تداول عدد من المواقع الإخبارية الأميركية المهتمة بالشأن الإيراني خبر اختلاف النسخة الإنجليزية عن النسخة الفارسية من اتفاق إيران النووي، وذلك بعد أن وضع البيت الأبيض في موقعه الإلكتروني نسخة من الاتفاق الإيراني الذي يوضح كافة بنود الاتفاقية للجمهور للاطلاع عليها، كما قام عدد من وسائل الإعلام الأميركية بنشرها كاملة بصفحاتها الـ159 في وقت لاحق ومنها جريدة «واشنطن بوسط»، وشملت الاتفاقية المنشورة كافة البنود وبالتفاصيل، ومنها البنود المتعلقة بالتزام إيران بالاتفاقية وما لها وما عليها، كرفع العقوبات، وما سيشملها جراء ذلك، كفرص الاستثمارات والعمل التجاري، كما وضحت الاتفاقية وبالتفاصيل أيضا ما يجب على إيران القيام به تجاه برنامجها النووي والعقوبات المترتبة في حال مخالفتها للاتفاق.
إلا أنه بعد نشر الاتفاقية للعامة، ذكرت جريدة «نيويورك بوست» بعد مقارنة بنودها الإنجليزية بتلك الموجودة في النسخة الفارسية التي تداولتها الصحف الإيرانية، وجود بعض الاختلافات المهمة، وذلك بعد الاستعانة بخبير للغة الفارسية للمقارنة بين النسخة الفارسية ونظيرتها الإنجليزية من الاتفاق. وأوضحت الجريدة أن النص الفارسي يختار الكلمات بعناية متجنبا الكلمات التي قد تعطي الانطباع بأن الجانب الإيراني أو الجمهورية الإسلامية قد قدمت أي تنازلات.
كما وجدت أن تسمية الاتفاقية نفسها وكيفية عرضها من الاختلافات الجوهرية بين النصين؛ وذلك لتغيير تأثيرها على الجمهور المتلقي، ففي حين سماها البيت الأبيض خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في ما يتعلق باتفاقية للبرنامج النووي الإيراني ووضع إيجاز بأهم نقاطها في موقعه الإلكتروني ونسخة للاطلاع عليها تشمل المعالم الرئيسية وتشمل العناصر التي تشكل الأساس الذي تقوم عليه كتابة النص النهائي ويعكس التقدم الكبير الذي أحرز في المناقشات بين «5+1»، والاتحاد الأوروبي، وإيران مع تشديده على أن التفاصيل التنفيذية المهمة ما زالت تخضع للتفاوض، عرض النظير الإيراني في المقابل الاتفاقية على أنها بيان صحافي فقط، دون أي ادعاء بأن النقاط الرئيسية قد تم الاتفاق عليها وما تبقى العمل عليه هو «تفاصيل التنفيذ» كما قام به الجانب الأميركي.
ومن أهم الاختلافات استخدام النص الإيراني صيغة مختلفة من الأفعال عندما وصف الالتزامات الغربية والإيرانية؛ فعلى سبيل المثال في النسخة الإنجليزية حول الالتزامات الإيرانية ذكر النص أنه «يجب تحويل المنشآت النووية في (فوردو) إلى مركز للأبحاث النووية والفيزياء المتقدمة»، وهو مكتوب في صيغة المبني للمجهول دون تحديد أي إطار زمني، ولكن النص الفارسي حول الالتزام الغربي يستخدم أفعالا مضارعة فيها صيغة الأمر بطريقة قد يفهم منها العدائية حول الغرب وفرض أو إجبار الالتزام الغربي تجاه إيران، فعلى سبيل المثال ذكر النص الإيراني أنه «يجب على الأمم المتحدة أن تلغي قراراتها السابقة بينما يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي القيام فورا برفع كل العقوبات على المالية والمصرفية والتأمين والاستثمار وجميع الخدمات المتعلقة بالنفط والغاز والبتروكيماويات وصناعة السيارات».
كما وجد أيضا اختلاف في طريقة الترويج للاتفاق بين الصحف الأميركية والفارسية، ففي حين ادعت أغلب الصحف الأميركية اليسارية ذات التيار الديمقراطي والموالية لأوباما وجود اتفاق كامل شامل بين إيران وأميركا، لم تتطرق لذلك أي من الصحف الإيرانية.
وأضافت مواقع إخبارية أخرى وجود تعارض بين نص الاتفاقية الإنجليزية والإيرانية في بعض البنود، ففي حين يذكر النص الأميركي أن «إيران وافقت على عدم استخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وكل واحدة من الأجهزة يمكن أن تقوم بعمل الـ10 الموجودة القديمة»، فإن النص الإيراني يختلف عن ذلك المعنى تماما حيث ذكر التالي: «بناء على الحلول التي وجدت، سيستمر العمل على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة على أساس خطة مدتها 10 سنوات».
وفي سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن أسباب هذا الاختلاف بين النسختين، نفت وزارة الخارجية الأميركية هذا الاختلاف وعلقت مسؤولة في الوزارة بأن الاتفاقية الرسمية المعتمدة هي باللغة الإنجليزية فقط ولا توجد أي اتفاقية رسمية معتمدة بأي لغة أخرى سواء فارسية أو غيرها، وأضافت أن الاتفاقية الوحيدة المعتمدة هي تلك الموجودة في موقع الاتحاد الأوروبي، أما أي موجز لهذه الاتفاقية أو ترجمة لها فهي غير رسمية ولا يعتمد عليها كنص أصلي، وشددت على عدم وجود أي اختلاف بين النسخة الإنجليزية والفارسية للاتفاق الإيراني، لكون الاتفاقية هي باللغة الإنجليزية فقط.
وحول ذلك ذكر السفير الأميركي السابق لدى عمان ريشارد شميرير وعضو مجلس سياسة الشرق الأوسط في واشنطن، لـ«الشرق الأوسط» أنه ليس على دراية بوجود أي اختلاف بين النصين، ولكنه شدد على أن أي شيء يظهره النص الإنجليزي فهو «رسمي» ويجب أن ينظر إليه على أنه يمثل ما تم الاتفاق عليه، وبالتالي ما يجب على الجانب الإيراني الالتزام به، إلا أنه أبدى استغرابه من عدم وجود جملة توضح أن «النص الإنجليزي قد يختلف عن النص الفارسي عند ترجمته أو ما يشابه ذلك» كما هو معمول في عدد من العقود الرسمية على كافة المستويات.
ولكونه أحد الأعضاء الموجودين مع الجانب الأميركي خلال المفاوضات الأولية مع الإيرانيين وبوجود وسطاء عمانيين - بين أن الجانب الإيراني أظهر الكثير من الحذر خلال المفاوضات والخوف أيضا من أن يكون في الاتفاق أي شيء فيه ضرر لهم، لذا وضح أنه في حال «افتراض» وجود خلاف في النص الفارسي المترجم عن الإنجليزي فإن ذلك يرجع لعدد من الأسباب منها أن «إيران ما زالت في صراع مع الداخل لإقناعهم بأهمية الاتفاق الإيراني أو بالموافقة عليه، خصوصا أن عددا من المسؤولين الإيرانيين ما زالوا يشككون من النيات الأميركية، بالإضافة لذلك فلا يزال عدد من المتشددين الإيرانيين يرفضون الاتفاق بأكمله، وكذلك الكثير من الأفراد والمؤسسات الدينية خاصة تعارض الاتفاق، لذا يكون النص الفارسي فيه ما يطمئنهم ويزيل تحفظاتهم، «إلا أن هذه هي مجرد توقعات فقط».
واتفق معه في ذلك نبيل خوري الباحث في مجلس أتلانتك ومركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط والرئيس السابق لمكتب الشرق الأوسط وجنوب آسيا في وزارة الخارجية الأميركية الذي أوضح أنه عادة ما يكون هناك جملة في وثائق الأمم المتحدة تقول إنه «إذا كان هناك أي اختلافات في الإصدار، فسينظر للنسخة الإنجليزية كنص رسمي». وأضاف: «نحن نعرف أن هناك تفسيرات مختلفة حول توقيت رفع العقوبات، وعلى وصول مفتشي الوكالة إلى أي مكان مثير الشكوك». وأوضح أنه «من المهم أيضا أن نعرف كيف سيتم تفسير ذلك، فهناك مساحة كبيرة للاختلاف، وهذه (الاتفاقية) لن تنفذ على أكمل وجه إلا إذا كان هناك حسن نية لتنفيذها بإخلاص، وكذلك إذا كان هناك متابعة على التعاون على حل المشكلات في المنطقة بالطرق السلمية».
ووجد عدد من المواقع الإخبارية في ذلك الاختلاف فرصة لانتقاد سياسات أوباما وإبداء المعارضة تجاه الاتفاق الإيراني، حيث أشار موقع «بريت بارت» الأميركي الإخباري Breitbart إلى كذب الرئيس الأميركي على الشعب بخصوص الاتفاقية خلال خطابه المتلفز حول إعلان إتمام الاتفاق الإيراني، إذ ذكر من ضمن خطابه وجود «فتوى صادرة عن المرشد الأعلى آية الله سيد علي خامنئي تقول بأن البرنامج النووي الإيراني سلمي تماما، وتحظر الفتوى الأسلحة النووية سواء عبر إنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة النووية في ظل الإسلام، كما تذكر أنه لا يتعين على جمهورية إيران الإسلامية الحصول على هذه الأسلحة أبدا». ولكن الحقيقة، وحسب الموقع الإخباري، هي عدم وجود هذه الفتوى على الإطلاق ولم يسمع بها أحد من الجانب الإيراني، وهو ما أكده عدد من الكتاب الإيرانيين والعرب الذين بحثوا هذه الفتوى، وتساءل الموقع عن سبب استشهاد الرئيس أوباما بالفتوى ولجوئه للكذب، واستنتج أن الرئيس على استعداد ليقول ويفعل أي شيء للحصول على الموافقة الكاملة على الاتفاق النهائي مع إيران وتأييد الجميع له.
وقالت مواقع إخبارية خاصة يمينية كـ«Redstate» و«فوكس نيوز» بأنه بعد متابعة التقارير الواردة من وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية، ورد أن كبار المسؤولين الإيرانيين يتهمون إدارة أوباما بالكذب بشأن تفاصيل الاتفاق النووي الأخير من أجل تهدئة مخاوف المشرعين الأميركيين والأميركيين حول الآثار المترتبة على الاتفاق الذي سيفرج عن مليارات الدولارات للجمهورية الإسلامية في حين تجمد مؤقتا برنامجها النووي. واستنتج أن معظم ما يتحدث به أوباما عن الصفقة هو من الكذب «التسويقي» و«اللعب بالكلمات» حسب ما وصفه الصحافي اليميني المتشدد رش ليمبي. واتهم حاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي الرئيس باراك أوباما بالكذب على الأميركيين، وذلك من أجل تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران في مقابل الاستفادة من مواد الدولة الخام لصنع الأسلحة النووية.
الجدير بالذكر أن هذه لا تعد المرة الأولى لحدوث مثل هذه الاختلافات المثيرة للجدل، وعدم التزام الدقة بين النص الإنجليزي والفارسي، ففي عام 2013 وجدت بعض الاختلافات في الترجمة النصية بين اتفاق النووي المؤقت الذي وقعته إيران مع الغرب، وفي ذلك الوقت ذكر وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنه بموجب الاتفاق لا تملك إيران الحق في تخصيب اليورانيوم، إلا أن ذلك جاء معارضا تماما لما ذكره وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي قال بأن إيران قد حفظت حقها في تخصيب اليورانيوم.
اختلاف النسخة الفارسية عن الإنجليزية يثير مخاوف من ثغرات في الاتفاق النووي
خبراء في أميركا يؤكدون أن النسخة الإنجليزية هي التي ستعتمد رسميًا
اختلاف النسخة الفارسية عن الإنجليزية يثير مخاوف من ثغرات في الاتفاق النووي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة