هل بدأ تنافس واشنطن وبكين في غرب أفريقيا عبر بوابة الطاقة؟

بعد إطلاق شركة أميركية خطة «محور الغاز الضخم»

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في غانا نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في غانا نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

هل بدأ تنافس واشنطن وبكين في غرب أفريقيا عبر بوابة الطاقة؟

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في غانا نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في غانا نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)

عزَّزت شركات أميركية، تعمل بمجال الطاقة، حضور الولايات المتحدة في منطقة غرب أفريقيا، عبر إطلاق خطة لتطوير محور لإنتاج وتصدير الغاز المسال بدول عدة في المنطقة التي تشهد تنامياً لحِدّة المنافسة مع الصين؛ الشريك الاقتصادي الأول حالياً للقارة الأفريقية.
وكشفت شركة «ماراثون أويل» الأميركية، قبل أيام، خطة لتعزيز إنتاج الغاز في غينيا الاستوائية، ووقّعت الشركة «خطاب نوايا» مع سلطات الطاقة الغينية، وبالتعاون مع إحدى الشركات التابعة لمجموعة «شيفرون (عملاق الطاقة الأميركي)». ويستهدف الاتفاق الاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً لتطوير محور ضخم لإنتاج وتصدير الغاز.
ووفق بيان منشور على الموقع الإلكتروني لشركة «ماراثون أويل»، فإن الخطة تتضمن مراحل عدة؛ من بينها إنشاء خط أنابيب بطول 70 كيلومتراً لربط حقل ألين بمحطة بونتا يوروبا للغاز المُسال، إضافة إلى ربط حقل ألبا البحري، والذي تمتلك الشركة فيه حصة تقدر بنحو 63 في المائة، بمصانع إسالة الغاز الطبيعي.
وتتضمن الخطة - وفق البيان - الاستفادة من الاتفاقية الثنائية بشأن نقل النفط والغاز عبر الحدود، الموقَّعة بين غينيا الاستوائية والكاميرون، وهو ما «يوفر المزيد من الفرص لتوسيع مركز الغاز من خلال تحقيق الدخل السريع لحقول الغاز الرطب العابرة للحدود».
ويمكن لمحطة غينيا الاستوائية للغاز المُسال، إنتاج 3.7 مليون طن سنوياً. ووفقاً لإحصاءات «الاتحاد الدولي للغاز»، فقد أنتجت 2.72 مليون طن سنوياً في عام 2021، ارتفاعاً من 2.61 مليون طن في 2020.
واعتبر إيد ريد، الباحث المتخصص في شؤون الطاقة، الاتفاق الأخير «خطوة نحو مزيد من الاهتمام بقطاع الطاقة في غرب أفريقيا»، مشيراً إلى أن هذا الاهتمام «يتصاعد بصورة لافتة، في ظل ارتفاع الأسعار العالمية، وهو ما يوفر فرصة مشجعة للربح، سواء للشركات أو الدول».
وأضاف ريد، لـ«الشرق الأوسط»، أن غينيا الاستوائية نجحت في تحقيق أعلى نسبة نمو بصادرات الغاز المسال على مستوى العالم، خلال الربع الأخير من العام الماضي، وهو ما يشجع عدداً من الشركات، من جنسيات مختلفة، على منح اهتمام أكبر بتلك المنطقة.
وتوقّع الباحث في شؤون الطاقة أن تزداد حِدة هذا التنافس، خلال الآونة المقبلة، في ظل وجود اهتمام دولي كبير بقطاع الطاقة، في أعقاب الأزمة بأوروبا، ودخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، فضلاً عن إعلان الولايات المتحدة اهتمامها بزيادة الاستثمارات في أفريقيا، وفي مجال الطاقة على وجه التحديد.
