروف تاريخية وواقع جغرافي، لكننا لا تقبل بالهيمنة والتدخل في الشأن العراقي على الإطلاق، والعلاقات السياسية يجب أن تقوم على أساس احترام السيادة الوطنية والحفاظ على المصالح المشتركة، وليس عندنا أي شيء ضدكم، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى؛ فهذا يفتح بابًا لإغلاق الملفات وتحسين العلاقات مع العراق ومع بقية الدول العربية، والعراق يستطيع أن يلعب دورا مهما في المنطقة شرط أن لا يكون تحت هيمنة أي دولة أخرى. وقلت له أيضا: كلنا نعرف أن هناك صراعا إقليميا يدور على الساحة العراقية وضحيته شعبنا وشعوب المنطقة، وخصوصا العربية، ومنها، إضافة إلى العراق، سوريا واليمن ولبنان. لهذا طلبتُ اجتماع مجلس العلاقات العربية والدولية، وتحدثت بهذا الكلام، وأصدرنا بيانًا لوضع خارطة طريق بمشاركة جميع الدول باستثناء إسرائيل وسوريا التي لا يوجد من يمثلها، خارطة الطريق هذه إذا لم تتحقق فلن يستقر أي نظام عربي خاصة في العراق واليمن وسوريا، لهذا مطلوب منا وضع خارطة طريق عربية، ووضع النقاط على الحروف، وصار اتفاق بأن يكون هناك اجتماع يوم 29 من الشهر الحالي في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة لمناقشة الإرهاب والأمن الإقليمي، وأرسلنا رسائل للأشقاء العرب. اليوم أصبح من المهم عقد المؤتمر الإقليمي ومناقشة الأمن الإقليمي بعد الاتفاق النووي الإيراني، وقد أصدرتُ بيانا قلتُ فيه إنه كان يجب أن تتم مناقشة الأمن الإقليمي بالتزامن مع الاتفاق النووي الإيراني.
* باعتقادكم، ما الدور السعودي في موضوع الأمن الإقليمي؟
- السعودية مركز مهم وعمود أساسي من أعمدة الاستقرار في المنطقة، وسياسة قيادة المملكة، ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد، وولي ولي العهد، هي استمرار لنهج السعودية الواضح في الدفاع عن القضايا العربية بشكل مستمر، ومنذ عهد الملك فيصل بن عبد العزيز، كانت السعودية سبّاقة وواضحة في طرح والتزام قضايا العرب، وعلينا العمل مع القيادة السعودية لتجاوز الأزمات في المنطقة والوصول إلى شواطئ الاستقرار والأمان.
في اليمن إذا لم يُحسم الأمر، فسوف يشكل خطرًا على المنطقة، وأنا متفق مع سياسة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بالتعامل مع الأزمة اليمنية حفاظا على أمن الخليج والمنطقة. أكنّ الاحترام الكبير لخادم الحرمين، إذ إن لديه رؤية عميقة للأوضاع، وكذلك ولي العهد وولي ولي العهد الذي تعرفت على خطاباته، التي تؤكد أنه يمضي في الطريق الصحيح، وهذا لا يعني التقليل من أهمية دول مجلس التعاون الخليجي التي مع السعودية تستطيع أن تحقق الاستقرار في المنطقة، إضافة إلى مصر والأردن والمغرب وتونس والجزائر.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.