«الخلافة الافتراضية» يشرح كيف ينجح «داعش» بنقل «المساجد المتطرفة»..إلى شبكة الإنترنت

المشرف على التقرير لـ {الشرق الأوسط} : محتوياته ستسهم برسم استراتيجية موسعة لمحاربة التطرف

«الخلافة الافتراضية» يشرح كيف ينجح «داعش» بنقل «المساجد المتطرفة»..إلى شبكة الإنترنت
TT

«الخلافة الافتراضية» يشرح كيف ينجح «داعش» بنقل «المساجد المتطرفة»..إلى شبكة الإنترنت

«الخلافة الافتراضية» يشرح كيف ينجح «داعش» بنقل «المساجد المتطرفة»..إلى شبكة الإنترنت

مع سفر المئات من جميع أنحاء العالم للالتحاق بتنظيم داعش في معاقله بسوريا والعراق، ومع تزايد الهجمات المرتبطة بالتنظيم في عدد من الدول في مختلف أنحاء العالم، تزداد مخاطر تهديدات الآيديولوجية المتطرّفة التي ينشرها، وتلح الحاجة للقضاء على ماكينة التنظيم الدعائية التي أثبتت قوتها وقدراتها في مجالي الاستقطاب والتجنيد. ولكن لا يمكن ضرب هذه المنظومة الترويجية من دون فهم هيكلها واستراتيجيتها. ويذكر أنه لمدة طويلة حجبت الآلة الفعالة للدعاية الترويجية «لدولة الخلافة» المزعومة الفهم العقلاني لها، لذا قرّرت مؤسسة «كويليام» لمكافحة التطرّف، بإشراف الباحث تشارلي وينتر، إصدار تقرير يكشف تركيبة «داعش» وآلياته واستراتيجيته، بعنوان «الخلافة الافتراضية: فهم استراتيجية الدعاية لدى (داعش)». ويسعى هذا التقرير إلى إصلاح هذا الموقف عبر تقديم تحليلات أكثر شمولية لاستراتيجية دعاية التنظيم بدءًا من الكشف عن استغلال «داعش» الفضاء الإلكتروني ونقل «مساجد التطرّف» - حسب تعبيره - من الأرض إلى شبكة الإنترنت لتكون متاحة ومفتوحة للجميع. إلى ذلك، نستعرض محتوى التقرير وما يطرحه من شرح وتوضيحات حول نهج الاستقطاب الذي يتبعه التنظيم، والتصنيفات الخمسة لآلية دعايته الترويجية وذلك لنشر ستة شعارات أهمها «المدينة الفاضلة» المتمثلة بمشروع «دولة الخلافة» الطويل الأمد. وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، يؤكد وينتر أن التقرير «جرى عرضه بصورة غير رسمية على الحكومة البريطانية وسيصار إلى استخدام مُخرجاته لرسم استراتيجية واسعة للقضاء على التطرّف. وأخيرا، نتناول الحلول التي يطرحها التقرير لكسب الحرب الدعائية ضد التنظيم، الذي ما زال مُجلّيًا فيها».
أنجز تشارلي وينتر، الباحث البريطاني البارز في مؤسسة «كويليام» البريطانية لمكافحة التطرف، بإنهاء التقرير الأول من نوعه الذي يكشف آلية واستراتيجية وتركيبة إعلام «داعش»، بعنوان «الخلافة الافتراضية: فهم استراتيجية الدعاية لدى «داعش». وينتر، المتخصّص بقضايا الجهاد التحوّلي، ستغرقه إعداد التقرير 12 شهرًا من البحث العميق في ماكينة «داعش» الدعائية منذ إعلان التنظيم المتطرف «خلافته» المزعومة.
يذكر، أن مؤسسة «كويليام» تعد من أهم المؤسسات العالمية المتخصّصة في مكافحة التطرّف، وسبق أن وفّر أحد مؤسسيها ماجد نواز استشارات لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حول استراتيجية بريطانيا لمكافحة الإرهاب. إلى ذلك، قال وينتر في تصريحات خاصة بـ«الشرق الأوسط» أنه «على الرغم من أن التقرير لم يسلّم بصفة رسمية إلى الحكومة البريطانية، فإن الجهة الحكومية الملائمة قراته بالفعل». وتابع: «تلقينا بعدها ردود فعل إيجابية حول محتويات التقرير التي قد تساهم في تصوّر وبلورة الاستراتيجية الموسعة لمحاربة التطرّف والإرهاب، إذ توفر محتوياته معلومات جديدة حول استراتيجية (داعش) الدعائية».
تابع وينتر في سياق بحثه المنظم ورصده جميع مخرجات التنظيم الترويجية خلال السنة الأولى من «الخلافة»، نشاطات الإرهابيين في وسائط الإعلام الاجتماعي باللغتين الإنجليزية والعربية يوميًا. وبعد تدوينه أكثر من ألف حملة دعائية مختلفة، استطاع أن يحلل الشعار المتطرّف، غير المسبوق ويقسمه إلى ستة خطابات أساسية، كما تمكّن من تحديد الجماهير المُستهدَفة من قبل «داعش» في حملاته الدعائية. وحول ذلك، يقول وينتر إن «هذا التقرير هو الأول من نوعه، وهو يوفر تحليلات متكاملة لآلية منظومة تنظيم داعش واستراتيجيتها وجغرافيتها ومحتوياتها». وأردف: «احتاج إعداده لعمل مكثّف، ولقد تعمّقنا على مدار العام بالبحث في مواد التنظيم الترويجية، ونحن الآن نعمل على إعداد تقرير مماثل ليكمل التقرير الأول».
يسلط تقرير «كويليام» الضوء على الدوافع الاستراتيجية عند وسائل إعلام «داعش» والآثار المترتبة على عملياتها. ومن خلال تحليل الناتج الإعلامي للمنظمة خلال الأشهر الـ12 التي تلت «إعلان الخلافة» في يونيو (حزيران) 2014، بات من الممكن «تفكيك» الشعارات إلى مكوّناتها الموضوعية، وكذلك «تفكيك» الجماهير المستهدَفة إلى الفئات المركبة لها. كذلك يزيل التقرير الغموض الذي يحيط بالآلة «الداعشية» الدعائية.
يؤكد التقرير مدى اعتماد التنظيم على وسائل التواصل الاجتماعية والشبكات الإلكترونية التي باتت متاحة ومفتوحة للجميع على الإنترنت. وهنا، لفت تشارلي وينتر إلى ظاهرة كشفها التقرير، قائلاً: «في العقود الماضية، اعتمدت الجماعات المتطرفة على ما يسمى بـ(المساجد المتطرّفة) بالاستقطاب والتجنيد.. واستطاع تنظيم داعش نقل تلك (المساجد المتطرّفة) من الأرض إلى الشبكة العنكبوتية لمشاركة القصص وتبادل المعلومات من معاقله في سوريا والعراق إلى العالم». وحسب وينتر، فإن هذه الظاهرة الراديكالية الحديثة الظهور «هيأت الحالة التي يستطيع فيه الشغوفون الاتصال مباشرة مع المقاتلين السابقين والحاليين، والحصول على روايات من ساحة المعركة وتبادل المشورة اللوجيستية مباشرة»، مذكّرًا أنه في العصر الرقمي، باتت منصات وسائل الإعلام الاجتماعي تؤدي هذا الغرض.
غير أن التقرير يستدرك فيشير إلى أن «المساجد المتطرّفة» الأصلية أو الإلكترونية، ليست السبب الأول لميل الناس إلى التطرّف، «إذ لا بد من وجود مؤثّر بشري خارجي لإثارة عملية التطرف وإدامتها. كذلك فالتعرض للدعاية الترويجية ليس وحده السبب». لكن ما تفعله الدعاية هو تحفيز عملية تحوّل الفرد إلى التطرف، وزيادة تعاطفهم الشديد مع التنظيم، وهذا التعاطف موجود أصلاً.

نهج الاستقطاب

ينوه التقرير بالحجم الكلي الهائل لإعلام التنظيم المتطرّف، ففي وقت كتابة التقرير كان يجري يوميًا «نشر ثلاثة مقاطع فيديو وأربعة صور فوتوغرافية (كمعدّل وسطي)، وتظهر نشرات الأخبار الإذاعية يوميًا وبشكل منظّم وفي أوقات دقيقة، وتبثّ بلغات مختلفة، من ضمنها العربية والتركية والكردية والإنجليزية والفرنسية والروسية». وبالإضافة إلى الدعاية الترويجية المُذاعة، يؤلف «داعش» وينتج الأناشيد والأفلام شهريًا. وحسب وينتر فإن «ماكينة التنظيم الإعلامية تنضج وتكبر وتتوسّع، من المعلوم أن التنظيمات المتطرّفة الأخرى تتبع آلية الترويج، ولكن حجم منظومة داعش الدعائية تبقى، بلا منازع، الأكبر».
ومن خلال الاستعانة بمصادر خارجية لنشر دعوته، استطاع «داعش» عزل نفسه عن المخطّطات التي تقودها الحكومات لفرض الرقابة على مضمونه. وكما اكتشف التقرير، فإن ناشري حملات التنظيم، في معظم الأحيان، نصّبوا أنفسهم متطوعين وهم لا يشغلون مناصب رسمية في التنظيم، افتراضية أو غيرها. وكشف التقرير أيضًا عن ظاهرة إشباع المواقع المتطرّفة على الإنترنت بمحتوى «رسمي» لتغدو المنظومة الإعلامية قادرة على توجيه مسار خطابها على الدوام عبر مواقع الإنترنت عن بعد دون تدخل مباشر. وهنا أوضح وينتر إلى «تعزيز عملية التوحيد والتكامل في دعاية التنظيم على جميع الوسائط والمنابر التي تعطي، بدورها، مسحة من الرسمية والشرعية للتنظيم». وعن نهج الترويج، لاحظ الباحث البريطاني أن التنظيم يتبع «دعاية مركزية، منظمة وممنهجة، لا تعمل من فراغ بل وفق جدول أعمال وتكتيكه دقيق».
من ناحية ثانية، استند تقرير «كويليام» في تحليله إلى أعمال الأكاديمي جاك الذي عرضت كتاباته في منتصف القرن الماضي وسيلة لتسليط الضوء على استراتيجية الترويج. وحسب وينتر «يذكر بأن الدعاية الترويجية لم تكن طريقة لتطبيق أفكار جديدة، بل وسيلة لمضاعفتها وبلورتها. ومن هذا المنطلق، فإن العملية الدعائية تعمل على إحاطة الشخص المستهدف بشكل كامل ومن ثم ترسيخ وتطوير الأفكار الموجودة سابقًا في رأسه». في ذهن - وحتمًا في حالة «داعش» - الهدف الأول للداعية هو بناء التفاعل بينه وبين الشخص المستهدّف، وذلك لجعل جماهيره يعكسون، راغبين، نسخةً مدروسةً من الأحداث في المجالات العامة والخاصة. وبهذا تصبح الحدود بين الجمهور ومنتج المحتوى مبهمة تعبر عن رأي موحّد.
وبحسب إيلول، لا يمكن للدعاية الترويجية العمل في فراغ «فلا بد أن يكون هناك بيئة من الأفكار والمفاهيم والأدبيات المساندة» تستقطب مَن لديهم جهوزية للتطرّف. وهنا يشرح وينتر «داعش يستقطب جمهورًا يتعاطف معه ومع رسالته، وينتقي التنظيم باحترافية واستقصائية مجنديه، الذين هم من الشباب في غالب الأحيان». وحسب «إن أحد الأهداف الأساسية هو ترسيخ إيمان المدعو (المستهدَف) إلى الحد الذي يبتعد به عن الحقيقة وينعزل عن أقرانه، وعندما يحدث هذا، يتضاعف الانحياز».

تصنيف الدعاية الترويجية للتنظيم

إن دعاية التنظيم الهائلة بنطاقها ونوعيتها، عملت كحاجز أمام أي تحليل نافع لآليتها. ولذلك، لجأ التقرير إلى تطبيق «إطار إيلول» الذي يقسم فيه جميع أنواع الدعاية الترويجية الرسمية وغيرها إلى خمس «ثنائيات» من المتناقضات ليشرح استراتيجية التنظيم في الترويج.
ويتعمق التقرير في رسم خارطة لهذه «الثنائيات» التناقضية الخمس في الخطاب الدعائي الداعشي:
- الثنائية الأولى، والأوسع، هي «ثنائية» الدعاية الترويجية «السياسية» مقابل «الاجتماعية». وفي حالة «داعش»، يمكن فهم الدعاية «السياسية» بأفضل طريقة على أنها الرسالة الفكرية الرسمية والمباشرة، سواءً كانت موجهة إلى جمهور صديق أو معادٍ. ومن ناحية أخرى، فإن الدعاية «الاجتماعية» ناتجة عن «اختراق طويل الأمد والتأقلم التدريجي» نظرًا لكونها منتجة من قبل المؤيدين له وليس من قبل وسائل إعلامها الرسمية». وتشمل المنتجات مختلف مخرجات التنظيم الإعلامية من الأشعار والتقارير والصور والتسجيلات
- الثنائية الثانية هي ثنائية الدعايتين «التعبوية» أو «التكتيكية» من جهة و«الاستراتيجية» من جهة ثانية. وحسب التقرير، تهدف الدعاية «التعبوية» إلى إحداث ردود فعل محسوسة من قبل المراقبين، على المدى القصير. وفي حالة «داعش» ذكر وينتر أنها «قد تكون الهجرة أو الإرهاب أو تنفيذ هجمات في دول المستقطبين». أما الدعاية «الاستراتيجية» فتركز على تكثيف أهداف طويلة الأمد، فهي تسعى إلى إنشاء خط وبيئة للتنظيم والمحافظة عليها لتحقيق «الخلافة»، ومن ثم توظيف، فإن توظيف العنصرين الأساسيين معًا يزيد من فعالية دعاية التنظيم لتحقيق أهداف قصيرة وطويلة الأمد.
- الثنائية الثالثة هي «العمودية» و«الأفقية». وفي حالة «داعش» توظف الأولى لدعم شعار التنظيم والحفاظ على صورته وتكون ذات طابع رسمي، أما الثانية فلهجتها أقل رسمية وتعنى بنشر أصوات «جمهور» التنظيم المؤيد
- الثنائية الرابعة، تتعلق بمتناقضي «التحريض» و«التوحيد». وهنا يشرح التقرير أن «الأولى معنية كليًا بالتعبئة وموجهة نحو تعزيز أفكار الفرد وتفعيلها.. أما دعاية «التوحيد» فهي تدريجية تهدف لنشر أفكار الخلافة أو «المدينة الفاضلة» بعيون المتطرفين».
- الثنائية الخامسة والأخيرة كما يحددها تتجسّد بـ«العقلانية» و«اللا عقلانية»، وتستخدم «داعش» العنصرين في تحريف «الحقائق لإثبات العقلانية وتفوّق نظامها» و«الواقعية المزعومة لمدينتها الفاضلة». ويوضح هذا التدفق المستمر للأدلة الصوتية والمرئية التي تصوّر، مع الإشارة إلى «العقلانية»، لتطبيق مشروع «لا عقلاني» متطرّف وهو «الخلافة» المزعومة تحت «أبي بكر البغدادي».
ويذكر هنا، أن «الثنائيات» المذكورة ليست منفصلة إحداهما عن الأخرى، بل هي مزيج من العوامل أو العناصر من أجل تحقيق الاستراتيجية الدعائية طاقاتها الكامنة، ونشر رسالة التنظيم المتطرفة المتمثلة تحت الشعارات الستة الرئيسة التي كنا أشرنا إليها آنفًا.

الشعارات الستة الرئيسة عند «داعش»

ولد خطاب تنظيم «داعش» المتطرف، تصورًا شاملاً يقدم طريقة بديلة للعيش من خلال الاستحواذ على خيال المجندين. ويضم هذا الخطاب ستة شعارات لا ينفصل أحدها عن الآخر، هي: «القسوة»، و«الرحمة»، و«الضحية»، و«الحرب»، و«الانتماء»، و«المدينة الفاضلة». وحول هذه الشعارات يشير تقرير «كويليام» موضحًا: «في حين أن القسوة هي بسهولة أبرز هذه الخطابات في الغرب، والمدينة الفاضلة إلى حد بعيد الخطاب الأكثر أهمية لدعاة (داعش)؛ إن فكرة (المدينة الفاضلة) هي الأكثر إغراء للمجنّدين الجدد».
وتبعًا للتقرير فإن «أيًا كانت الحالة، فإن نسج القسوة في نسيج الرسالة الفكرية للتنظيم ينطلق من أربعة دوافع هي: كسب رضا مؤيديه، وترهيب الأعداء، وتحذير السكان المحليين من العقاب المترتب على التجسّس أو الانشقاق، وأخيرًا، إثارة غضب رأي الإعلام العالمي للتسبب في استسلام أو إذعان صنّاع السياسات. وعادة، يحاول التنظيم العمل على تحقيق الدوافع الأربعة في النشرة الإعلامية الواحدة.
والملاحظ أنه يصحب شعار «القسوة» شعار «الرحمة» المرتبط بفكرة «التوبة»، وهذا نهج تتبعه معظم الجماعات المتطرّفة. وللتوفيق بين شعارين متتافرين متعاكسين كالقسوة والرحمة، ساق الباحث وينتر مثالا بقوله: «تتنوع إصدارات التنظيم المرئية بين مشاهد إعدامات وحشية وتسجيلات لرهائن يبايعون البغدادي فيصفح التنظيم عنهم ويحتضنهم».
أما بالنسبة لشعار «الضحية» - الشعار الثالث - فهو متداول الاستخدام بين التنظيمات المتطرفة التي تزعم أن «المسلمين أصبحوا ضحية بفعل الحرب العالمية التي تُشَن على الإسلام». ولذلك، تحتوي إصدارات التنظيم المرئية على لقطات لغارات التحالف الدولي الجوي على معاقله ومشاهد للدمار الناجم عن القصف الجوي.
ونصل إلى الشعار الرابع أي «الحرب». إن «آلة حرب» التنظيم غالبًا ما ينشرها «داعش» من خلال تركيز عدسات الكاميرات والفيديو لإعلامييه على الانتصارات العسكرية، بالإضافة إلى تصوير مخيمات التدريب والمسيرات العسكرية لمدافعه ودباباته وسياراته المدرعة وكذلك العمليات الانتحارية، كما وجد التقرير. وتحتوى تلك الإنتاجات أيضًا على مشاهد لعناصر بالزي النظامي يؤدون حركات منسّقة، تهدف إلى تغذية فكرة «داعش» كـ«دولة» حقيقية شرعية لها جيش حقيقي.
الشعار الخامس، «الانتماء»، لعله الأكثر قوة وجذبًا واستقطابًا للمجندين الجدد من الدول الغربية. وهنا رصد التقرير، من خلال منشورات التنظيم المستمرة وتقارير المصوّرة إصراره على تصوير وجود «مجتمع» متكافل لعناصر التنظيم تتأكد فيه فكرة «الأخوة في دولة الخلافة». وتركز التسجيلات المصوّرة باللغات الأجنبية التي تصدر عن مركز الحياة للإعلام، على حياة الصفاء والسكينة وروح الصداقة السائدة بين المجندين.
وأخيرًا، الشعار السادس والأكثر تعقيدًا، هو خطاب «المدينة الفاضلة» وتصوّرات «خلافة» مثالية. وهنا يشير التقرير إلى توقيت إعلان «الخلافة» واحتكار «داعش» على ساحة الخطاب المتطرّف. لقد حاول «داعش» تجسيد المثالية وترويج فكرة طويلة الأمد عمّا يسعى التنظيم لتطبيقه. والحال أنه تدعم جميع الشعارات السابقة شعار «الخلافة المثالية». وفي كل فرصة متاحة، يسلّط إعلام «داعش» الضوء على إعلانات «مبايعة» زعيمه أو انضمامات لصفوفه ليؤكد تحقق نبوءته بتوسع وتطبيق «دولة خلافته» المزعومة.
وحسب كلام تشارلي وينتر «في الآونة الأخيرة، ركّز التنظيم في تسجيلاته على تصوير «مدينة فاضلة» من خلال لقطات مجندين يمارسون هوايات كتربية النحل وغيرها من المُغريات». ولكن، ما يستحق الذكر، أن تصوّرات «دولة الخلافة المثالية» متباينة لدى عناصر التنظيم لاختلاف جنسياتهم ودوافعهم وأطماعهم. ووفق وينتر «هذا واقع سيشكل عقبات للتنظيم في تشكيل هذه الخلافة على الأمد الطويل.. إن انعدام التوافق بين صفوف التنظيم سيؤول إلى دماره». وعن طريق رصد تفاعلات بالإنجليزية لمجنّدين أجانب لدى التنظيم، كشف وينتر عن «قلاقل» في صفوف المجندين وتفرقة في المعاملة بين المجندين العرب والأجانب.

أهمية الرد على الخطاب المتطرّف

«داعش» ليس أول تنظيم متطرّف أنتج محتوى ترويجيًا عالي الجودة وعلى نطاق واسع، غير أن تقرير «كويليام» استخلص أن «تقنية استراتيجيته الإعلامية وحنكتها وكفاءتها غير مسبوقة». وبخاصة أن «داعش» يختار ويخصّص خطابات مختلفة لجذب أناس مختلفين، ومن ثم نشر رسالته بمهارة واستقطاب كل من يجد لديه قابلية للتطرف والالتحاق. إلى ذلك، يرى التقرير أنه «لا يمكن الانتصار في هذا الحرب من خلال القوة العسكرية والسياسية فقط؛ ذلك أن الحرب ضد التنظيم حرب عسكرية وسياسية، كما أنها حرب معلوماتية ودعائية، وهي ما زالت حتى الآن لصالح (داعش)».
من جهة ثانية، يدعو التقرير إلى إعداد خطابٍ مضاد يواجه خطاب «داعش»، ويلحّ على المجتمع الدولي للتعامل مع الأزمة التي يخلفها هذا التنظيم بشكل فعال، ويعتبر أنه لا بد من التنسيق الشامل وأيضًا استنباط واستخدام أسلوب ثوري مبتكر لمناهضة دعاية الإرهابيين. ويلاحظ أنه «سيكون من غير اللائق بالنسبة للتحالف أن تستخدم نفس نموذج استراتيجية الرسائل الفكرية المستخدمة من قبل جماعة متطرّفة تدعو إلى الإبادة الجماعية، ولكن يجب الرد على الخطاب الإرهابي لمنع انجراف الناس من ذوي القابلية للتطرّف».
وحسب التقرير فإن دول التحالف الدولي لمحاربة «داعش» مؤهلة بنيويًا لمنافسة رسائل «داعش» الفكرية. ولذا يحث على تكثيف جهود محاربته عبر «قطاعات مختلفة كالحكومات والمنظمات غير الحكومية، وجماعات الناشطين المستقلين ومنظمات المجتمع المدني».
ووفق وينتر: «نشهد تقدمًا في الأشهر الأخيرة في مجال تعامل الإعلام الرئيس مع دعاية التنظيم، إذ أصبحت معظم المؤسسات الإعلامية أكثر وعيًا لأخطار تناقل مواد (داعش)، إلا أن بعض المنظومات الإعلامية ما زالت تواصل نشر مواد التنظيم من دون اكتراث بالعواقب، ومن الواجب الضغط عليها للحد من نشر دعاية التنظيم».
أخيرا، يشدد التقرير على أهمية فهم استراتيجية التنظيم الإعلامية كمقدمة لا بد منها للتصدي لها، عبر القول «لا بد من تفكيك الهيكل الضخم للدعاية الترويجية إلى مكوّناتها الأساسية؛ ويسهل من خلال ذلك إتباع نهج دقيق في شن حرب المعلومات على «داعش». وطالما لم يفهم العالم الاستراتيجية وراء الآلة الإعلامية للتنظيم، فإن المفاهيم الخاطئة حول ما يحفز مؤيديها - سواءً كانوا مهاجرين محتملين أو إرهابيين محليين محتملين – فإنها (أي آلة داعش الإعلامية) ستستمر في الازدهار. وأخيرًا، حسب التقرير، «طالما لم تحول استراتيجية دول التحالف هندسة معلوماتها إلى استراتيجية تجابه حِرَفية ماكينة «داعش» ستظل الخاسر أمام التنظيم في حربه الترويجية.
يقول ابن جميع في عقيدة التوحيد: «إن الإمامة مستخرجة من الرأي، وليست مستخرجة من الكتاب أو السنة»، ويقول إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني صاحب «الغياثي» في كتابه «الإرشاد»: «إن الكلام في الإمامة ليس من أصول الاعتقاد، والعلم أن الخطأ في أصل الإمامة تعيينها وشروطها وما يتعلق بها لا يوجب شيء منه الكفر. إلا إذا توافرت فيه الشروط والبيعة»، مقرّرا إثبات إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم)، ومحذرا من الطعن في الصحابة والافتراء عليهم، وكذلك رأي تلميذه حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (450 - 505 هـ) حيث قال في «القسطاس المستقيم» إن «نظرية الإمام ليست من المهمات، وليست من فن المعقولات فيها، بل من الفقهيات». وأضاف الغزالي في «فيصل التفرقة»، موضحا أن «والعلم أن الخطأ في أصل الإمامة تعيينها وشروطها وما يتعلق بها، لا يوجب شيء منه الكفر».
ورفض ابن خلدون قول الشيعة الإمامية بأن الإمامة من أركان الدين، واعتمد العصبية والشوكة كعامل من عوامل حركة التاريخ وتداول الدول في التاريخ الإسلامي وغيره. إن أهل السنة والجماعة لم يجعلوا الإمامة أو الخلافة أصلاً من أصول الدين، بل تجاهلها أغلب أئمتهم الكبار، قبل ابن حنبل حتى ابن تيمية.
سابعًا.. تجاهل سياق الثورة والشعب السوري كلية:
إن القضية لم تكن «بيعة» ولا «خلافة»، ولكن كان هناك نظام مستبد قمعي قاتل وثورة قامت لمواجهته. وهنا تجاهل لموضع الحديث وهو الثورة السورية، التي لا يأتي عليها منظّرو «داعش» مطلقًا، فهم يحصرونها في خلافهم مع «جبهة النصرة» ثم يحصرونها في تأكيد شرعية خلافتهم! مع تجاهل القضية الأصل والجذر معًا، والتي تضررت من ممارسات «داعش»، الذي جعل الحرب ضد الثورة أولى من الحرب ضد النظام، وهو ما يشهد به رفقاؤه السابقون في «النصرة»، فابتلع ما في يد فصائلهم وقواهم، وكفرهم وحاربهم، وأعطى الأسد ذريعة للبقاء ولم يحاربه إلا مرة واحدة في مطار الطبقة!
ختامًا: إن «داعش» جعل الإمامة والخروج من أصول الدين، على خلاف ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة ويتفقون فيه مع الخوارج وغيرهم من فرق الغلاة، فهي عند أهل السنة تقديرية اجتهادية كما كان يقول إمام الحرمين الجويني في «الغياثي»، وليست بهذه القداسة التي جعلوها لها، واختلاف الصحابة والأئمة وغيرهم في تاريخ المسلمين، وفي تطور أنظمة الحكم في العالم أجمع دليل على تقديريتها وعدم قدسيتها ليس بعده دليل.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.