صعّدت أوروبا من مطالبها للحكومة الإثيوبية بشأن إجراء تحقيقات قضائية حول الاتهامات بارتكاب «جرائم حرب» خلال المواجهات المسلحة في إقليم «تيغراي» التي دامت عامين. وفيما تسعى الحكومة الفيدرالية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد إلى مواصلة خطوات تنفيذ اتفاق السلام الذي أنهى القتال مع جبهة تحرير شعب تيغراي، إلا أن الاستجابة للمطالب الأوروبية، حسب مراقبين، قد يمثل «تهديداً للتحالفات الهشة في الداخل الإثيوبي».
وزارت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، ونظيرتها الألمانية أنالينا بيربوك، نهاية الأسبوع الماضي، العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في مهمة استهدفت «دعم اتفاق السلام الذي أُبرم العام الماضي لوقف القتال في إقليم تيغراي». إلا أن مراقبين أشاروا إلى أن الوزيرتين «تحملان رسالة من الاتحاد الأوروبي، مفادها أن التكتل مستعد للانخراط من جديد في إثيوبيا، بشرط الالتزام بوقف إطلاق النار ووضع آلية للعدالة الانتقالية».
والتقت الوزيرتان رئيس الوزراء آبي أحمد، ووزراء ومسؤولين من الاتحاد الأفريقي وناشطين حقوقيين، وقالت وزيرة الخارجية في بيان إن الزيارة تستهدف «دعم عملية السلام ومكافحة الإفلات من العقاب وإعادة الإعمار».
ودعت الوزيرتان خلال الزيارة إلى إنشاء آلية عدالة انتقالية لمعاقبة مرتكبي الانتهاكات التي جرت في أثناء النزاع في تيغراي، مؤكدتين أنه «لا يمكن أن تكون هناك مصالحة في إثيوبيا من دون عدالة». وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن، في تصريحات رفقة الوزيرتين، إن «الحكومة ستضمن عدم إفلات الجرائم من العقاب».
ورأى مارتن بلوت، زميل معهد دراسات الكومنولث في لندن، والمتخصص في الشأن الأفريقي، أن عودة الاتحاد الأوروبي لممارسة دور في إثيوبيا «يمثل أمراً إيجابياً، يمكن أن يوفر بيئة مناسبة لتعزيز إجراءات العدالة الانتقالية»، خصوصاً أن هناك الكثير من التقارير الحقوقية التي وثّقت ارتكاب جرائم حرب خلال الصراع في إقليم «تيغراي».
ولفت بلوت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إثيوبيا «بحاجة ماسّة هذه الفترة للدعم الأوروبي»، خصوصاً أن حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد تسعى لتجاوز المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد جراء عامين من الاقتتال الداخلي، وكذلك جراء الأزمات العالمية الراهنة، ويمثل الاتحاد الأوروبي مصدراً رئيسياً للمعونات والاستثمارات التي تحتاج إليها إثيوبيا في المرحلة الحالية.
وتابع بلوت مؤكداً أن إجراء تحقيقات نزيهة وشفافة بشأن الانتهاكات «يحتاج إلى إرادة سياسية قوية»، خصوصاً فيما يتعلق بدور القوات الإريترية في الصراع، لافتاً إلى أن هذه القوات «لم تغادر الأراضي الإثيوبية حتى الآن»، بل إنها تواصل عملها على الأرض، حسب تقارير ميدانية عدة.
وأضاف زميل معهد دراسات الكومنولث في لندن، أن التزام حكومة آبي أحمد بإقرار إجراءات واضحة للعدالة الانتقالية سيكون «اختباراً مهماً لمدى رغبة الحكومة في استعادة ثقة المجتمع الدولي، وبخاصة الشركاء الأوروبيون».
وأودى الصراع المسلح، الذي اندلع بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي وبين قوات جبهة تحرير شعب تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بحياة آلاف المدنيين، وشرّد الملايين، وحذرت الدول الغربية من انتهاكات قالت إنها «تُرتكب من جميع الأطراف» ومن بينها إريتريا التي انخرطت في النزاع دعماً لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
ووقّعت الأطراف المتصارعة اتفاقاً في بريتوريا بجنوب أفريقيا، في نوفمبر الماضي، عقب إجراء مفاوضات مكثفة برعاية أفريقية ودعم غربي، ونصَّ الاتفاق على نزع سلاح عناصر جبهة تحرير شعب تيغراي وعودة السلطات الفيدرالية إلى الإقليم.
وأشار الدكتور أحمد أمل، أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، إلى أن المطالب الأوروبية بشأن إقرار إجراءات تتعلق بالانتهاكات التي ارتُكبت خلال الحرب في إقليم تيغراي «ليست الأولى من نوعها»، بل هي جزء من الخطاب السياسي طوال الأزمة، حتى خلال الاشتباكات بين الطرفين.
وأضاف أمل لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تقديرات كبيرة للضحايا سواء من المدنيين الذين لقوا مصرعهم أو أُصيبوا أو شُردوا خلال المواجهات المسلحة، وهو ما يمثل «ضغطاً معنوياً» على القوى الغربية التي عادةً ما تضع مسألة حقوق الإنسان ضمن أولوياتها في بناء علاقات الشراكة مع الأطراف الدولية الأخرى.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن الحكومة الإثيوبية «تعرف جيداً كيف تتعامل في مثل هذه المواقف»، مضيفاً أن رئيس الوزراء آبي أحمد «استطاع أن يستميل الغرب إلى جانبه قبل اندلاع المعارك في تيغراي، وفاز بجائزة نوبل للسلام بدعم غربي واضح». إلا أن المواجهات العسكرية مع جبهة تحرير شعب تيغراي، وما رافقها من تقارير حول وقوع انتهاكات، «أضرت بعلاقة أحمد مع الغرب». وربما يكون وفاء الحكومة الإثيوبية إلى جانب المطالب الغربية وسيلةً لاستعادة العلاقات الوثيقة مع الكثير من الحكومات الغربية.
وأعرب أمل عن توقعه أن تشهد الفترة المقبلة بعض الإجراءات لتفادي الضغوط الغربية، مثل محاكمة بعض الجنود أو الضباط من رتب صغيرة، أو تشكيل فريق قضائي للتحقيق في بعض الانتهاكات الموثقة، إلا أن الأمر «لن يمتد لأكثر من ذلك»، خشية الإضرار بالتحالفات الهشة القائمة حالياً، والتي قد «يؤدي أي توتر غير محسوب بشأنها، إلى الإضرار باتفاق السلام برمّته».
كيف تتعامل إثيوبيا مع الضغوط الأوروبية للتحقيق في جرائم «تيغراي»؟
فرنسا وألمانيا طالبتا بآلية للعدالة الانتقالية
كيف تتعامل إثيوبيا مع الضغوط الأوروبية للتحقيق في جرائم «تيغراي»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة