غوتيريش يدعو حكومتي أربيل وبغداد إلى «اتفاقات ملموسة بشأن القضايا الملحة»

تفقد النازحين في نينوى... وأجرى محادثات في كردستان العراق

غوتيريش وبلاسخارت والوفد المرافق لحظة وصولهم إلى نينوى (واع)
غوتيريش وبلاسخارت والوفد المرافق لحظة وصولهم إلى نينوى (واع)
TT

غوتيريش يدعو حكومتي أربيل وبغداد إلى «اتفاقات ملموسة بشأن القضايا الملحة»

غوتيريش وبلاسخارت والوفد المرافق لحظة وصولهم إلى نينوى (واع)
غوتيريش وبلاسخارت والوفد المرافق لحظة وصولهم إلى نينوى (واع)

أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الخميس، دعم الأمم المتحدة جهود العراق في إعادة النازحين.
وأفاد المكتب الإعلامي لمستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، في بيان، بأنه (الأعرجي) رافق في زيارة إلى محافظة نينوى، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والممثلة الأممية في العراق جينين بلاسخارت، ووفداً حكومياً رفيعاً، ضم وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو، ورئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري، ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن قيس المحمداوي، وممثل رئيس مجلس الوزراء زيدان خلف. وكان في استقبال الوفد محافظ نينوى نجم الجبوري، وقائد عمليات نينوى الفريق الركن محمود الفلاحي.
وأضاف المكتب في بيان، نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن «الأعرجي أجرى برفقة الوفد، زيارة إلى مركز الجدعة للتأهيل المجتمعي؛ للاطلاع على أوضاع النازحين ومستوى التأهيل النفسي الذي تقدمه الحكومة العراقية، بالتعاون مع المنظمات الدولية».
وتابع أن «الأمين العام للأمم المتحدة وأفراد الوفد المرافق له عقدوا اجتماعاً مع الوفد الحكومي وممثلي المنظمات الدولية العاملة في مركز الجدعة للتأهيل المجتمعي».
وأكد الأعرجي أن «زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى مركز الجدعة جاءت للاطلاع عن قرب على أوضاع النازحين»، مشيراً إلى أن «الأمين العام استمع إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة العراقية، لإعادة العوائل التي كانت في ظروف صعبة ودمجها بالمجتمع».
وأكد أن «العراق يسعى جاهداً لاحتضان أبنائه جميعاً، وأن الأمم المتحدة تقف وبقوة لمساعدة العراق في هذا الجانب الإنساني، وهو واجب المجتمع الدولي تجاه العراق، بعد أن قدم العراقيون خيرة أبنائهم؛ دفاعاً عن الوطن والمقدسات؛ استجابة لفتوى المرجعية الرشيدة».
وأوضح أن «عملية الإعمار وإعادة النازحين وتأهيلهم تحتاج إلى موقف دولي، ومساعدة المنظمات الدولية؛ لإنهاء هذه المهمة الإنسانية»، مبيناً أن «تحقيق الأمن والاستقرار لا يعود بالنفع على العراق فحسب، وإنما على العالم أجمع».
بدوره أشار غوتيريش، بحسب البيان، إلى أن «زيارته إلى محافظة نينوى وبالتحديد مركز الجدعة للتأهيل المجتمعي، تمثل أهمية كبيرة، للاطلاع على أوضاع النازحين»، مشيراً إلى أن «أغلب هؤلاء النازحين من النساء والأطفال».
وعبّر الأمين العام للأمم المتحدة عن دعمه الكامل جهود العراق في إعادة النازحين، داعياً بقية الدول إلى أخذ دورها وإعادة رعاياها من مخيم الهول السوري، مثلما فعل العراق، مثمناً ما تبذله الحكومة العراقية من جهد مميز، رغم الصعوبات والتحديات التي تواجهها في هذا الملف الإنساني.
ثم انتقل غوتيريش إلى أربيل، حيث كان في استقباله رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، ثم عقدا جلسة محادثات تركزت على تطورات الأوضاع السياسية في العراق والمنطقة.
وكذلك التقى غوتيريش رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، وناقشا مسار المباحثات بين أربيل وبغداد، وملفات أخرى تهدد الأمن والسلم العالميين، في مقدمتها التغيرات المناخية والإرهاب، بحسب شبكة «روداو». وكذلك التقى غوتيريش رئيس «حزب الاتحاد الوطني الكردستاني» بافل طالباني، ورئيسة برلمان إقليم كردستان ريواز فائق. وكان غوتيريش دعا حكومة إقليم كردستان العراق لإجراء حوار مع الحكومة الاتحادية بخصوص الموازنة العامة، بحسب «رويترز».
وقال غوتيريش، في مؤتمر صحافي في بغداد، (الأربعاء): «سأزور أربيل، وأتطلع إلى لقاء سلطات إقليم كردستان. أشجع الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان (العراق) على مواصلة التحرك نحو حوار منظم ومؤسسي واتفاقات ملموسة، لا سيما بشأن القضية الملحة، وهي الميزانية الاتحادية لعام 2023، وكذلك بشأن قانون النفط والغاز».
أضاف: «إن الانتقال من الإدارة المستمرة للأزمات إلى ترتيب أكثر قوة واستدامة، هو أكثر طريق مضمون للسلام والازدهار للعراقيين جميعاً. وأكرر نداءات (ممثلي الخاص) بشأن التنفيذ السريع والكامل لاتفاق سنجار. ومن الضروري وجود هياكل أمنية مستقرة وإدارة موحدة». وفيما يتعلق بالوضع الأمني، قال الأمين العام للأمم المتحدة «إن مكافحة الإرهاب في العراق تعد من الأولويات».
كما دعا غوتيريش الدول التي لها مواطنون في مخيم الهول بشمال شرقي سوريا إلى إعادة هؤلاء المواطنين إليها. وقال: «أثني على حكومة العراق لجهودها من أجل إعادة مواطنيها من شمال شرقي سوريا، لا سيما من مخيم الهول، حيث لا يزال كثير من العراقيين والسوريين ومواطني دول أخرى عالقين في ظروف صعبة».
وأضاف: «لا يزال من الضروري مواصلة المشاركة في إعادة المواطنين العراقيين من مخيم الهول إلى وطنهم، وإعادة إدماجهم بصورة مستدامة. ومن هنا، من العراق، أود أن أبعث برسالة إلى الدول الأعضاء الأخرى جميعاً، التي لديها مواطنون في تلك المخيمات. لقد حان الوقت لكي تكثف جهودها بشكل كبير لتسهيل العودة الآمنة والكريمة لمواطنيها».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

37 سنة على تأسيسها... ماذا بقي لـ«حماس» بعد «الطوفان»؟

يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)
يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)
TT

37 سنة على تأسيسها... ماذا بقي لـ«حماس» بعد «الطوفان»؟

يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)
يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)

من غير المعروف كيف ستحيي حركة «حماس» الذكرى السابعة والثلاثين لتأسيسها، التي تصادف يوم السبت 15 ديسمبر (كانون الأول). لكن المؤكد هو أن إسرائيل تتوقف طويلاً عند هذا التاريخ. والجيش الإسرائيلي -ومعه كل أجهزة الأمن والمخابرات- يُجري أبحاثاً ومداولات حول هذه المناسبة، تتضمّن جرد حساب وإعادة تقييم، وكبار الجنرالات القدامى فيها ينظرون إلى الوضع في سوريا ويصيحون محذرين: لا تقعوا في مسلسل الخطأ الذي وقعنا فيه، ولا تسمحوا بتكرار تجربتنا مع «حماس» في تعاملكم مع القيادات السورية الجديدة. فهي من الطينة والجينات نفسها.

كما هو معروف، «حماس» (حركة المقاومة الإسلامية)، تأسّست بوصفها حركة سياسية في مثل هذا اليوم من سنة 1987، بعد انفجار الانتفاضة الفلسطينية الأولى. ففي حينه، كانت الحركة الخصم (فتح) معاً وبقية الفصائل في منظمة التحرير، تقود النضال الفلسطيني متعدد الجوانب والمجالات (سياسية وعسكرية) لسنوات طويلة جداً. ونجحت في اجتراح تأييد الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني. وحقّقت إنجازات سياسية على الساحة الدولية وحتى على الساحة الإسرائيلية، حيث ارتفعت أصوات كثيرة تطالب بالحقوق المشروعة وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. وإسرائيل التي كانت تخلّد الاحتلال الفلسطيني وجدت في «فتح» العدو الأول والأساس، ورأت في كل إنجاز لها ضربة لمشروعاتها. وكانت تفتش بسراج وفتيل عن منافس لها وفشلت. حاولت ذلك مع المخاتير ثم مع روابط القرى ثم مع رؤساء البلديات ثم مع الحل الأردني.

فلسطينية تنتظر الحصول على مساعدة غذائية في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

لكن الجذور الأصلية لـ«حماس» كانت قد نبتت في مطلع السبعينات. ففي سنة 1973 تقدّمت جماعة «الإخوان المسلمين» بطلب إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، بطلب إقامة جمعيات خيرية، تعمل على التربية الاجتماعية والعودة إلى القيم الإسلامية وتقديم المساعدات إلى المحتاجين، فعدّت السلطات الإسرائيلية هذا الأمر فرصة لإيجاد البديل عن منظمة التحرير. فأُقيم ما يُعرف باسم «المركز الإسلامي»، بقيادة الشيخ أحمد ياسين. وامتد نشاطه من غزة إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وسمحت إسرائيل له أن يمتد حتى إلى العرب لديها.

لقد أقنع الشيخ أحمد ياسين الإسرائيليين بأنهم تيار معتدل ينشد السلام، على عكس حركة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية. وتعزّز ذلك لديهم، وهم يرقبون كيف بدأت ظاهرة التفسخ والاقتتال في صفوف الفلسطينيين، لأول مرة بشكل حاد. واعتقد الكثيرون في تل أبيب أن الاقتتال الداخلي بين التنظيمات الإسلامية ومنظمة التحرير الفلسطينية العلمانية سيؤدي إلى إضعاف الأخيرة تحت مبدأ العدو يدمر نفسه. وهكذا، لم تتدخل الحكومة الإسرائيلية في المعارك بين منظمة التحرير الفلسطينية والحركات الإسلاموية. واعترف يتسحاق سيغيف الذي شغل منصب الحاكم العسكري الإسرائيلي لغزة في ذلك الوقت، بتمويله «المركز الإسلامي». وقال، خلال برنامج للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي في سنة 2009: «أعطتني الحكومة الإسرائيلية ميزانية، وسلطات الحكم العسكري أعطتني المساجد». وقال مسؤول الشؤون الدينية الإسرائيلي في غزة، أفنير كوهين، في البرنامج نفسه: «مع الأسف. لقد تم إنشاء (حماس) بأيدي إسرائيل». وأكد أنه حذّر رؤساءه من دعم الإسلاميين، لكنهم لم يعيروا تحذيره أهمية.

مؤسس حركة «حماس» أحمد ياسين (يسار) يتحدث مع قائدها السابق إسماعيل هنية عام 2002 (رويترز)

