لا شيء يشبه في إزعاجه الخروج من طابور الأمن في المطار والتحقق من رقم بوابتكم على اللوح ومعرفة أنكم ستضطرون إلى السير ما بين 25 و30 دقيقة للوصول إلى الطائرة. لقد تحوّلت المطارات في السنوات الأخيرة إلى متاهات كبيرة، ومع ازدياد أعداد المسافرين؛ حتّى خلال الجائحة، تشهد المطارات مزيداً من التيه.
ولكن هل يجب أن يكون توسيع المطارات سبباً في مزيد من السير والمجهود؟
لا؛ وفق ما تعتقد شركة هوك» (HOK) التي تولّت أخيراً ترميم مطار «لاغوارديا» في مدينة نيويورك ووسّعت حجمه إلى نحو الضعف. فقد وضعت الشركة تصميماً جديداً كلياً للمطار بالتعاون مع شركة «إير بيز» الاستشارية المختصة في الطيران، يتضمّن كثيراً من المزايا المثيرة للاهتمام؛ أبرزها صالة واسعة تجمع رحلات المغادرة والوصول تحت سقفٍ واحد، بالإضافة إلى غرف انتظار قادرة على تسريع «الرحلات» إلى 15 دقيقة بدلاً من 45. ولكنّ الأساس في هذا التغيير والتطوير يعتمد على 3 كلمات: «النقل الجماعي السريع» أو نقل «غروب رابيد ترانزيت».
مركبات مكوكية
تستخدم مطارات كثيرة حول العالم نوعاً من النقل الداخلي لنقل الركّاب من مدرجٍ إلى آخر، ولكنّ «هوك» تقترح اليوم تحديثاً فعّالاً لهذا النظام: مركبات قادرة على وضع الأشخاص مباشرة أمام البوابة المؤدية إلى طائرتهم. فقد وضعت «هوك» تصوّراً لمطار يستطيع النّاس فيه تثبيت حجزهم والمرور للتفتيش الأمني كما جرت العادة... ولكن بدلاً من السير لمسافة إضافية حتّى البوابة، فسيستطيع المسافرون التبضّع وتناول الطعام والتجوّل في المبنى الذي ثبّتوا صعودهم إلى الطائرة فيه. وعندما يحين وقت الالتحاق بالرحلة، تبدأ هذه العملية في نهاية تلك الصالة، حيث سيستقلّ المسافرون مركبة «رابيد شاتل» المصممة لنقل المجموعات قبل الوصول إلى بوابة المغادرة خاصتهم في دقائق معدودة.
وبعد الوصول إلى بوّابة المغادرة، يبدأ المسافرون ركوب طائرتهم بعد السير مباشرة إليها دون تعب أو تعرّق. لا يزال من المبكّر الحديث عن شكل هذه الصالات حالياً، ولكنّ «هوك» تتصوّر أنّها ستكون أشبه بغرف انتظار عمليّة تركّز على الفاعلية أكثر من راحة المسافرين. ويشدّد مات نيدهام، مدير الطيران والنقليات في «هوك»، على أنّ «الأمر يتعلّق أولاً وأخيراً بتجربة المسافر». نعم؛ لا يوجد مزيد من الأروقة التي تشبه المتاهات ولا ماراثونات للحاق بالطائرة.
يتطلّب طرح «هوك» الجديد تغييراً كاملاً لطريقة عمل المطارات اليوم، ولكنّ رؤيتها ضرورية لأسباب عدة. أولاً: ستساهم في تقليص وقت المشي؛ الأمر الذي سيصبّ في مصلحة كبار السنّ والأشخاص الذين يعانون من إعاقات جسدية ويُجبرون غالباً على اجتياز محطات مزعجة والتعامل مع مساعدة غير فعّالة في المطارات. كما أنّها ستنفي الحاجة إلى كثرة المطاعم والمتاجر وحتّى الحمّامات. فعندما يمضي المسافر كلّ وقته في مبنى واحد ويستقلّ أخيراً مركبة للوصول إلى بوّابته عندما يحين وقت الصعود إلى الطائرة، فلن يحتاج إلى كثير من المنشآت الخدماتية في المبنى الرئيسي.
وأخيراً، سيساهم طرح «هوك» أيضاً في تقليص معدّل البناء السطحي بنسبة 75 في المائة. تخيّلوا فقط عدد المحطّات التي تتفرّع من أبنية المطارات اليوم، وأضيفوا إليها الأروقة التي تمتّد لأميال لتصل هذه المحطّات بالمحطّة الأخيرة التي تسبق الصعود للطائرة. تتطلّب هذه المساحات المقفلة طبعاً كثيراً من الإضاءة والتدفئة، بالإضافة إلى أنظمة ميكانيكية و«سمكرية» وكلّ الشروط الأخرى التي يحتاجها أي محيط مريح يتيح للمسافر الوصول إلى الطرف الآخر من المطار.
منصات تسريع الرحلات
يقول نيدهام إنّ اعتماد مبنى واحد بمنشآت خدماتية محدودة وصالات انتظار أصغر حجماً و«شبه مكيّفة» على مدار العام سيساهم في تخفيض تكلفة الطاقة والتشغيل، ويخفف انبعاثات الكربون النّاتجة عن بناء مدخلٍ جديد. إنّ تعديل وظيفة صالات الانتظار، التي ستتحوّل بشكلٍ أساسي إلى منصّات لتسهيل الصعود إلى الطائرة، سيسرّع الوقت 3 مرّات أكثر، وسيتيح للمطارات تسيير رحلات أكثر بـ3 مرّات بفضل نظام البوابة الواحدة.
ترتكز فكرة «هوك» على نظام نقل متين وموثوق وفاعلية تشغيلية محسنة إلى أقصى الدرجات.
يذكر أنّ التقنية متوفرة اليوم إذا أراد المسؤولون في المطار المعني تجربتها. في الحقيقة؛ خرجت شركة «هوك» بفكرة «غروب رابيد ترانزيت» الخاصة بمدارج المطارات قبل عامين في عرض تقدّمت به لتصميم مطار جديد في الفيليبين. كشف نيدهام عن أنّ الخيار لم يقع على عرض «هوك» في ذلك الوقت، وأنّ المشروع لم يصمد، ولكنّه لم يستطع التخلّي عن الفكرة، لافتاً إلى أنّ نقل «رابيد غروب ترانزيت» يُستخدم في هولندا منذ نحو 10 سنوات ويعمل باستقلالية آليّة تامّة. وأضاف: «لقد أخذنا الفكرة الهولندية واستخدمناها لوضع تصوّر جديد لوصول الفرد إلى بوابة الطائرة بشكلٍ يساعده على تقليص مسافة المشي». تدرس «هوك» التعاون مع شركة «تو غيت ذير» (2GetThere) الهولندية في تطبيق هذه الفكرة؛ لأنّ الأخيرة تنتج حافلات آلية صغيرة يتّسع الواحد منها لـ22 راكباً (8 جلوساً و14 وقوفاً).
في هذه المرحلة، لا يزال طرح «هوك» نظرياً، ولكنّ نيدهام كشف عن أنّ شركته تخوض محادثات مع أكثر من مطار في الولايات المتحدة لبناء محطة مستقلّة تعتمد هذه الفكرة. عملياً؛ يعدّ بناء مطار جديد الخيار الأكثر منطقية، ولكنّ التصوّر الجديد يسمح بدمج أجزاء من الصالة الواحدة المستحدثة بسهولة مع المطارات القائمة اليوم عبر توسعة المداخل؛ وفق نيدهام.
ويشرح أنّ «الطريقة الأكثر فاعلية لتوسعة المطار وزيادة عدد البوابات هي تطويل الممرّات. ولكن إذا كانت مداخل المطار المعني طويلة أصلاً، فستكون مسافات السير فيه كبيرة، وستصل التكلفة بالقدم المربّعة الواحدة إلى نحو ألف دولار، وستضطرّ الشركة المنفّذة إلى إيقاف العمل في المنشأة». ولكنّ فكرة «هوك» تتيح للمطارات وصل نهاية ممرّ قائم بآخر جديد بواسطة نظام «غروب رابيد ترانزيت» للنقل، وبناء غرف انتظار في المدخل الجديد باستخدام وحدات تُبنى خارج الموقع ومن ثمّ وصلها بعضها ببعض مثل قطع الليغو.
قد ننتظر 10 سنوات قبل تحقيق هذه الفكرة على أرض الواقع، ولكن حتى ذلك الوقت، قد تستخدم «هوك» ما تعلّمته في مطار «لاغوارديا» الذي تصل فيه مسافة المشي إلى بوابة الصعود الجديدة إلى نحو 30 دقيقة بعد المدخل.
* «فاست كومباني»
ـ خدمات «تريبيون ميديا»