كانت واشنطن قد تعهدت، خلال القمة الأميركية - الأفريقية، التي استضافتها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بزيادة استثماراتها في القارة الأفريقية؛ في محاولة للحد من النفوذ الروسي والصيني المتنامي بالقارة.
ووفق إحصاءات، منشورة على موقع وزارة الخارجية الأميركية، فقد أبرمت الشركات الأميركية، منذ 2021، أكثر من 800 صفقة تجارية واستثمارية ثنائية الاتجاه، عبر 47 دولة أفريقية، بقيمة إجمالية تقدر بأكثر من 18 مليار دولار، وعقد القطاع الخاص صفقات استثمارية في أفريقيا بقيمة 8.6 مليار دولار، وبلغ إجمالي التبادل التجاري مع أفريقيا حوالي 83.6 مليار دولار.
وأشارت الإحصاءات إلى أن مبادرة «طاقة أفريقيا»، التي تتبناها الإدارة الأميركية، ساعدت في إطلاق 145 استثماراً لتوليد الطاقة، بقيمة تقدر بأكثر من 24 مليار دولار.
وفي المقابل، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا حالياً. فوفقاً لـ«المكتب الوطني الصيني للإحصاء»، شهدت التجارة بين الصين وأفريقيا زيادة كبيرة، من 12.3 مليار دولار في 2002، إلى 254.2 مليار في 2021. ويُعدّ قطاع الطاقة أحد أبرز مجالات التعاون، إذ يعمل نحو 43 شركة صينية بهذا القطاع.
وأوضحت الدكتورة سالي محمد فريد، أستاذة الاقتصاد ورئيسة قسم السياسة والاقتصاد في كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، أن «الإدارة الأميركية باتت تنظر بقلق بالغ إلى التمدد الصيني في أفريقيا، وخصوصاً مع ظهور دور سياسي وعسكري صيني يعوق أدوار الجيش الأميركي في القارة، بأثرٍ من التمددين الاقتصادي والتجاري الصيني في القارة الأفريقية».
وأضافت، لـ«الشرق الأوسط»، أنه رغم تنامي الدور الصيني في القارة على أكثر من صعيد، ومنها مشاركة الجيش الصيني في عمليات حفظ السلام، وتوافد مليون مواطن صيني إلى أفريقيا، إضافة إلى الأدوار؛ الاستثماري والاقتصادي والتجاري الكبير، خلال العقد الأخير، والذي تفوَّق بفارق كبير على الدور الأميركي، فإنه ينبغي الانتباه إلى أن دور واشنطن «آخذ في الازدياد»، ويمثل تنامي اهتمام الولايات المتحدة بقطاع الطاقة في أفريقيا «باباً جديداً للمنافسة مع الصين؛ الشريك التجاري الأبرز لهذه المنطقة».
وتابعت فريد أن اهتمام الولايات المتحدة بزيادة حجم تجارتها واستثماراتها في القارة الأفريقية؛ أسوة بقوى صناعية أخرى، على رأسها الصين، من شأنه أن «يزيد حِدة التنافس الدولي على القارة، لكنه يمكن أيضاً أن يوفر فرصاً أفضل للدول الأفريقية»، حيث ستجد الشركات الصينية نفسها مضطرة لتقديم أفضل الصفقات للحكومات الأفريقية والشركاء المحليين من القطاع الخاص، فضلاً عن دفع الشركات الصينية إلى القيام بواجب المسؤولية الاجتماعية، وهو ما يولّد منافع أكبر للمجتمعات الأفريقية.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الصومال يحذر من تصاعد صراعات «القرن الأفريقي» بعد انتخابات جوبالاند

مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

الصومال يحذر من تصاعد صراعات «القرن الأفريقي» بعد انتخابات جوبالاند

مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)

حذرت السلطات الصومالية من تزايد «صراعات» القرن الأفريقي، بالتوازي مع طعن قدمته مقديشو على إجراء ولاية جوبالاند (جنوبي) الانتخابات بالطريقة القديمة، بينما صادق البرلمان الفيدرالي، السبت الماضي، على قانون «الانتخاب المباشر».

هذا الموقف، الذي تعزز بمظاهرات في مقديشو للمطالبة بإجراء الاقتراع المباشر، اعتبره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنه يحمل احتمالات زيادة وتيرة الصراع الداخلي مع إقليم جوبالاند، بخلاف أزمة اتفاق إثيوبيا وإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، لافتين إلى أن هذا سيؤثر على منطقة القرن الأفريقي التي «قد تشهد مظاهر انفصال جديدة وتدخلات إثيوبية، مما قد يؤجج حروباً بالوكالة في المنطقة».

* تحذير من تزايد الصراع

في خطاب ألقاه، الثلاثاء، بمؤتمر حول التطورات السياسية احتضنته جيبوتي، أوضح وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، أنه «إذا ما تم تجاهل قوانين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وغيرهما من القوانين والمواثيق الدولية، فسوف تتزايد الصراعات في المنطقة»، مستدركاً: «لكن إذا تم تنفيذها فستتم الاستفادة من الموارد الطبيعية المختلفة، والعيش بسلام»، وفق وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.

وزير الخارجية الصومالي أثناء مشاركته في مؤتمر معهد دراسة التراث والسياسات «هيرتيج» بجيبوتي (وكالة الأنباء الصومالية)

وجاء التحذير الصومالي وسط تمسّك إثيوبيا بالمُضيّ في اتفاق مبدئي في يناير (كانون الثاني) 2024 مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي عن مقديشو، تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري في البحر الأحمر، يتضمّن ميناءً تجارياً، وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» على أنها دولة مستقلة.

وتعتبر مقديشو هذه الخطوة مساساً بسيادتها، علماً بأنها عقدت اتفاقاً دفاعياً في أغسطس (آب) الماضي مع مصر، وتسلمت أكثر من شحنة عسكرية لدعم الجيش الصومالي لمواجهة حركة «الشباب» الإرهابية، تلاها إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية، بسبب «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

ولم يتغير موقف أديس أبابا تجاه التمسك بالوصول للبحر الأحمر، وفي هذا السياق سلط الباحث في معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي، أنتينيه جيتاشو الضوء على «الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية، الاثنين، خلال مقابلة معه، أكد خلالها أن إثيوبيا، باعتبارها دولة غير ساحلية، «يجب عليها تأمين المنافذ البحرية في البحر الأحمر سلمياً، على أساس مبدأ المنفعة المتبادلة وتسريع التكامل الإقليمي»، دون إشارة لأرض الصومال مباشرة.

وينبه حديث وزير الخارجية الصومالي، بحسب الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، إلى خطورة تحركات أديس أبابا، خاصة أن لها علاقة جيدة مع ولاية جوبالاند، التي أقامت انتخابات بالمخالفة لقرار الحكومة الفيدرالية، الاثنين، وحذر من أن منطقة القرن الأفريقي وأهميتها الاستراتيجية لا تزال محط طموح إثيوبي في إيجاد منفذ بحري، وهذا سيزيد حالة عدم الاستقرار بالمنطقة، حسبه.

ويتفق مع هذا الطرح المحلل في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، بقوله إن مقديشو «تدرك إمكانية أن تتدخل إثيوبيا في تعزيز انفصال إقليم أرض الصومال لتحقيق مصالحها، التي تعدها مساساً بسيادتها، وقد تذهب المنطقة إلى حرب بالوكالة، وبالتالي فإن تحذيرات وزير الخارجية الصومالي تحاول أن توصل رسائل دبلوماسية لتفادي أي تصعيد جديد».

وباعتقاد تورشين فإن «إثيوبيا هي أقرب للاستمرار في تدخلاتها بالصومال، ضماناً لمصالحها في وجود منفذ بحري لها، ولا يلوح في الأفق أي تغيير في مواقفها الجديدة، خاصة بعد إجراء انتخابات أرض الصومال، وأخيراً الخلافات التي قد تستغلها بين ولاية جوبالاند المقربة منها ومقديشو، بسبب الاقتراع الأخير».

وقبل أيام، أعلنت المفوضية الانتخابية في أرض الصومال انتخاب المعارض عبد الرحمن محمد عبد الله (عرو)، رئيساً جديداً للإقليم، كما انتخب أعضاء برلمان ولاية جوبالاند، أحمد مدوبي، الاثنين، رئيساً للولاية في فترة رئاسية ثالثة، وذلك بعد يومين من مصادقة نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية المعنيّ بإجراء انتخابات بنظام «الصوت الواحد» في البلاد. وهذا القانون لا يزال محل رفض مدوبي، الذي يعد رئيساً لجوبالاند منذ إنشائها عام 2013، والذي يعد الأطول بقاءً في كرسي الرئاسة بالمقارنة مع نظرائه في الولايات الإقليمية.

* انتخابات «غير شرعية»

واجه الصومال هذا الرفض قبل الانتخابات بتأكيد رئيس الوزراء، حمزة عبدي بري، على أنها «غير شرعية»، وتلاها خلال اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء، الاثنين لبحث تطورات الوضع في ولاية جوبالاند، مؤكداً أن «انتخاب مدوبي زعيماً للولاية يخالف الدستور والقانون».

وانتهى الاجتماع إلى أن «تعيين لجنة الانتخابات، والإجراءات المصاحبة لها في جوبالاند، تمت خارج الأطر القانونية، وأوعز إلى النائب العام للدولة بتحريك دعوى قضائية أمام المحكمة العليا للطعن في الإجراءات، التي اتخذها الرئيس السابق للولاية أحمد مدوبي، بهدف تعزيز سيادة القانون وضمان التزام الإدارات الإقليمية بالدستور والقوانين الوطنية»، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الصومالية.

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)

وأجريت آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، تلاها انقلابات وحروب أهلية، ليبدأ الصومال العمل بنظام الانتخابات غير المباشرة في عام 2000، إذ ينتخب بناء على المحاصصة القبلية في ولاياته الخمس أعضاء المجالس التشريعية المحلية، ومندوبو العشائر نواب البرلمان الفيدرالي، الذين ينتخبون بدورهم رئيس البلاد، إلا أنه في الآونة الأخيرة تزايدت المطالب لإجراء انتخابات مباشرة، وقد اتفق منتدى المجلس التشاوري الوطني في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على اتفاق، يقضي بإجراء انتخابات مباشرة في سبتمبر (أيلول) 2025 بعد وضع القوانين، وسط رفض ولايتي جوبالاند وبونتلاند وسياسيين، قبل أن يصادق البرلمان عليها السبت.

وغداة إعلان النتائج بولاية جوبالاند شهدت مقديشو، الثلاثاء، مظاهرة حاشدة لتأييد مصادقة مجلسي البرلمان الفيدرالي على قانون الانتخابات الوطنية، للمطالبة بالوحدة، والثقة في إجراء انتخابات بنظام الصوت الواحد، والتي تمكن المواطنين من التصويت واختيار من يريدون، وفق وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.

وباعتقاد تورشين، فإن «الطعن الصومالي، وتحريك المظاهرات يعني أننا إزاء معضلة حقيقية ستعيد الأوضاع في الصومال إلى الوراء، في ظل تمسك كل جانب بموقفه، وقد يزيد من خيارات حرب أشبه بحروب الوكالة في الصومال، مع التدخلات لا سيما الإثيوبية»، محذراً من أن «عودة الأوضاع للاقتتال الداخلي الأهلي في الصومال، وعدم حسم الخلافات الكبيرة بالحوار سيزيد من أعمال حركة (الشباب) الإرهابية».

ويرى عبد المنعم أبو إدريس أن «تطورات الأحداث في جوبالاند، وتحرك المظاهرات بمقديشو تشير إلى حالة من التصعيد، وأن الحرب بالوكالة ستكون هي الأداة التي تصفي كل من مقديشو، وأديس أبابا بها حساباتهما، ما لم يحدث اتفاق بينهما عبر وسطاء».