وحتى عندما بدأت «حماس» تظهر بوادر تفكير في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، لكي تجاري «فتح»، واصلت إسرائيل دعمها. وفي عام 1984 اعتقلت إسرائيل الشيخ ياسين واتُّهم ورفاقه بجمع أسلحة لأغراض معادية لها. وقال ياسين في التحقيق إن الغرض من هذه الأسلحة هو الدفاع عن النفس أمام سطوة «فتح»، ولن تُستخدم إلا ضدها والقوى الفلسطينية العلمانية التي تهدد الإسلام. وقد أُطلق سراح ياسين في مايو (أيار) 1985 بوصفه جزءاً من عملية تبادل أسرى. وبعد الإفراج عنه، أنشأ «المجد» (اختصار لـ«نظام الجهاد والدعوة»)، برئاسة الزعيم الطلابي السابق يحيى السنوار وروحي مشتهى، المكلف بالتعامل مع الأمن الداخلي ومطاردة المخبرين المحليين. وعندما انطلقت اتفاقيات «أوسلو»، انتقلت «حماس» إلى العمل المسلح بقوة شديدة ونفذت عشرات العمليات المسلحة ضد الجيش الإسرائيلي وضد المدنيين الإسرائيليين. وكلما أضرت إسرائيل في الاتفاقيات مع الفلسطينيين كان نشاط «حماس» يحظى بتأييد مزيد من المواطنين. وبعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة، وجدتها «حماس» فرصة للاستيلاء على الحكم ونفّذت انقلابها. وفي عهد بنيامين نتنياهو، كان يتعمّد الإبقاء على حكم «حماس» ضعيفاً تجاه إسرائيل وقوياً تجاه السلطة الفلسطينية، فأتاح دخول منحة مالية من دولة خليجية بقيمة 30 مليون دولار في الشهر، على أمل أن تقويها على حساب السلطة، وتعمّق الانقسام الفلسطيني.

دخان فوق غزة جراء القصف الإسرائيلي (أرشيفية - رويترز)

وقد نجحت إسرائيل في مهمتها هذه، لكنها وقعت في فخ. فقامت «حماس» بهجومها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الذي زلزل إسرائيل. وقامت بالرد الجنوني المعروف، الذي ألحقت فيه الدمار الجبار بقطاع غزة والضفة الغربية ثم لبنان وسوريا وطالت أياديها حتى إيران. ويرون في إسرائيل أنهم نجحوا في قلب المعادلة، خصوصاً ضد «حماس». ويقولون: «بالإضافة إلى اغتيال قادة الحركة الأساسيين، وفي مقدمتهم رئيسا المكتب السياسي، إسماعيل هنية ويحيى السنوار، تم ضرب نحو 90 في المائة من القدرات العسكرية لـ(حماس) وضرب قوة المساندة من (حزب الله)، وباتت (حماس) تنفّذ عمليات محدودة وبالأساس دفاعية، وتدخل في صدام مع الناس؛ لأنها تقمع المواطنين حتى الآن، وهي ضعيفة، وتصادر المساعدات وتبيع بعضها في السوق السوداء، مما أدى إلى مضاعفة الأسعار عشرات المرات، على سبيل المثال ارتفع سعر الرغيف من 5 سنتات إلى دولارين، وسعر السيجارة الواحدة 20 دولاراً. وتسود فيها خلافات شديدة بين القيادات الميدانية وقيادات الخارج، وملاحظة وجود فوضى في الشارع».

لكن الأمر الجوهري في إسرائيل بقي حول السؤال: «كيف تظهر (حماس) اليوم بعد 37 عاماً؟». فمع أنها فقدت قوتها الأساسية وخسرت حكمها وحلفاءها، تظل إسرائيل تحلم اليوم بتصفيتها نهائياً. إلا أن الجنرالات القدامى، الذين يتحمّلون المسؤولية عن تأسيس «حماس» وتقويتها، يطلبون من حكومتهم ألا تكرّر الخطأ في سوريا ولا تعتمد على وعود أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) بإقامة علاقات آمنة مع إسرائيل أكثر مما كان في عهد الأسد. ولهذا جاءت الضربات العسكرية للجيش السوري وجاء احتلال كل رؤوس جبل الشيخ وعدة قرى في الجولان الشرقي. ومع أن إسرائيل تقول إن هذا الاحتلال سيكون مؤقتاً، فإن المؤقت يعني هنا شهوراً طويلة وربما سنوات.