من «الحرم المكي» إلى مسجد «الإمام الصادق».. نحو ذاكرة بلا ثقوب

الذكرى الرابعة والعشرون لعملية «حزب الله الكويتي» التي نتج عنها 26 شهيدًا ومصابًا

ما قامت به «أحزاب الله» في المنطقة من حرائق لم تستثن حتى الحرم المكي، هو ذاته ما يقوم به «داعش» بانتهاكه حرمة المعابد الدينية والمساجد الخاصة بأبناء الطائفة الشيعية (أ.ب)
ما قامت به «أحزاب الله» في المنطقة من حرائق لم تستثن حتى الحرم المكي، هو ذاته ما يقوم به «داعش» بانتهاكه حرمة المعابد الدينية والمساجد الخاصة بأبناء الطائفة الشيعية (أ.ب)
TT

من «الحرم المكي» إلى مسجد «الإمام الصادق».. نحو ذاكرة بلا ثقوب

ما قامت به «أحزاب الله» في المنطقة من حرائق لم تستثن حتى الحرم المكي، هو ذاته ما يقوم به «داعش» بانتهاكه حرمة المعابد الدينية والمساجد الخاصة بأبناء الطائفة الشيعية (أ.ب)
ما قامت به «أحزاب الله» في المنطقة من حرائق لم تستثن حتى الحرم المكي، هو ذاته ما يقوم به «داعش» بانتهاكه حرمة المعابد الدينية والمساجد الخاصة بأبناء الطائفة الشيعية (أ.ب)

قبل ثلاث ليالٍ مضت، كانت الذكرى الرابعة والعشرين لتفجيرات مكة الإرهابية من قبل «حزب الله» الكويتي في عام 1989، والتي راح ضحيتها 26 شهيدا ومصابا، تلك الحادثة التي أحالت الترانيم المقدسة المطمئنة لحجاج بيت الله في مكة إلى ابتهالات الخائفين. كما تترافق الذكرى مع وفاة المعمم الشيعي محمد باقر المهري قبل أيام من الذكرى، وهو وكيل خامنئي وبعض المرجعيات الشيعية في دولة الكويت، والمتهم باعترافات المنفذين بتوليه التخطيط للعملية واختيار أفراد الخلية الإرهابية، وفقا لتحقيقات الأمن السعودي.
يأتي استحضار هذه الذكرى من أجل ذاكرة بلا ثقوب في فهم الظاهرة الإرهابية التي عمت المنطقة على أيدي الجماعات الإرهابية من كلا المتطرفين في الطائفتين، الشيعية والسنية. فما قامت به «أحزاب الله» في المنطقة من حرائق لم تستثن حتى الحرم المكي، هو ذاته ما يقوم به «داعش» بانتهاكه حرمة المعابد الدينية والمساجد الخاصة بأبناء الطائفة الشيعية. ولكن لعل الفارق الأبرز بين التجربتين أن أذرع الإسلام السياسي الشيعي المسلحة مدعومة كليا وعلانية من قبل صناع القرار في طهران، بينما عواصم دول الاعتدال في المنطقة - وفي مقدمتها الرياض - تقود حربا لا مواربة فيها على «الإسلام السياسي» المسلح بشقيه، وتضع «داعش» وتوابعه، و«حزب الله» وتوابعه، في سلة واحدة.
في الصراع السياسي والحرب الباردة التي نتجت عن الصراع السياسي في منطقة الشرق الأوسط في سياقاته التاريخية المعروفة، لم تتوان إيران الثورة عن استخدام الأقليات الشيعية العربية كأحد أسلحتها في إدارة الحرب من جانبها.
لقد اعتمدت إيران على نُخَب مجندة لكي تعمل كرأس حربة لها في توجيه الرأي والمزاج السياسي العام للدفاع عن مواقفها ومواقف الفصائل المحسوبة عليها علنا في الأوساط الشيعية العربية. وانتظمت هذه النخب تحت مظلة عريضة عُرِفَتْ باسم «خط الإمام» أو «السائرون على نهج الإمام»؛ وتوجد تحت هذا العنوان العريض عناوين فرعية لفصائل أكثر نخبوية من حيث التجنيد والتدريب. وعملت الفصائل الأكثر تدريبا والأدق تنظيما تحت مسمى «حزب الله» بتفرّعات جغرافية مثل «حزب الله الحجاز» و«حزب الله الكويت».
«أتذكر حادثة شهدتها بنفسي أواخر عام 1979 وفيها دلالات لا تزال سارية المفعول حتى وقتنا الراهن. حذّر أحد خطباء المنبر الحسيني في منطقة القطيف مستمعيه من الاستجابة لدعوة الخميني إلى تصدير ثورته الإسلامية. ونبه هذا الخطيب مستمعيه إلى أن الخميني ورفاقه يقودون دولة لها مصالحها التي قد تتعارض مع مصالح الدولة التي ينتسبون إليها، والخطاب الموجه لمنتسبي المذهب الشيعي مجرد رافعة سياسية تستخدمها إيران للضغط على جاراتها بتهديد أمنها واستقرارها»، كما يقول الكاتب السعودي كامل الخطي في حديثه لـ«الشرق الأوسط».
الخطي، الذي هو ابن واحد من أهم مرجعيات الشيعة الدينية، الفقيه عبد الحميد الخطي، يزيد في مداخلته: «هذا الخطيب المشار إليه هنا، كان أحد وجهاء مدينته، وكان يمتاز بالشهامة والنخوة، وصرف من عمره شطرا غير يسير في السعي لقضاء حاجات الناس، وحل مشاكلهم، وكان من المثقفين العروبيين التقليديين البارزين. تعرض هذا الخطيب إلى نبذ اجتماعي بعد قوله رأيه في الخمينية ودعوتها إلى تصدير الثورة، وكانت الإشاعة هي السلاح الذي استخدم في الاغتيال المعنوي الذي ارتُكِب في حقه؛ فقد انتشرت ضده إشاعة مفادها أنه قال في أحد مجالسه إن حذاء بن غوريون أطهر من لحية الخميني. الإشاعة التي أطلقت وخسفت بحيثية ومكانة هذا الرجل في مجتمعه لم تكن عمل فرديا، وإنما كانت عملا منظما استحضر بوعي شرير رمزية بن غوريون إلى مشهد الصراع لكي يدفع حتى تلك الآلاف التي تقف صامتة حيال الأحداث إلى نبذ الرجل وعزله اجتماعيا؛ فالذي أطلق الإشاعة كان يعي أن لحية الخميني لا تحرك وحدها مشاعر الأغلبية الصامتة وتدفعها للإسهام في الجريمة، فقرنها في مفاضلة مع حذاء بن غوريون، مما استفز مشاعر حتى غير المتعاطفين مع ثورة الخميني، وجندهم كقوة غاشمة من دون وعي».
ولكن ما هو التطور التاريخي الذي طرأ على الأنساق الثقافية لجماعات الإسلام السياسي الشيعي منذ تلك الحقبة إلى اليوم؟ يجيب الكاتب الأكاديمي المصري هاني نسيرة بلمحة من جانبين: «النسق الثقافي لـ(جهاديات الإسلام السياسي الشيعي والسني) لم تتغير، مثل غياب فكرة ومفهوم الوطن عن كليهما: فأدبيات (الجهاديين) السنة والشيعة على السواء لا تؤمن بفكرة الوطن، إنما تؤمن وفقط بمقولة الوطن، هي أممية الاعتقاد وضد فكرة الأوطان والدول الوطنية، لذا يكون المنتمي إليها غير مبال إذا قام بعملية في وطنه أو ضد بني جنسه. هو يحلم بدولته العالمية ونزوعه الأممي. كان الظواهري دائما يسمى الوطنية صنم الوطنية، ويراها طاغوتا، كذلك لم يجعل الخميني تنمية الوطن ورفاه الشعب الإيراني همه، بل كان همه الأول هو تصدير الثورة الإيرانية».
ويضيف نسيرة في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لكن دعني أنبه هنا إلى شيء، هناك تشابه في الغايات بين الحاكمية والإمامة، فقد استقر الفقه والتراث الشيعي على عدم (الجهاد) في غيبة الإمام وفي عصر الغيبة، ولكن منذ ظهرت ولاية الفقيه على يد الخميني ونظامه صار (الجهاد) وتصدير الثورة عقيدتهم الأولى منذ تأسيس الحرس الثوري عام 1981 بفيالقه الخمسة التي تكلف الاقتصاد الإيراني 200 مليون دولار كل عام على الأقل، لتمويل العمليات في الخارج التي يضطلع بها فيلق القدس تحديدا».
شَكّلَ منتسبو كل إقليم جغرافي القوام الرئيسي لمنظمات «حزب الله» الفرعية، وكُلِّفَت هذه المنظمات الفرعية بالقيام بأعمال لصالح إيران. تراوحت درجة خطورة الأعمال التي نفذتها أفرع «حزب الله» من الضغط على رجال الدين المحليين لمنعهم من اختيار مرجعياتهم الفقهية، ومحاولات إجبارهم على اختيار مرجعيات فقهية مؤمنة بمبدأ ولاية الفقيه بغرض إحكام السيطرة على المجتمعات الشيعية العربية، وتوجيه سلوكها بما يتفق والمصلحة الإيرانية، إلى التصفية المعنوية التي طالت مشايخ ووجهاء وأعيانا شيعة في مجتمعاتهم.
ذنبهم بحسب الخطي «أنهم ليسوا من المؤمنين بمبدأ ولاية الفقيه، وصولا إلى القيام بأعمال عنيفة مثل الاغتيالات والتفجيرات، كما حدث في منشآت شركة (صدف) في مدينة الجبيل الصناعية شرق المملكة، وكما حدث في موسم حج عام 1989 في مكة المكرمة».
ويتابع الخطي: «أزْعُم أنه لو دُرِسَت خارطة توزع الولاءات السياسية في المجتمعات الشيعية في دول الخليج العربية، بدقة، فلن تظهر نتيجة إحصائية لصالح إيران، وربما لن تظهر أي نتيجة إحصائية تدل على قدرة أي فصيل من فصائل الإسلام السياسي الشيعي على الحصول على أغلبية موالية؛ لكن طبيعة الأمور في الظاهر لا تسير وفق الواقع الذي قد تشخصه الدراسة والإحصاء؛ فالدراسة والإحصاء قد يُنْطِقان صمت الأغلبية، بينما المشهد الظاهر يقع تحت سطوة أقليات منظمة تمتلك أدوات تعبير تبدو من خلالها، للعيان، كأنها ممثل شرعي للغالبية، وهذا يجلب معه تبعات، أخطرها على الإطلاق تعميق أزمة الثقة، وتعزيز الشكوك في الولاء الوطني، وإدامة قلق ازدواج الهوية».
على الرغم من كل هذا الإرث الدموي الذي أنهت به «أحزاب الله» الإيرانية أواخر الألفية الثانية، كان عام 2006 ولادة جديدة روّجت لها بعض مجاميع اليسار واليسار القومي، بعد حربه الدعائية ضد إسرائيل التي كلفت لبنان بنيته التحتية. وكانت إحدى القنوات التلفزيونية الخليجية المرموقة المنبر الأول للجماعات الأصولية السنية من «القاعدة» و«الإخوان المسلمين»، كما كانت أيضا المنبر الأول للإسلام السياسي الأصولي الشيعي في تلك الفترة.
بحسب الخطي: «استثمرت إيران في عامل التمييز الذي أَضَّر بالأقليات الشيعية العربية، وشاركها في استثمارها طيف من اليسار واليسار القومي، خابت آماله بفشل مشروعه السياسي، مما حوله إلى معارض للأنظمة القائمة دون مشروع نهضوي واضح السمات».
غير أن نسيرة يفضل عدم الاستغراب من هذا التداخل: «في ظني أن الثورة الخمينية عند اندلاعها كما كثير من الثورات والانتفاضات، وما ترفعه من شعارات، خدعت كثيرا من المخلصين، وكثيرا من القوى المدنية. كثير من شباب الثورة انتخبوا (محمد) مرسي مثلا ووقفوا معه، ثم كانوا جزءا من حراك خلعه في 30 يونيو (حزيران)! هذا أيضا ما حدث مع كثير من ناشطي ومثقفي اليسار في الموقف من ثورة الخميني أو في الموقف من حزب الله، الكثيرون ينجذبون لدعاوى المقاومة وشعارات التنظيمات، لكن بعد اختبارها ينفصلون عنه. أذكر أن السيد هاني فحص مثلا كان مقربا جدا من الخميني في حياته، لكنه باقي عمره صار مناهضا للتمدد الإيراني ومعارضا لحزب الله نفسه!.. وكذلك آخرون».
الأكيد أن ذكرى تفجيرات مكة على يد «حزب الله الكويتي» وعلى أيدي كويتيين تتقاطع مع حالة الإرهاب المتناسل من قبل «داعش» والموجه في أحد أطيافه ضد المساجد الشيعية في السعودية والكويت. فيما تواجه المنطقة دهاليز غير مسبوقة من العتمة مع استقطابها للمجرمين والمرتزقة الغرباء الذين لا أوطان لهم مستغلة تسخين الملف الطائفي.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».