أعدم تنظيم داعش واحدا من أهم الباحثين المختصين بعلم الآثار في سوريا بطريقة وحشية، وذلك بعد فترة وجيزة من قيام طائرات النظام باستهداف منزله في مدينة تدمر (وسط البادية السورية) الواقعة تحت سيطر تنظيم داعش، وتحويله إلى كوم من الركام.
وفجع السوريون والمهتمون بالآثار في العالم، يوم أمس، بصور جثمان الباحث خالد الأسعد المعلق على عمود وسط مدينة تدمر قريبا من المركز الثقافي وقد قطع رأسه ووضع عند قدميه، مع لافتة مكتوبة بخط اليد تتضمن لائحة الاتهامات الموجهة إليه، ومن بينها «تمثيل بلاده في مؤتمرات الكفر وإدارة أصنام تدمر وزيارته إلى طهران وتواصله مع شقيقه المسؤول في فرع فلسطين ومع شخص آخر يعمل في القصر الجمهوري». وقال ناشطون إن تنظيم داعش أعدم الباحث خالد الأسعد (85 عاما) «بطريقة وحشية بقطع رأسه عصر يوم الثلاثاء 18 أغسطس (آب) 2015، وتم تنفيذ الإعدام في ساحة المتحف، ومن ثم تم نقل الجثمان وعلق على الأعمدة الأثرية التي أشرف بنفسه على ترميمها وسط مدينة تدمر». وهو شقيق رئيس فرع فلسطين التابع لمخابرات النظام. وأشاروا إلى أن طيران النظام كان قد استهدف منزله في تدمر ودمره بشكل كامل، قبيل قيام تنظيم داعش بإعدامه، مرجحين امتلاك الأسعد لمعلومات كثيرة وسرية تتعلق بآثار مدينة تدمر التي يجري نهبها.
ورثا مدير عام الآثار السورية الدكتور مأمون عبد الكريم خالد الأسعد، واصفا إياه بالشخصية التاريخية الفذّة والمعتدلة بأفكارها الدينية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «كان رافضا لفكر التطرّف والإرهاب، ورفض البيعة لـ(داعش) بإصرار، وتم التحقيق معه لأكثر من شهر، وحاولوا استتابته وضمه إلى طريقتهم فرفض ذلك. وفتحوا تحقيقا معه حول (إخفاء كنوز تدمرية مفترضة)، وقد أوضّح هو وابنه المهندس وليد المدير الحالي لآثار تدمر أنّ هذا غير صحيح وغير موجود إلاّ بالخيال، لكنهم للأسف قاموا بفعلتهم الهمجية».
وأضاف: «لقد طلبت من الراحل أن يغادر المدينة عند سقوطها بيد (داعش) لكنه رفض. كان من أهم القارئين للغة التدمرية، وبعد تقاعده كنّا إذا احتجنا لمعاينة القطعة الأثرية التدمرية نطلب خبرة الراحل الأسعد». وتابع عبد الكريم بقوله: «نحن نعتقد أنّ ما جرى نذير شؤم للأيام والأشهر المقبلة، إن بقي هؤلاء موجودين في هذه المدينة سنسمع فظائع أخرى بحق الآثار وبحق الأثريين. إن حياة ابنه (وليد) المدير الحالي للآثار في تدمر مهددة، وهو رجل شبه مقعد حيث أصيب منذ عام بمرض في ظهره، ونشعر بالخوف على حياته، وهو أيضًا رفض مغادرة مدينته تدمر عند دخول الدواعش إليها».
