سياسة التجويع والحصار تفرض مصالحات بين النظام والمعارضة في مناطق بريف دمشق

الطرفان يعدانها «انتصارا».. وغضب شعبي متبادل من نشر صورهما معا

سياسة التجويع والحصار تفرض مصالحات بين النظام والمعارضة في مناطق بريف دمشق
TT

سياسة التجويع والحصار تفرض مصالحات بين النظام والمعارضة في مناطق بريف دمشق

سياسة التجويع والحصار تفرض مصالحات بين النظام والمعارضة في مناطق بريف دمشق

يسعى النظام السوري إلى عقد سلسلة من المصالحات مع مقاتلي المعارضة في عدد من المناطق السورية لا سيما بريف دمشق، محاولا إظهار خصومه كمهزومين، بعد قبولهم رفع العلم السوري مقابل بعض المساعدات الغذائية. لكن المعارضة، في المقابل، تعد هذه المصالحات انتصارا لها ودليلا على ضعف النظام الذي فشل في اقتحام هذه المناطق وأجبر على عقد مصالحات مع المقاتلين المتواجدين فيها، برغم أن سكان المناطق المحاصرة يتجهون لقبول أي اتفاق يضمن لهم فك الحصار النظامي ودخول المواد الإغاثية.
وتوزعت المصالحات التي عقدت أخيرا بين القوات النظامية وكتائب المعارضة على مناطق بريف دمشق، سبق لها أن شهدت حصارا نظاميا خانقا تسبب بأزمات إنسانية وموت عدد كبير من الأشخاص. وتركزت المصالحات في قدسيا والمعضمية وبرزة وبيت سحم ويلدا ومخيم اليرموك لتصل قبل 3 أيام إلى منطقة ببيلا الواقعة على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب العاصمة.
وتنص المصالحات على وقف إطلاق النار وتسليم مقاتلي المعارضة أسلحتهم الثقيلة ورفع الحصار الخانق الذي تفرضه القوات النظامية على المناطق التي يسيطر هؤلاء المقاتلون عليها والسماح بدخول المواد الغذائية إليها، ووضع حاجز مشترك عند مدخل البلدة، ورفع العلم الرسمي للنظام على مؤسسات الدولة في هذه المناطق. كما تسمح معظم الاتفاقات لمقاتلي المعارضة بالاستمرار في السيطرة على مناطقهم من الداخل.
وبرغم أن «المصالحة الوطنية»، هي البند الرابع من البنود التي طرحت في مفاوضات «جنيف2» لحل النزاع في سوريا، فإن ناشطين معارضين يرفضون اعتبار المصالحات التي تحصل حاليا تطبيقا لبنود «جنيف2»، إذ أن القوات النظامية حاصرت بلدة ببيلا عشرة أشهر، وقصفتها بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ والطيران الحربي. كما قطعت عنها الموارد الغذائية والطبية والخدمية من ماء وكهرباء، مما يعني أن المصالحة مع المقاتلين الموجودين في البلدة جاءت بعد استخدام جميع وسائل الضغط العسكرية والإنسانية.
في هذا السياق، يؤكد مدير «مركز الشرق للدراسات والأبحاث الاستراتيجية» المحلل السياسي سمير التقي لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه المصالحات دليل ضعف لدى النظام السوري فهو غير قادر على السيطرة على هذه المناطق فيلجأ إلى عقد مصالحة مع المقاتلين فيها»، موضحا أن «دخول الجيش النظامي إلى بعض المناطق لا يعني هيمنته السياسية عليها على العكس السكان والأهالي لا يزالون ضد النظام ولكن هناك تبادل مصلحة للحصول على منافع مادية وإغاثية».
ويجزم التقي أن «هذه المصالحات لن تغير شيئا من موازين القوى العسكرية بل ستكرسها عبر اعتراف النظام بسيطرة الجيش الحر داخل المناطق التي حصلت فيها مصالحات»، لافتا إلى أن «إخراج كتل سكانية من دائرة الصراع العسكري أمر إيجابي ويجب البناء عليه طالما أنه لا يؤثر على طبيعة الصراع بين الثورة والنظام».
ويحاول النظام السوري ووسائل الإعلام الموالية له إظهار المصالحات على أنها انتصار على المعارضة، عبر بث تقارير على التلفزيون الرسمي تظهر العلم السوري وهو مرفوع في مناطق المعارضة. كما نشرت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) صورا تظهر أعدادا من المدنيين، وهم يحتفلون بعودتهم إلى منازلهم في البلدات التي شملتها «المصالحة».
ونشر ناشطون إعلاميون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا تظهر عناصر من قوات المعارضة وهم يتصافحون ويتبادلون الأحاديث مع عسكريين وإعلاميين تابعين للنظام السوري، مما أثار حفيظة الموالين للنظام، لا سيما صورة امرأة من قوات «الدفاع الوطني» التابعة للنظام وهي تبتسم خلال حديثها مع أحد مقاتلي المعارضة في ببيلا. وكتب أحدهم على صفحته في موقع «فيس بوك» تعليقا على الصورة، جاء فيه: «ما الذي يحدث في هذا البلد؟ جندي يقبل إرهابية وفتيات من قوات الدفاع الشعبي يشاغلن إرهابيين بعيونهن. الدنيا انقلبت رأسا على عقب وطوى النسيان دماء إخوتنا وأبنائنا وشرف نسائنا».
ويطلق الإعلام السوري الرسمي على مقاتلي المعارضة صفة «إرهابيين»، الأمر الذي زاد من غضب الموالين للنظام لدى مشاهدتهم صور المقاتلين بقرب جنود الجيش النظامي، جنبا إلى جنب.
وتختلف المصالحات التي عقدت في ريف دمشق عن تلك التي حصلت في محافظة حمص وسط البلاد، إذ توصل طرفا المعارضة والنظام بإشراف الأمم المتحدة إلى اتفاق تم تنفيذ جزء كبير منه، وهو إخراج النساء والأطفال والعجزة وإدخال المساعدات. لكن ناشطين أكدوا أن «النظام اعتقل أكثر من 200 مدني من أهالي حمص الذين خرجوا من الحصار، داخل مدارس في الأحياء الموالية»، انطلاقا من اعتباره أنهم في سن القتال (15 - 55 سنة).
عدم التزام النظام بوعوده لا يبدو السبب الوحيد الذي يدفع مناصري المعارضة لرفض «المصالحات» واعتبارها «إعلان هزيمة» بعد أشهر على الحصار وتطبيق سياسة التجويع. فقد خرجت مظاهرة من أحياء حمص المحاصرة ردا على ما حدث في ببيلا والمعضمية والمناطق الدمشقية الأخرى، ورفضا للتسوية مع النظام. وردد المتظاهرون شعار «الموت ولا المذلة»، لكن وكالة «رويترز» نقلت عن أحد الناشطين قوله إن «الناس تعبوا من الجوع. ومن الطبيعي أن تقبل بعض المناطق بالمصالحات. لكن وسيلتهم لتحقيق هذه الاتفاقات كانت التجويع. هذا ليس فعليا نموذجا للمصالحة أيا كان ما تظهره الصور».
كما نقلت «رويترز» عن متحدث محلي باسم مقاتلي المعارضة يدعى بارع عبد الرحمن من ضاحية دوما بريف دمشق التي تسيطر عليها المعارضة قوله قبل يومين إن النظام شكل «لجان مصالحة»، مستعينا بوجهاء محليين من ضواحي دمشق لعرض وقف إطلاق النار. ويضيف: «الناس هنا أنهكوا وجاعوا ومن ثم بدأوا يضغطون على المقاتلين ويسألونهم ولم لا؟ هذه اللجان تؤلب الناس علينا».
وتشير تصريحات هذا القيادي المعارض إلى أن مقاتلي المعارضة السورية يواجهون ضغوطا من قبل سكان المناطق التي يسيطرون عليها للقبول بأي اتفاق يضمن إدخال المواد الغذائية وفك الحصار، وفي الوقت ذاته لا يريد هؤلاء المقاتلون منح النظام أي فرصة لتسجيل انتصار عليهم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».