مدير مكتب «الجزيرة الإنجليزية» السابق بالقاهرة: الصحافيون العرب يدركون مخاطر الإرهاب

فهمي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه سيعتزل الصحافة لفترة ويعمل على استعادة جنسيته المصرية

محمد فهمي المدير السابق لقناة «الجزيرة» الإنجليزية («الشرق الأوسط»)
محمد فهمي المدير السابق لقناة «الجزيرة» الإنجليزية («الشرق الأوسط»)
TT

مدير مكتب «الجزيرة الإنجليزية» السابق بالقاهرة: الصحافيون العرب يدركون مخاطر الإرهاب

محمد فهمي المدير السابق لقناة «الجزيرة» الإنجليزية («الشرق الأوسط»)
محمد فهمي المدير السابق لقناة «الجزيرة» الإنجليزية («الشرق الأوسط»)

قال مدير مكتب قناة «الجزيرة الإنجليزية» السابق في القاهرة، الصحافي الكندي من أصل مصري محمد فهمي، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أنقذ مصر من الفوضى وخلص البلاد من الجماعات المتطرفة ليحميها من مصير دول مثل ليبيا وسوريا والعراق، وشدد في حوار مع «الشرق الأوسط» على أنه أصبح يوجد إدراك لدى كثير من الصحافيين العرب لما يحدث الآن من حرب عالمية ضد خطر الإرهاب.
وألقت السلطات المصرية القبض على فهمي أواخر عام 2013 أثناء عمله مديرا للقناة القطرية انطلاقا من فندق ماريوت الشهير بالقاهرة، مع صحافيين آخرين مصريين وأجانب، وجرى اتهامهم بالانتماء لجماعة الإخوان وفبركة مواد إعلامية لخدمة الجماعة. وعرفت القضية التي حظيت باهتمام محلي ودولي باسم «خلية الماريوت».
وينكر المتهمون هذه الاتهامات. وحكم على فهمي بالسجن سبع سنوات، لكن محكمة أعلى أعادت نظر القضية وقررت إصدار حكم فيها يوم 29 من الشهر الحالي، بينما قامت السلطات المصرية بترحيل زميل فهمي، الصحافي الأسترالي بيتر غريست. ويوجد في القضية محكومون مصريون وأجانب بعضهم فر خارج البلاد.
وعمل الصحافي الذي حصل على الجنسية الكندية عقب هجرته إليها عام 1992 في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» وقنوات «دبي» و«الحرة» و«سي إن إن»، قبل أن يدير الجانب التحريري في قناة «الجزيرة الإنجليزية» بمصر في سبتمبر (أيلول) 2013، عقب الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي.
وقال فهمي إنه في حال براءته أو تثبيت الحكم بالسجن عليه، فإنه سيسعى للحصول على عفو وترحيل من البلاد، كما جرى مع زميله الأسترالي. وأضاف أنه سيعتزل الصحافة لفترة ويعمل في التدريس في جامعات غربية، مع اتخاذ إجراءات لاستعادة جنسيته المصرية. وإلى أهم ما جاء في الحوار..
> كيف بدأت مهنة الصحافة؟ ومن أين بدأت؟
ـ بدأت العمل في الصحافة رسميا منذ أول يوم من الحرب الدولية على العراق في عام 2003. دخلت أول يوم في وقت ضرب بغداد. كنت أعمل لصالح صحيفة «لوس أنجليس تايمز». كنت في ذلك الوقت مقيما في الكويت. في البداية كنا نغطي الأحداث من الكويت على أساس أن الكويت هي أقرب نقطة من العراق، وأنها مكان أساسي لكل الصحافة الأجنبية. كان هناك خوف من أن صدام حسين سوف يقوم بالرد بإطلاق أسلحة كيماوية. دخلت العراق مع بداية الحرب ومكثت في العمل مع هذه الصحيفة سنة تقريبا.
> لكنك انتقلت للعمل الإعلامي التلفزيوني.
ـ بعد تجربة حرب العراق التحقت بتلفزيون «دبي» لمدة سنتين، ثم توليت موقع مدير غرفة أخبار قناة «الحرة» في كل من دبي ومصر. وبعدها عملت لمدة سنة مع الصليب الأحمر الدولي في عام 2007.
> في أي بلد؟
ـ في لبنان.. أيام معركة نهر البارد، في الشمال.
> كإعلامي أم كمتطوع؟
ـ عمل إنساني وخيري.. استمر لمدة سنة، حيث كنت أعمل في السجون اللبنانية مسؤولا عن حماية حقوق المساجين السياسيين. أنا كنت أدخل على المساجين السياسيين لكي أرى إن كان أي منهم يتعرض للتعذيب أو يحتاج لعلاج أو يريد أن ينتقل لعنبر آخر، وما إذا كان يريد أن يرسل رسائل لأهله أو أن أهله يريدون أن ينقلوا له رسائل. وأبحث إن كان محامي السجين موجودا أم أنه يريد محاميا. وحين دخلت السجن في مصر كنت أفكر فيما إذا كنت سأجد متطوعين من الصليب الأحمر يبحثون في أحوال المساجين. المهم.. العمل مع الصليب الأحمر يختلف تماما عن العمل في الصحافة. في الصليب الأحمر توقع على إقرار بأنك لا تتحدث للصحافة، فعملك كله في الخفاء.. عمل إنساني وخيري بين الدول والمنظمات. هذا أفادني كثيرا.
> كانت «سي إن إن» مهتمة بقضيتك. متى بدأت العمل مع هذه القناة؟
ـ مع بداية ما يعرف باسم «الربيع العربي»، في 2011، عملت مع «سي إن إن» لمدة ثلاث سنوات مراسلا ومعدا. وعملت لها في مصر وليبيا وسوريا. كنا نعمل 7 أيام في الأسبوع ولمدة 24 ساعة في اليوم. كان عملا كبيرا جدا. استمر هذا إلى أن تركت القناة قبل مظاهرات 30 يونيو (حزيران) بأيام ضد حكم جماعة الإخوان في مصر. خلعت قبعة الصحافي ونزلت أهتف في شوارع القاهرة ضد الإخوان. كنت أصور طائرات الجيش وهي تحيي المتظاهرين في الميادين. كنت أشعر بالراحة والفرح لأن السيسي خلصنا من الإخوان.
> لكن في ذلك الوقت كانت المحطات الغربية بما فيها «سي إن إن» تتحدث عن مرسي وكأنها لم تكن تحبذ عزله قبل استكمال مدة رئاسته المقررة بأربع سنوات. ما رأيك؟
ـ أنا أعترف بأهمية الديمقراطية، خصوصا أنني درست في الخارج، وأعرف أهمية أن يكون هناك اختيار من جانب الشعب، ولكن أنا كنت أنظر إلى الإخوان كأنهم سرطان يجري في جسد إنسان مريض وكنت لا أعتقد أن أربع سنوات من العلاج الكيماوي ستفيد. وكان يجب استئصال الورم قبل انتشار السرطان. هذا التشبيه الذي رأيته. أنا كنت أرى بعين الصحافي ما يجري على الأرض. شعوري كان أن البلاد مقبلة على فوضى مثل ما يحدث في سوريا وليبيا والعراق. كنت أشعر بالقلق على الخميرة المصرية المعتدلة التي فيها أمان للناس والنساء وتنوع الثقافة. كنت أقف أمام السفارة الأميركية وكنت أقول لـ«سي إن إن» على الهواء إن علم تنظيم القاعدة يرفرف فوق سور السفارة الأميركية من جانب المتشددين.
> لماذا تركت «سي إن إن» في ذلك الوقت؟
ـ أخذت راحة.. انخرطت في المظاهرات ضد الإخوان، إلى أن أتاني اتصال هاتفي من قناة «الجزيرة الإنجليزية». قالوا لي تعال امسك المكتب الإنجليزي في القاهرة. ومن المهم جدا ذكر كلمة القناة الإنجليزية لأنني كنت لا أنظر بارتياح لقناة «الجزيرة» بالعربي ولا لقناة «الجزيرة مباشر مصر». كنت ألمس فيهما نبرة تحريضية، لكن القناة الإنجليزية كان يعمل فيها عدد من أصدقائي. كنت أعلم أن خطها العام وأداءها مختلف تماما. وافقت على العمل معهم لكن بشروط جرت الموافقة عليها.
> وما هي هذه الشروط؟
ـ أن يتم الفصل تماما بين عملي الذي أقوم به في قناة «الجزيرة الإنجليزية» والعمل الذي تقوم به «الجزيرة مباشر مصر» و«الجزيرة» العربي. وأن أتولى بنفسي جمع المعلومات وأن أختار الضيوف وألا يعمل الصحافيون الموجودون في «الجزيرة الإنجليزية» مع «الجزيرة» العربي أو «مباشر مصر». وألا يكون هناك تبادل للمادة الإعلامية بينهم. كان الوقت في شهر سبتمبر 2013. وعلى هذا بدأت وأخذت الموضوع كتحد، خصوصا أن كثيرا من الناس.. أقصد من أسرتي، قالوا لي خذ حذرك من «الجزيرة». قلت لهم «الجزيرة الإنجليزية» مختلفة تماما عن العربي، واكتشفت فيما بعد، وأنا في السجن، أن هذا كان سوء تقدير مني. فلأول مرة أكتشف، وأنا في قفص السجن، أن النيابة قدمت أوراقا للقاضي تفيد بأن جميع قنوات «الجزيرة»، بما فيها الإنجليزية، كان قد تم سحب رخص عملها من مصر، قبل أن أتولى مسؤولية القناة الإنجليزية بأيام قليلة، دون أن يخبرني أحد بذلك.
> هل تنازلت عن الجنسية المصرية بالفعل؟
ـ للأسف.. نعم. هذا الأمر جرى في ظروف صعبة. ومن حقي أن أستعيد الجنسية المصرية. وسأقوم بذلك فور الانتهاء من القضية التي تشغل كل تفكيري اليوم.
> ظروف عصيبة.. كيف؟
ـ حين صدر قرار من السلطات المصرية بترحيل المتهمين الأجانب في القضية، أعلنت من محبسي أنني لن أتنازل عن الجنسية المصرية، لأنه كان هناك ضغط من المحامين لكي أتنازل عن الجنسية حتى أتمكن من الاستفادة من قرار ترحيل الأجانب. أي أتنازل في مقابل الترحيل من مصر. لكنني رفضت. وبعد ذلك جاء لي أحد مندوبي جهاز أمني مصري في محبسي، وطلب مني التنازل عن الجنسية لمساعدتي كما ذكر لي. قال لي إن هذا لمساعدتك، وإن هذا الكلام قادم من مستويات عليا في الدولة؛ لأن هذا هو الطريق الوحيد للخروج لك ولزميلك بيتر غريست. وقال أيضا: نحن نعلم أنك لست من جماعة الإخوان. إلا أنني رفضت هذا الطلب أيضا. وقلت لن أتنازل عن الجنسية. وبعد ذلك قدم لي هذا المندوب هاتفا جوالا لأرد عليه بعد أن اتصل منه برقم معين، وكان على الطرف الآخر مسؤول كبير في الدولة لن أذكر اسمه، تحدث معي وقال لي يا محمد نحن نعلم أنك بريء وأنك لست من الإخوان، ويمكنك أن تقدم للحصول على الجنسية المصرية مرة أخرى فيما بعد من خلال مجلس الدولة. ويمكنك أيضا، إذا أردت، أن تأتي لمصر كسائح. ولو تنازلت فسيتم ترحيلك. وقال لي أيضا إن الجنسية في القلب وليست ورقة.
> وهل قررت التنازل عن الجنسية بناء على هذا الاتصال؟
ـ نعم.. أنا بعد هذه المكالمة حسبتُ المسألة، وقلت لنفسي إن أسرتي تعذبت معي بسبب هذه القضية، وإن إجراءات نقض الحكم يمكن أن تستمر لفترة طويلة وهكذا.. المهم تنازلت وأخبرت المحامين الذين معي. وأخبرت السفارة الكندية والسفير الكندي في القاهرة. وعلى ذلك كان الكلام كله أنه سيتم ترحيلي إلى كندا. حتى وزير الخارجية الكندي حين جاء في زيارة لمصر، منذ أكثر من شهر، أعلن أنه سيتم ترحيلي خلال أيام. وعلى هذا تقدمت زوجتي باستقالتها من عملها في إحدى شركات الاتصالات بالقاهرة استعدادا للرحيل معي وجاءوا لي بحقائبي إلى السجن، لكن فجأة، ودون أي أسباب، جرى ترحيل غريست فقط. أنا سعيد جدا لترحيل غريست، لأنه تعب كثيرا في السجن خصوصا أنه أجنبي ولا يتحدث اللغة العربية. المهم تقررت إعادة المحاكمة وجرى منع خروجي من مصر. أي أن اسمي موجود على قوائم منع السفر في المطار. ويوجد أمر قضائي بأن أذهب للتوقيع كل يوم في قسم الشرطة في الدائرة التي أسكن فيها في ضاحية الزمالك. والموضوع أصبح صعبا وليس سهلا.
> لو جرى ترحيلك فهل ستواصل العمل في الصحافة؟
ـ لا.. قررت الحصول على وقت طويل للاستراحة قبل أن أعود للعمل الصحافي. أنا منذ نحو 19 شهرا، أي منذ بدء القضية، في ضغط نفسي رهيب. أنا كنت قد هيأت نفسي لاستكمال حياتي في كندا. وقعت عقدا للتدريس في جامعة بريتش كولومبيا في هانكوفر لتدريس الصحافة، ووقعت عقدا آخر مع جامعة ميتشغان، للتدريس أيضا.. هذه ستكون بمثابة فترة انتقالية أرتاح فيها نفسيا وأعيد ترتيب أوراقي قبل أن أعود للعمل صحافيا. كما أنني سأقدم على الجنسية المصرة لكي أستعيدها، لأن الطريقة التي تنازلت بها عن الجنسية طريقة غير دستورية وتعتبر تحت الضغط.
> ما علاقتك بكندا؟
ـ أنا هاجرت لكندا سنة 1992 بعد تخرجي في المدرسة الثانوية الأميركية في مصر. درست في الكويت حتى الصف الأول الثانوي ودخل صدام حسين حرب الخليج الأولى. فعدت لمصر. ثم سافرت وأخذت الجنسية الكندية. وبعد كل هذه السنوات من العمل في الإعلام، وصولا إلى القضية التي سيجري الفصل فيها قبل نهاية هذا الشهر، أجد أن مشاعري تغيرت حين جرى سحب الجنسية المصرية مني. نعم.. شعرت بإهانة فظيعة. ورددت على ذلك بأن قمت برفع علم مصر في المحكمة. جدي كان مدير أمن محافظة الجيزة، ثاني أكبر المحافظات المصرية، وجدي الآخر كان مستشارا في وزارة العدل بمصر. وأخوالي ضباط في القوات المسلحة. التنازل عن الجنسية المصرية كان بالنسبة لي شيئا صعبا. أصبت بالاكتئاب. أن تؤخذ جنسيتك مثل أن تؤخذ حياتك.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.