أعلن الرئيس جو بايدن في ختام قمة استمرت ثلاثة أيام مع 49 من الزعماء الأفارقة في واشنطن، أنه سيزور أفريقيا جنوب الصحراء خلال العام المقبل، ليكون أول رئيس أميركي يسافر إلى هناك منذ عقد، مؤكداً أنه جاد في زيادة اهتمام الولايات المتحدة بالقارة النامية.
ووصفت إدارة الرئيس بايدن القمة بأنها جلسة استماع مع زعماء القارة، في متابعة لقمة عام 2014 التي عقدها الرئيس السابق باراك أوباما، باعتبارها أحدث خطوة جذابة مع الزعماء الأفارقة. وهي تتطلع إلى تعزيز العلاقات مع تلك الدول، بعدما تجاوزت الصين الولايات المتحدة في العلاقات التجارية وتعمل على زيادة وجودها العسكري في القارة الحاسمة بالنسبة إلى القوى العالمية بسبب النمو السكاني السريع فيها، والموارد الطبيعية الكبيرة، والكتلة الانتخابية الكبيرة في الأمم المتحدة.
وخاطب بايدن الزعماء في ختام القمة ليل الخميس قائلا: «أفريقيا تنتمي إلى الطاولة» في كل محادثة ذات عواقب عالمية. مضيفا: «أتطلع إلى رؤيتكم في بلدانكم الأصلية».
وأوضح عدد من القادة المشاركين أنهم يريدون من إدارة بايدن الابتعاد عن إجبارهم على الاختيار بين الولايات المتحدة ومنافسيها العالميين، عندما يتعلق الأمر بالمسائل التجارية. وقال الرئيس النيجري محمد بازوم لوكالة «أسوشييتد برس» إن «هذه فرص اقتصادية... تأتي الشركات من تركيا والصين وتستثمر في النيجر في علاقة مربحة للجانبين. إنه شيء يمكن للمستثمرين الأميركيين فعله أيضاً».
وكشف بايدن أنه يدعم أن يصير الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين للدول الغنية، معلناً أيضاً خططاً لإنفاق ملياري دولار للمساعدة في تعزيز الأمن الغذائي في القارة و165 مليون دولار لمساعدة الدول الأفريقية في إجراء انتخابات سلمية وشفافة العام المقبل.
وقال: «إننا نواجه أزمة غذاء عالمية، ولا نشعر بها أكثر من القارة الأفريقية... اليوم، تجتاح المجاعة القرن الأفريقي مرة أخرى. أسعار المواد الغذائية المرتفعة والحواجز التجارية المرتفعة تؤثر على حياة وسبل عيش الملايين من الناس في كل أنحاء القارة».
وبالفعل، تفاقم انعدام الأمن الغذائي في كثير من أنحاء أفريقيا في السنوات الأخيرة، مدفوعاً بالنزاعات المسلحة التي طال أمدها وتأثيرات تغير المناخ، مما أدى إلى موجات الجفاف المطولة في بعض المناطق والفيضانات المدمرة للمحاصيل في مناطق أخرى. لكن الوضع تفاقم بسبب التباطؤ الاقتصادي الذي تسبب في حدوث جائحة «كوفيد 19»، وارتفاع مستويات الديون، وأخيراً تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، المسؤولة جزئياً عن ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والأسمدة.
كما أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي شراكة استراتيجية لتسريع عملهما نحو الأمن الغذائي في المنطقة، ووضعا عدة أهداف، وفقًا لبيان منفصل صادر عن البيت الأبيض. وتضمنت الأهداف القصيرة المدى للشراكة تحديد الوسائل لأفريقيا لتأمين مصادر أكثر تنوعاً ومرونة من الحبوب والأسمدة لتلبية حاجاتها العاجلة وتقديم المساعدة الإنسانية. ومن الأهداف المتوسطة والطويلة الأجل استكشاف طرق لتحسين وصول أفريقيا إلى الأسواق العالمية، وزيادة الوصول الموثوق والمستدام إلى الأسمدة ومدخلاتها، وتنويع إنتاج السلع الزراعية.
اهتمام بالانتخابات
جاءت هذه الإعلانات بعدما التزم بايدن هذا الأسبوع إنفاق 55 مليار دولار على البرامج الحكومية في أفريقيا خلال السنوات الثلاث المقبلة، بالإضافة إلى المليارات التي ستستثمرها الشركات الأميركية الخاصة. وقال: «أعيننا تركز على المستقبل».
وأفاد البيت الأبيض في بيان بأن بايدن عكس حالة الديمقراطية في الولايات المتحدة بعد هجوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021 على مبنى الكابيتول، عندما سعى أنصار الرئيس السابق دونالد ترمب إلى منع الكونغرس من المصادقة على نتائج انتخابات 2020 التي خسرها ترمب أمام بايدن. وكذلك تحدث بايدن عن الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركية مؤخرا، عندما رفض الناخبون عدداً من المرشحين الذين رفضوا نتائج عام 2020، معتبراً أن «قوة ومرونة الديمقراطية الأميركية تأكدتا في هذه العملية».
وتواجه نيجيريا، وهي أكبر دولة في أفريقيا بعدد السكان البالغ أكثر من 210 ملايين نسمة، هجمات عنيفة تتعلق بانتخاباتها المقررة في فبراير (شباط) المقبل. وتكافح الكونغو مع تصاعد عنف المتمردين في شرقها، مما سيعقد جهود إجراء الانتخابات المقررة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وشهد غرب أفريقيا انقلابات عدة خلال العام الماضي، بما في ذلك بوركينا فاسو ومالي. وستكون الانتخابات في الغابون وسيراليون المحطتين الرئيسيتين. ولكن مدغشقر شهدت انتخاب رئيس عام 2019، ليحل محل المجلس العسكري المدعوم من الجيش. وقدمت الولايات المتحدة نحو 50 مليون دولار لدعم المجتمع المدني واللجان الانتخابية في نيجيريا والكونغو.
وشكر رئيس الاتحاد الأفريقي الرئيس السنغالي ماكي سال لبايدن التزامه تجاه أفريقيا. لكنه قال إن دول أفريقيا تواجه تحديات حادة، من تزايد انعدام الأمن الغذائي إلى تحسينات البنية التحتية التي تمس الحاجة إليها لدرء آفة تغير المناخ. وانتقد تشريعاً أميركياً اعتبر أنه «استهدف» أفريقيا بشكل غير عادل، في إشارة واضحة إلى إجراء بعنوان «مكافحة النشاطات الروسية الخبيثة في أفريقيا».
ويقول المشرعون الذين يرعون مشروع القانون إن القانون يهدف إلى منع موسكو من استخدام أفريقيا لتجاوز العقوبات المفروضة على روسيا بعد غزو أوكرانيا.
«دروس» الوباء والحرب
وتضررت أفريقيا بشكل غير متناسب من ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية التي أشعلتها الحرب الروسية. وقال سال إن من الأهمية بمكان أن نأخذ في الاعتبار «دروس» أزمات الوباء والحرب. وقال: «حان الوقت لاتخاذ إجراءات صارمة في مجال الزراعة والأمن الغذائي». ووافقه بايدن في جلسة القمة الختامية التي ركزت على الأمن الغذائي، فقال: «إذا كان أحد الوالدين لا يستطيع إطعام طفله، فلا شيء آخر مهم حقا».
وقال سال أيضاً إن الاتحاد الأفريقي يتوقع «التزاماً ودعماً قويين» من الولايات المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب. وتمنى أن «تكون الحرب ضد الإرهاب جزءاً لا يتجزأ من الكفاح العالمي ضد هذه الآفة».
وستتضمن زيارة بايدن لأفريقيا وقفات في عدة دول، وفقاً لمسؤول أميركي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه. ولم يُصدر البيت الأبيض أي تفاصيل حول المكان أو الوقت الذي سيسافر فيه بايدن.
وكان بايدن توقف لفترة وجيزة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مصر لحضور قمة المناخ الدولية.
وفي العامين الأولين من رئاسته، ركزت رحلات بايدن الدولية على آسيا وأوروبا، حيث سعى إلى إعادة ضبط سياسته الخارجية للتركيز بشكل أكبر على المحيطين الهندي والهادي. كما أن عليه الآن أن يتعامل مع الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولم يسافر ترمب إلى أفريقيا خلال رئاسته التي شهدت جائحة «كوفيد 19». وكان أول رئيس أميركي منذ رونالد ريغان لا يزور القارة خلال فترة رئاسته.