يشار إلى أن خالد الأسعد، الذي ترك نحو ثمانين كتابا ألفها وشارك في تأليفها، ينحدر من أسرة معروفة في تدمر، ودرس التاريخ في جامعة دمشق وحصل على دبلوم تربية سنة 1961. وفي عام 1962 عين رئيسا للدراسات والتنقيب في المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق، قبل أن ينقل نهاية عام 1963 إلى تدمر. ثم عُين مديرا لآثار ومتحف تدمر بداية عام 1964، وخلال عمله شارك في بعثات التنقيب والترميم العاملة بتدمر منذ 1963 إلى عام 2003، ومن أهمها المشروع الإنمائي التدمري خلال الفترة 1962 - 1966، وتم فيه اكتشاف الجزء الواسع من الشارع الطويل، وساحة المصلبة (التترابيل)، وبعض المدافن المغائر، والمقبرة البيزنطية في حديقة متحف تدمر، واكتشاف مدفن بريكي بن أمريشا (عضو مجلس الشيوخ التدمري)، وفيه عثر على المنحوتة الرائعة والشهيرة المسماة (حسناء تدمر) عام 1988، وكذلك مدفن أسرة بولحا بن نبوشوري، ومدفن أسرة زبدعته، ومدفن بورفا وبولحا ومدفن طيبول، وكذلك بعض المدافن الواقعة على مسار السور الدفاعي الشمالي، والعمل الدائم على تنظيم وتطوير متحف تدمر وعرض المقتنيات واللقى المهمة في أروقته وخزائنه، وتطوير مستودعاته وحديقته ومعروضاتها، وإعادة ترميم بيت الضيافة عام 1991.
كما أسهم خالد الأسعد من خلال رئاسته للبعثة الوطنية الدائمة للتنقيب والترميم في تدمر ومنطقتها في إعادة بناء أكثر من 400 عمود كامل من أروقة الشارع الطويل وأعمدة منصة المسرح وكذلك الأعمدة التذكارية الخمسة المعروفة بتدمر، إضافة إلى إعادة بناء بعض الأقواس المؤدية إلى الساحات والشوارع المتفرعة عن الشارع الطويل، وكذلك ترميم وتدعيم وإعادة بناء العديد من المدافن الأرضية والبرجية والمنزلية وبعض البيوت السكنية، وإعادة بناء المصلبة والأعمدة الغرانيتية لمدخل حمامات زنوبيا ومحراب معبد بعلشمين، والمدفن 36، وهيكل الموتى، وأقسام واسعة تقدر مساحتها بكيلومترين مربعين، وبارتفاع وسطي 4 أمتار من جدران واجهات وأبراج السور الشمالي للمدينة مع التنقيب والدراسة وإعادة البناء، وكذلك إعادة بناء المسرح الذي كان أطلالا تحت الأرض، وكذلك أجزاء كبيرة من أسوار وقاعات وأبراج وأدراج وممرات القلعة العربية وتركيب جسر معدني فوق خندقها، ثم ترميم الأسوار الخارجية والأبراج في قصر الحير الشرقي وبطول يقدر بنحو 3000 متر. وبارتفاع وسطي 3 أمتار، وإعادة بناء 20 عمودا مع تيجانها في الجامع والقصر الصغير، كما شملت الأعمال كذلك ترميم جدران وواجهات وأبراج في كل من مواقع قصر الحلابات والسكري والبخراء جنوب تدمر.
تعلم الأسعد اللغة التدمرية الآرامية بنفسه، وقام منذ 1980 بترجمة جميع النصوص المكتشفة أثناء التنقيب. ومن مؤلفاته الدليل السياحي الأول عن تدمر «مرحبا بكم في تدمر» سنة 1964، بخمس لغات مع عبيد الطه. وكتاب «تدمر أثريا وتاريخيا وسياحيا» سنة 1965 بست لغات مع عدنان البني.
وبحسب أحد معارفه وهو تدمري رفض ذكر اسمه، يعد خالد الأسعد من أعيان مدينة تدمر، وعُرف باعتداله الفكري والديني، وبذل أربعين عاما من عمره في خدمة مدينة تدمر وإحياء تاريخها الموغل في القدم، وأنه بعد بلوغه سن التقاعد واصل بحثه وولعه بالآثار بشكل شخصي واضعا خبرته في خدمة البعثات العاملة في مدينة تدمر.
بعد تحويل طيران النظام بيته إلى ركام «داعش» يقطع رأس أهم خبير في آثار تدمر
مدير عام الآثار السورية: فتحوا تحقيقًا معه حول «إخفاء كنوز تدمرية مفترضة»
بعد تحويل طيران النظام بيته إلى ركام «داعش» يقطع رأس أهم خبير في آثار تدمر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة