الأسطورة جون لدجيند افتتح «مهرجانات بيبلوس الدولية» بالحب والبيانو

في زيارته الأولى للبنان لم ينسَ السلام والعدالة وألبومه الجديد

حضور ما يقارب 4000 شخص على مدرجات مدينة جبيل البديعة وفي الهواء الطلق  -  المغني الأميركي جون لدجيند
حضور ما يقارب 4000 شخص على مدرجات مدينة جبيل البديعة وفي الهواء الطلق - المغني الأميركي جون لدجيند
TT

الأسطورة جون لدجيند افتتح «مهرجانات بيبلوس الدولية» بالحب والبيانو

حضور ما يقارب 4000 شخص على مدرجات مدينة جبيل البديعة وفي الهواء الطلق  -  المغني الأميركي جون لدجيند
حضور ما يقارب 4000 شخص على مدرجات مدينة جبيل البديعة وفي الهواء الطلق - المغني الأميركي جون لدجيند

افتتاح حافل لـ«مهرجانات بيبلوس الدولية»، مساء أول من أمس، مع أسطورة الغناء الأميركي جون لدجيند. فبحضور ما يقارب 4000 شخص على مدرجات مدينة جبيل البديعة وفي الهواء الطلق، أطل المغني والمؤلف الموسيقي وعازف البيانو، على جمهوره بـ«تي شيرت» أبيض، وجاكيت من اللون نفسه، ليفتتح تلك الأمسية المنتظرة بأغنيته «ميد أوف لوف»، وليحيي الحاضرين، متأملاً أن يقدم لهم أمسية لا تنسى في زيارته الأولى لهذا «البلد الجميل».
مع كورس من فتاتين رافقتاه طوال الوقت رقصًا أيضا وفرقته الموسيقية الكاملة المؤلفة من ثمانية موسيقيين غنى جون لدجيند ما يقارب الساعتين دون كلل، حينًا يقف مع ميكروفونه ويتجول متوجهًا إلى الجمهور بكلمات الحب، وحينًا آخر يغني عشقه عازفًا على البيانو ومرة ثالثة يقف ليتمايل ويرقص بجسده الرياضي.
ورغم أن الجمهور الشاب كان لا يستطيع إلا أن ينحني إعجابًا أمام هذا العزف المحترف والمتألق للمغني الذي بدأ التعلم على آلة البيانو وهو في الرابعة من عمره، فإن هدوء الأغنيات لم يرق لبعض جاءوا بحثًا عن شيء من الجنون الموسيقي، ولم يعثروا عليه.
فرقة «ثي سكريبت» الآيرلندية التي قدمت حفلها في اليوم الثاني من أيام المهرجان، أي مساء أمس، كانت التعويض المرتجى لهؤلاء الذين جاءوا يبحثون عن تفجير طاقاتهم في الصراخ والرقص واللهو. تلك الفرقة التي تشعل الملاعب الآيرلندية بحفلاتها وصلت إلى جبيل وهي تتمتع بذروة نجاحها، والشباب يحفظون الكثير من أغنياتها عن ظهر قلب، لا سيما «هال أوف فام» و«نو غود إن غودباي» و«بريكهيفين». وصلت «ذي سكريبت» إلى لبنان بعد باعت ما يقارب 20 مليون أسطوانة وهو ما يفسر، الإقبال الكبير على حفلتها في مدينة الحرف.
في ما ينتظر وصول فرقة الروك والميتال «مايكال شنكر» في 22 يوليو (تموز) المقبل، مع قائدها ولاعب الغيتار فيها الذي تحمل اسمه، حيث ستقدم ساعتين من أجمل أغنياتها الشهيرة التي حصدت نجاحًا كبيرًا خلال الأربعين سنة الماضية. وفي كل الأحوال تعود «مهرجانات بيبلوس» هذه السنة، بخطها السابق الذي يرى في الشباب الخزين الأهم من الجمهور والذي يدفع دون كبير حسابات ثمنًا سخيًا لبطاقات الحفلات الغنائية الراقصة، التي تؤمن وقتًا مرحًا للباحثين عنه.
ورغم أن جون لدجيند، ليس من هذا الصنف الذي يقدم حفلات صاخبة، مع أنه لا يزال في السادسة والثلاثين، فإن موهبته الموسيقية وشاعريته ومهارته في العزف لا تقاوم. وقد شاركه الحفل عزفًا، لاعب على الغيتار وآخر ينفخ في بوق وعازفون آخرون على آلات الساكسوفون والباص والترومبون والأورغ إضافة إلى الدرامز، لكن البيانو بقي سيد الموقف، لا سيما برفقة أغنية لدجيند الأشهر «أول أوف مي»، التي انتظر قبل نهاية الحفل، ليؤديها وكأنما تركها هدية ثمينة لجمهوره.
وبرع جون لدجيند في سرقة قلوب أولئك الذين جاءوا يبحثون عن كلمات الحب، ونصائح للاحتفاظ بالحبيب، وحدث جمهوره ببعض الكلمات الجميلة الشاعرية وهو يرفقها بمعزوفات هادئة، قبل أن يبدأ كل أغنية، بينما بدا الشاطئ الممتد من جبيل إلى جونية متلألئًا تحت أنظار الجمهور على يمين المدرج، في مشهد خلاب.
غنى صاحب التسع جوائز غرامي أغنيته الشهيرة «غرين لايت» وأولى أغنياته «يوزد تو لاف يو» كما غنى من ألبومه الجديد الذي لم يصدر بعد «بليز دونت غو». وكانت الأغنية التي ختم بها حفله «غلوري» هي التي جلبت له عام 2015 جائزة «الأوسكار»، وشرح لجمهوره بأن هذه الأغنية كانت جزءًا من فيلم عن مارتن لوثر كينغ.
هذا المغني الذي عرفت عنه أعماله الإنسانية، رغم صغر سنه، له باع في الإنتاج، ومهارة في الأعمال إلى جانب موهبته وبراعته في العزف والغناء وحضوره القوي على المسرح. كان قد ولد في أوهايو، وتخرج في جامعة بنسلفانيا وتخصص في الأدب الإنجليزي، الذي يبدو جليًا في كلمات أغنياته، كان قد دعم الكثير من المشاريع التعليمية والخيرية، وحفله في لبنان يأتي ضمن جولته التي تحمل عنوان «لوف إن ثي فيوتشر» وقد بدأت في يونيو (حزيران) الماضي، وحطت به في اسكوتلندا ودول أخرى عدة، وهو حريص في أغنياته على لعب دور مرشد المحبين ومساند القلوب العاشقة، وهو تماما ما كان يبحث عنه غالبية معجبيه الذين جاءوا للقائه.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».