يعيش الفنان العراقي الشاب نصير كامل الخياط، مدير (فرقة أحباب العراق للفنون الشعبية) حالة قلق دائم، وهو يحاول أن يحمي فرقته الصغيرة التي أشرف على تشكيلها من جديد بمشاركة مجموعة من الفتيات والفتيان من خطر الانهيار، نتيجة غياب الدعم الحكومي وإهمال ثقافة مسرح الطفل في العراق، لذلك يحاول دائما أن يزجهم بفعاليات ولوحات مسرحية فنية جديدة، يتولى فيها مهمة التأليف والإخراج والتدريب وحتى خياطة ملابس الفرقة، مستفيدًا من خبرته في الخياطة، حتى تميزت فرقته بأنها الوحيدة اليوم في مجال الفرق المسرحية للصغار في مجال إحياء الفنون الشعبية والفلكلورية.
ويشهد واقع مسرح الطفل في العراق إهمالاً ملحوظًا، تسببت فيه جهات وأسباب عدة، يقف على رأسها التقشف وقلة التخصيصات المالية لوزارة الثقافة المعنية بالأمر على مدى تعاقب الحكومات في العراق وانزواء أغلب المدربين والمختصين في هذا المجال، يقابله حاجة ماسة إلى هذا النوع من الفنون، خاصة وأن إحصاءات رسمية أعلنت عن ارتفاع نسبة الأطفال في تركيبة المجتمع العراقي، إذ تشير آخر إحصائية رسمية لمنظمة «اليونسيف» العالمية إلى أن عدد الأطفال بلغ 16.6 مليون نسمة، بينهم 5.3 مليون من الأطفال المحرومين من الخدمات الأساسية.
يقول نصير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» خلال إشرافه على تدريبات للصغار لإعداد لوحات فنية جديدة استعدادا للمشاركة في مهرجان الطفولة العالمي في تركيا: «كان هناك فرقة لمسرح الطفل أسسها الفنان الكبير الدكتور يحيى الجابري عام 1989، وهي تابعة لاتحاد الشباب باسم (فرقة دار الفنون). كان عمري وقتها 12 عامًا وكنت أعزف على آلة (الزرنة) وتعلمت منه الكثير، وشاركت في عدة أعمال فنية داخل وخارج العراق، بداياتي كانت عندما كنت خياطًا، أخيط بعض ملابس الفرقة، قبل أن يتغير اسمها في زمن النظام السابق ليصبح (فرقة أحباب القائد) وتم تجييرها لأعمال فنية لصالح السلطة الحاكمة، لتنتهي بعدها تماما ويتفرق أعضاؤها، وحاولت في مارس (آذار) من عام 2012 أن أعمل امتدادًا للفرقة، وأعيد أمجادها، مستعينًا بخبرتي في هذا المجال فكنت أخيط ملابس الصغار وأدربهم على الرقصات وأكتب المسرحيات أيضا وأضع لها الألحان، ووضعت اسمًا للفرقة وهو (فرقة أحباب العراق للفنون الشعبية)، مضيفًا لها فن المسرح وهي تُعنى بالفلكلور العراقي في كل أنحاء البلاد من شماله وحتى جنوبه، وعدد أعضائها يتراوح من (10 - 14) عامًا ومقرها اليوم المركز الثقافي للطفل في دار ثقافة الأطفال»، مضيفًا: «أحاول تدريب الصغار لأجل المشاركة في الفعاليات والمهرجانات الخارجية، وتجري الاستعدادات اليوم لتقديم لوحة (الجوبي) تتكون من ثمان أولاد وسبع أولاد، بملابسهم الفلكلورية المعروفة».
وكيف تقيم مكانة الفرق المسرحية المخصصة للطفل اليوم، وما مشكلاتها؟ قال: «مع الأسف لقد اندثرت معظمها، والجابري كان الوحيد الذي يهتم بمثل هذه الفنون، واليوم نعاني من غياب الدعم المادي والمعنوي. ولعل أهم مشكلة أواجهها وأنا أحاول التواصل مع فرقتي هو استمرار الطفل فيها، لذا أحاول أن أكسبهم معي في أجواء عائلية وتربوية، وأحاول المطالبة بحقوقهم مثل توفير سيارات نقل خاصة وبعض الوجبات البسيطة والمستلزمات المهمة في العمل مثل الملابس والإكسسوارات وغيرها».
وعما قدمته الفرقة، قال: «قدمنا في رمضان لوحة اسمها لعب وحكاية من رمضان (ماجينا ياما جينا) تحمل معاني تربوية وفنية في آن واحد، ونالت رضا الجمهور وقدم فيها أعضاء الفرقة من الصغار عرضًا رائعًا. كتبت لها السيناريو وأشرفت على التدريبات وخياطة الملابس، وأعمل في الفرقة بسبع صنايع». وأسأله: أين البدلاء؟ فيجيب: «مع الأسف دار ثقافة الأطفال المؤسسة الوحيدة في هذا المجال فيها نحو (650) موظفًا معظمهم إداريون وليس فنيين، والفنانون مغيبون ولذلك تأخرنا في مجال الفنون المسرحية والفلكلورية للطفل بعد أن كنا متصدرين المشهد».
وعن المواهب التي يكتشفها ضمن الفرقة، أين يكون مصيرها؟ قال: «لدي طاقات ومواهب، فعلا وأعمل لأجل تواصلهم في فرق الكبار، مثل الصبي محمد، عمره الآن 17 سنة، لكن مع الأسف ليس هناك من جهة تدعمهم، وأفتخر عندما أسمع أن أحد أعضاء الفرقة تواصل في الفن وشق طريقه، وهناك بعض الأسماء التي أعتز بها مثل الفنانون رزاق أحمد وعلي فرحان والفنانان الشهيران مهند محسن وهيثم يوسف، إذ كانوا من أعضاء الفرقة في ثمانينات القرن المنصرم.
وعن طموحاته، يقول: «أسعى لأن تستمر الفرقة، وأن أضم بين أعضائها عددًا من الأطفال الموهوبين من دور الأيتام لأجل احتضان مواهبهم وضمان استمراريتهم معي أيضًا، وكذلك ضمان مشاركاتهم خارج العراق عربيا ودوليًا لنقل صورة الفنون العراقية، وهناك مهرجان دولي للأطفال يقام كل عام في تركيا بمشاركة 130 دولة، أسعى للمشاركة به هذا العام لأن أغلب المشاركات الخارجية تهمل بسبب عدم وجود الفرق المناسبة. وكل ما أحتاجه هو مكان ملائم للتدريب خلال العطلة الصيفية يومي الخميس والجمعة وتوفير مستلزمات الفرقة من ملابس وغيرها، وحاليا أقوم بتوفير ذلك من جيبي الخاص، وراتبي فقط 260 ألف دينار، نحو (200) دولار، ولأجل ذلك بعت يوما سيارتي الخاصة»، واستدرك ليقول: «العمل في فرق مسرح الطفل سبب إفلاس الفنان».
يذكر أن الفنان نصير مواليد 1977 يحمل شهادة دبلوم موسيقي من معهد الفنون الجميلة ببغداد، ويعزف على آلات موسيقية عدة من بينها الناي والعود والزرنة والمطبك والرق والطبلة والقربة والبلبان والنقارة وغيرها، بداياته كان خياطًا عندما دخل دار الفنون، أسهم بأكثر من 17 مهرجانًا فنيًا للطفولة، آخرها مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013، إذ قدم لوحة فنية فلكلورية تعبر عن كل المكونات العراقية، شاركت بها أزياء عدد كبير من المحافظات، وكانت ردًا على الطائفية التي استشرت في البلاد.
الخياط: مسرح الطفل في العراق يموت بسبب غياب الدعم الحكومي
يعمل في «دار ثقافة الأطفال» 650 موظفًا معظمهم إداريون
الخياط: مسرح الطفل في العراق يموت بسبب غياب الدعم الحكومي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة