عيد الفطر في بغداد.. احتفالات وطقوس ومسارح شعبية

رغم سخونة أجواء الصيف ومعارك التحرير من «داعش»

مدخل متنزه الزوراء وهو أكبر متنزه في بغداد
مدخل متنزه الزوراء وهو أكبر متنزه في بغداد
TT

عيد الفطر في بغداد.. احتفالات وطقوس ومسارح شعبية

مدخل متنزه الزوراء وهو أكبر متنزه في بغداد
مدخل متنزه الزوراء وهو أكبر متنزه في بغداد

تنوعت مظاهر وطقوس عيد الفطر المبارك في العاصمة العراقية بغداد، فعلى الرغم من الارتفاع الشديد في درجات الحرارة وانشغال الناس بمتابعة أخبار معارك التصدي لـ«داعش» الإرهابي في عدد من المدن العراقية، تصدرت مهمة زيارة الأهل والأقارب لتبادل التهاني في العيد قائمة الأولويات، كجزء من التقاليد المجتمعية المتعارف عليها، إضافة إلى زيارة بعض العوائل للمتنزهات والحدائق العامة التي أعلن القائمون عليها فتح أبوابها أمام الجميع مجانًا وتهيئة مرافقها الخدمية لاستقبال الزوار.
ومثل كل الأعوام التي سبقته، لم يتوحد العراقيون في تحديد أول أيام عيد الفطر، بسبب الخلافات السنية- الشيعية التي احتدمت بطريقة واضحة بعد عام 2003 عندما انتقل العراق فيها إلى دولة مكونات باسم التعددية مرة والمحاصصة العرقية والطائفية مرة أخرى، فصار شهر رمضان وهلال العيد من الخلافات الموروثة من زمن الدولة المركزية، وبعد أن كان العراق يعين رسميًا بداية شهر رمضان وعيد الفطر ببيان حكومي، صار الأمر أن احتفل السنة بعيد الفطر المبارك هذا العام يوم الجمعة بينما احتفل الشيعة بالعيد يوم السبت.
بدوره أعلن رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد محمد الجويبراوي عن وضع خطة أمنية رصينة لحماية المواطنين في العيد، عبر تأمين الطرق المستهدفة من قبل عصابات «داعش»، مشيرًا إلى أن إعداد الخطة شمل تنسيقًا بين الحكومة المحلية وعمليات بغداد وشرطة العاصمة، مؤكدًا على أن «الأجهزة الأمنية ستكثف وجودها بالقرب من المؤسسات الصحية والخدمية والمتنزهات التي يرتادها المواطنون، وسيتم قطع الطرق المؤدية إلى متنزه الزوراء والجزيرة السياحية، فضلاً عن طرق تؤدي إلى متنزهات أخرى، وهذا القطع مبرمج، إذ سيتم فتح شوارع بديلة أمام المواطنين».
ووجهت أمينة بغداد وكالة ذكرى محمد علوش، بدخول العوائل البغدادية إلى متنزه الزوراء مجانا طوال أيام عيد الفطر المبارك، بعد تهيئته وتجهيزه بأحدث ألألعاب والمتطلبات الضرورية لراحة الزائرين.
من بين فعاليات العيد التي أعلن عنها مبكرًا عدد من النشطاء المدنيون انطلاق فعاليات مهرجان بغداد الأول للتسوق على أرض معرض بغداد الدولي وسط بغداد بمشاركة أكثر من 50 شركة عراقية وتركية وإيرانية وأردنية، في مختلف الاختصاصات، بينما نوه عدد من المسارح الشعبية في بغداد بعروض مسرحية كوميدية جديدة.
الوكيل الاقتصادي لوزارة التجارة العراقية محمد السامرائي أكد أن «الهدف من مهرجان بغداد الأول للتسوق دعم معارض القطاع الخاص والانفتاح عليها، وتوفير متنفس ترفيه للمواطن العراقي، وقد ضم المهرجان نشاط شركات متخصصة في مجالات الألبسة والمواد الغذائية والأجهزة الكهربائية والإكسسوارات والأثاث المنزلي والسجاد والسيارات القديمة والمنتجات الأخرى».
وأضاف أن «هذا المهرجان هو تجربة فريدة من نوعها ونقدر مشاركة الجميع في هذا المهرجان لأجل دعم الاقتصاد العراقي وخلق أجواء من التنافس التجاري بين الشركات المحلية والأجنبية».
وتخللت فعاليات مهرجان بغداد للتسوق إقامة معرض أزياء على غرار ألف ليلة وليلة من قبل عارضين محليين، إضافة إلى عروض الأزياء الفلكلورية والتاريخية، ومشاركة الفرقة البصرية والسومرية، وفعاليات تمجد الانتصارات التي حققها ويحققها الجيش العراقي بمساندة قوات الحشد الشعبي ضد عصابات (داعش) الإجرامية.
وتفرد مسرح وسينما سميراميس، أقدم المسارح في شارع السعدون وسط بغداد، بإعلانه تقديم العرض الأول للمسرحية الكوميدية الجماهيرية الجديدة «ورق ورق» التي كتبها حسين النجار وبكر نايف ويقوم على إخراجها الفنان بكر نايف ويلعب أدوارها نخبة من ألمع نجوم الكوميديا في العراق، بينهم: إحسان دعدوش ومحمد حسين عبد الرحيم وناهي مهدي وميلاد سري وعلي قاسم الملاك وهبة صباح وضيف الشرف نجم (أحلى صوت) المطرب ستار سعد.
مؤلف ومخرج المسرحية بكر نايف قال: «المسرحية تجمع بين كوميديا الموقف والكوميديا السوداء وتعكس جانبا من الإفرازات السلبية الضارة التي يعيشها المواطن العراقي عبر قالب كوميدي ساخر يعتمد المفارقة ويعمل على تعرية الفاسدين والطارئين على المشهد السياسي». وأضاف: «المسرحية تركز على مضمون مسرح العائلة، وذلك عبر قضية شراء البعض لمناطق معينة وتهجير سكانها عبر إغرائهم بالأموال واستثمارها في أمور أخرى، وقيام كثير من المسؤولين والسياسيين وغيرهم بفتح قنوات فضائية تعمل وفق أجنداتهم ومصالحهم الفئوية الضيقة وتسقيط الآخرين والإساءة لهم دون النظر إلى المصلحة العامة للشعب العراقي. الفنانة ميلاد سري تلعب في المسرحية دور المحتالة القادمة من السويد، وهي تقوم بفتح قناة فضائية وإغراء الفقراء من أهالي محلة بغدادية بالمال لشراء بيوتهم بالاتفاق مع زميلها (الفنان ناهي مهدي)».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».