بعد يوم واحد من نجاح البرلمان العراقي في تثبيت وزير الكهرباء قاسم الفهداوي في منصبه، وعدم سحب الثقة منه، ارتفعت سقوف مطالبه إلى حد البدء بجمع توقيعات لاستضافة رئيس الوزراء حيدر العبادي بغرض الاستيضاح منه بشأن الإصلاحات، في وقت سخر فيه منسق المظاهرات في العراق عن التيار المدني الديمقراطي من عزم البرلمان تحويل العبادي إلى متهم لقيامه بالإصلاحات التي بات ينادي بها ملايين العراقيين.
وقال عضو البرلمان عن اتحاد القوى العراقية، فارس طه الفارس، في تصريحات تلفزيونية أمس إن جلسة البرلمان أول من أمس «شهدت جمع تواقيع من أجل استضافة رئيس الوزراء حيدر العبادي للاستيضاح منه بشأن موضوع الإصلاحات، وأين وصلت مراحل تنفيذها، لأن البرلمان يجب أن يكون على تماس مع عملية الإصلاح».
وأضاف الفارس، أن «البلد في أزمة حقيقية، وإذا لم يتم وضع الحلول السريعة الفاعلة فإن البلد سيذهب في طريق لا يحمد عقباه»، داعيا البرلمان والكتل السياسية إلى «تناسي المصالح الفئوية الضيقة في سبيل المصلحة العامة».
وكان العبادي أعلن أخيرا عن عدم التراجع عن الإصلاحات، عادا أنها ليست موجهة ضد أحد، مطالبا في الوقت نفسه بالمزيد من التفويض للإيفاء بما بات يطالبه الشعب به، بما في ذلك حل البرلمان وإلغاء الدستور.
وبينما لا تزال كثير من حزم الإصلاح دون تنفيذ، بدأت ترتفع أصوات هنا وهناك لمراجعة بعض القرارات التي اتخذها العبادي، بما في ذلك حل ودمج بعض الوزارات، فإنه سعى في آخر حزمة له، التي أعلنها الجمعة الماضي، مثل فتح المنطقة الخضراء أو شوارع بغداد المغلقة من قبل الأحزاب المتنفذة، لأن يضع القوى السياسية المتنفذة أمام أمر واقع، وفي حال رفضت، فإنها ستكون في مواجهة مفتوحة أمام الشعب، مثلما أفاد سياسي مطلع.
هذا السياسي المطلع والمقرب من التحالف الوطني (الكتلة الشيعية الأكبر في البرلمان) أبلغ «الشرق الأوسط» بأن «العبادي بدأ يتريث بتنفيذ الكثير من قراراته الإصلاحية التي بدأت جريئة أول الأمر لأكثر من سبب يقف في المقدمة منها شعوره بأنه بحاجة إلى الحليف الإيراني مهما كانت بعض نقاط الخلاف، لا سيما بعد مواجهته مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني التي أرادها بعض خصومه داخل التحالف الوطني وحتى ائتلاف دولة القانون، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أن تكون تلك المواجهة لصالح الأخير وضد العبادي بوصفها أول حالة تمرد من حليف قوي له لا سيما في حربه ضد (داعش)، حيث بدأ يعتمد على الدعم الإيراني بسبب نقصان الموارد».
وأشار المصدر إلى أن «العبادي تنبه إلى هذه المسألة، فقرر أن تكون المواجهة مباشرة بين الشعب وبين المعرقلين لقراراته سواء كانوا رئاسة الجمهورية لا سيما بعد تصريحات الرئيس فؤاد معصوم الأخيرة بعدم دستورية بعض الإصلاحات أو نواب رئيس الجمهورية أو البرلمان نفسه أو عدد من القادة السياسيين والدينيين المتنفذين، وفي مقدمتهم عمار الحكيم وأحمد الجلبي وبعض قادة الفصائل الشيعية المتنفذة مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، باستثناء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يقف مع العبادي بكل قوة».
وأوضح السياسي المطلع أن «العبادي بدأ يفصل بين الاستمرار في الإصلاحات لجهة عدم التراجع عنها وبين تنفيذها، لا سيما أن تريثه في ذلك، وإن كان يضعه في دائرة النقد بين المتظاهرين، يزيد من نقمتهم ضد البرلمان، لا سيما بعد تعثره في أمر وزير الكهرباء، علما بأنني أمتلك معلومات أن رئيس البرلمان سليم الجبوري قد أسقط في يده، لأنه كان يتصور أن التصويت بسرعة على سحب الثقة من وزير الكهرباء سيمر بسهولة، لكنه فوجئ بعدم حصول النصاب، وهو ما يعني أن البرلمان وضع نفسه في فوهة مدفع المتظاهرين».
وأكد السياسي المطلع أنه «في الوقت الذي تصور فيه المالكي أنه نجح في تأليب طهران ضد العبادي، فإن الأخير نجح في أن يجعل المواجهة بين الشعب وكبار السياسيين المتهمين بالفساد وضياع الموصل وهدر الأموال طوال السنوات الماضية، وفي مقدمتهم المالكي، مفتوحة، وبالتالي بدأ يراهن على ما يمكن أن يحصل عليه من تفويض إضافي خلال الأسابيع المقبلة يجعله قادرا على اتخاذ قرارات أكثر جرأة وتنفيذ القرارات التي اتخذها».
وتابع السياسي المطلع أن «العبادي يريد كذلك تنبيه المرجعية إلى محاولات الالتفاف، لا سيما أن توصيات المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني خلال الجمعتين الأخيرتين اتسمت بشيء من التراجع، وركزت على جزئية واحدة، هي القضاء الذي هو رغم كل الملاحظات عليه يبدو الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية بالقياس إلى أصحاب النفوذ والأحزاب الكبيرة والميليشيات».
إلى ذلك، أكد جاسم الحلفي، منسق المظاهرات عن التيار المدني الديمقراطي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «وضع البرلمان بات مؤلما بالنسبة لنا كمتظاهرين، لأنه بدأ يتخذ قرارات وإجراءات تمثل لنا صدمة حقيقية؛ ففي الوقت الذي تخرج فيه الجموع وبالملايين للمطالبة بالإصلاحات، فإنه يتحجج بالدستور الذي هو إحدى أبرز المشكلات والمعوقات أمام بناء دولة مدنية ودولة مؤسسات وقضاء حقيقي ونزيه». وأضاف الحلفي أن «المفارقة اللافتة هي أنه في الوقت الذي يجب أن يكون فيه البرلمان بوصفه صوت الشعب هو المساند للشعب في مظاهراته، فإنه بات يقف بالضد من الإجراءات التي تقوم بها الحكومة التي بدأت تستجيب لنداء الشعب، لكنها تصطدم بممثليه داخل قبة البرلمان، وهو ما يعني أن ممثلي الشعب هم في الحقيقة ممثلو أحزاب وكتل وشخصيات وليس الشعب».
وأوضح الحلفي أن «من بين أكثر المواقف إثارة للغرابة أنه في الوقت الذي يأمر رئيس الوزراء بفتح المنطقة الخضراء أمام أبناء الشعب، فإن الأصوات التي ارتفعت بالضد من ذلك هي من قبل النواب الذين يزعمون أنهم يمثلون الشعب».
البرلمان العراقي يضع نفسه في مواجهة مفتوحة مع الشعب
بعد رفضه إقالة وزير الكهرباء وعزمه على استضافة العبادي لاستيضاحه بشأن الإصلاحات
البرلمان العراقي يضع نفسه في مواجهة مفتوحة مع الشعب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة