المعارضة التركية تتعهد هزيمة إردوغان وإنهاء «التلاعب بإرادة الشعب»

عشرات الآلاف احتشدوا في إسطنبول لليوم الثاني دعماً لإمام أوغلو

أنصار أكرم إمام أوغلو يتظاهرون في إسطنبول أمس (أ.ف.ب)
أنصار أكرم إمام أوغلو يتظاهرون في إسطنبول أمس (أ.ف.ب)
TT

المعارضة التركية تتعهد هزيمة إردوغان وإنهاء «التلاعب بإرادة الشعب»

أنصار أكرم إمام أوغلو يتظاهرون في إسطنبول أمس (أ.ف.ب)
أنصار أكرم إمام أوغلو يتظاهرون في إسطنبول أمس (أ.ف.ب)

أكد قادة المعارضة التركية أنهم لن يتراجعوا عن مواجهة «جميع أشكال الإخلال بالقانون وانتهاك الديمقراطية والاستهانة بالإرادة الشعبية عبر قرارات ذات طابع سياسي تصدرها المحاكم بأوامر مباشرة من الحكومة»، وتعهدوا بالفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في منتصف العام المقبل، وإزالة «جميع أشكال الظلم التي عانى منها الشعب التركي في ظل نظام الرجل الواحد».
وشهدت مدينة إسطنبول، الخميس، احتشاد عشرات الآلاف أمام مبنى بلدية إسطنبول الكبرى بميدان «ساراتش هانه» بمنطقة الفاتح في إسطنبول، دعماً لرئيسها أكرم إمام أوغلو، الذي صدر ضده حكم بالحبس سنتين و7 أشهر و15 يوماً وحظر نشاطه السياسي لإدانته بتهمة إهانة موظفين عموميين في المجلس الأعلى للانتخابات، ووصفهم بـ«الحمقى» بسبب قرار إلغاء نتيجة الانتخابات المحلية في إسطنبول التي أجريت في 31 مارس (آذار) 2019 وإعادتها في 24 يونيو (حزيران) من العام ذاته.
وكان إمام أوغلو فاز بالانتخابات على منافسه مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم، وكرر الفوز عند إعادة الانتخابات باكتساح شديد وبفارق 800 ألف صوت.
وشارك في التجمع الحاشد؛ الذي فاق من حيث العدد بأضعاف كثيرة حشداً خرج عقب صدور الحكم الابتدائي من محكمة الجنايات السابعة في كارتال بإسطنبول ضد إمام أوغلو، قادة أحزاب «طاولة الستة» التي تضم 6 أحزاب؛ هي: «الشعب الجمهوري» برئاسة كمال كليتشدار أوغلو، و«الديمقراطية والتقدم» برئاسة علي باباجان، و«الجيد» برئاسة ميرال أكشينار، و«المستقبل» برئاسة أحمد داود أوغلو، و«الديمقراطي» برئاسة جولتكين أويصال، و«السعادة» برئاسة تمل كارامولا أوغلو والذي تخلف عن الحضور لأسباب صحية، وحضر بدلاً منه نائبه صبري تيكر.
وعقد التجمع تحت شعار «امتلك إرادتك». وردد الحضور هتافات: «الحق... القانون... العدالة»، مطالبين بـ«استقالة الحكومة وتنظيف القضاء». وقال إمام أوغلو، المنتمي إلى «حزب الشعب الجمهوري»؛ أكبر أحزاب المعارضة، في كلمة أمام الحشود، إن الحكم الصادر ضده ليس حكماً يستهدفه شخصياً؛ وإنما «استهدف إرادة 16 مليوناً يسكنون إسطنبول»، مشدداً على أن هذا الحكم ذا الطابع السياسي لن يثنيه أو يثني «طاولة الستة» عن «الاستمرار في طريقهم من أجل صنع مستقبل أفضل لتركيا في القرن الثاني للجمهورية، تتخلص فيه من الاستبداد والقمع والفقر».
وعدد إمام أوغلو الممارسات الضاغطة التي تعرض لها على مدار 3 أعوام ونصف من رئاسته لبلدية إسطنبول، والتي حاولت من خلالها الحكومة تجريده من كل قدرة على خدمة أهالي إسطنبول، «لكنه واصل متحملاً كل الضغوط، وسيواصل بغض النظر عن الحكم الصادر ضده والذي يعرف من أصدره أنه ليس حكماً قضائياً؛ بل هو سياسي». وكرر شعار حملته في الانتخابات المحلية: «كل شيء سيكون جميلاً جداً».
من جانبه، أكد رئيس «حزب الشعب»، كمال كليتشدار أوغلو، أن «النظام الحاكم حالياً أمامه 6 أشهر، وبعدها ستكون المعارضة على رأس السلطة، وستزيل كل الأضرار التي تسبب فيها في البلاد وتعيد الديمقراطية والحريات».
وقال رئيس «حزب الديمقراطية والتقدم»، علي باباجان، إن الحكم الصادر على إمام أوغلو «ليس حكماً قضائياً، لكنه صورة جديدة من صور فساد النظام». وأكد أن «هذا الحكم غير مقبول، وأن الظلم غير مقبول، والفساد غير مقبول»، مشدداً على أن «كل ذلك سينتهي بيد الشعب في صناديق الاقتراع، وسينتهي الحكم الأوتوقراطي، وستعود تركيا إلى الديمقراطية، وستنتهي الضغوط وتحل الحريات». بدوره، قال رئيس «حزب المستقبل»، أحمد داود أوغلو، إن «تجمعنا اليوم في هذا الميدان تجمع تاريخي، وإننا بصفتنا قادة أحزاب مختلفة التوجهات، نؤكد بحضورنا هنا أننا أتينا من أجل رفض تسييس القضاء، ومن أجل إعلان أننا سنعمل على القضاء على كل أشكال الظلم والحظر».
وذكر أحمد داود أوغلو بسجن الرئيس رجب طيب إردوغان عندما كان رئيساً لبلدية إسطنبول عام 1998 «بسبب حكم مسيس»، مؤكداً: «إننا هنا اليوم لرفض تسييس القضاء مرة أخرى، ولرفض تنفيذ انقلابات عبر القضاء، وأقول بصوت 85 مليون تركي: لم نخف، ولا نخاف، ولن نخاف. وأقول مرة أخرى لإردوغان: إننا لا نصدق أن القضاء في تركيا مستقل، وإن القرار الذي اتخذ بسجن إمام أوغلو هو قرار يخص مستقبل تركيا».
وأكدت رئيس حزب «الجيد»، ميرال أكشينار، أن «الضغوط السياسية على القضاء لن تغير شيئاً، وأن 85 مليون تركي يدعمون الإرادة الوطنية، ويدعمون رئيس بلدية إسطنبول الذي تعرض للظلم. نؤكد أن الديمقراطية لنا، وأن الشعب سيعطي الرد المناسب في صناديق الاقتراع».
ولم يقتصر التجمع على سكان إسطنبول وحدها؛ بل احتشد آلاف في الميدان الرئيسي لمدينة طرابزون بمنطقة البحر الأسود، شمال تركيا، وهي مسقط رأس إمام أوغلو، دعماً له بعد الحكم الصادر ضده، رافعين علم تركيا ولافتة كبيرة كتب عليها: «الأمل موجود ما دام أكرم إمام أوغلو موجود».
وفجّر الحكم الصادر ضد إمام أوغلو حالة من الغضب الواسع في تركيا، وخرجت أصوات من داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، تؤكد أنه «خطأ جسيم، ويعدّ أيضاً خطأ استراتيجياً من جانب الحزب صنع من خلاله منافساً قوياً»، في إشارة إلى أكرم إمام أوغلو.
وقال بولنت أرينتش؛ من مؤسسي حزب العدالة والتنمية الرئيس الأسبق للبرلمان التركي: «ما دام هذا الخطأ لم يصحح، فإن العواقب السياسية للقرار لن تؤدي إلا إلى تمهيد الطريق لبناء ملف مرشح قوي ضد حزب العدالة والتنمية. أعتقد أن السياسيين الحكماء، وبُعد النظر، سيأخذون هذا الوضع في الحسبان ولن يسمحوا بهذا الخطأ». وأضاف أرينتش: «من وجهة نظر قانونية، وبصفتي محامياً في الأساس، أعتقد أن قرار المحكمة الابتدائية سيتم نقضه من المحكمة الأعلى في أقرب وقت ممكن، ولن يسمح بتعرض مواطن (إمام أوغلو) للضرر، ولن يكون من الممكن تنفيذ قرار الحظر السياسي بأي شكل من الأشكال».
من جانبه، أكد وزير التربية والتعليم الأسبق في حكومة حزب العدالة والتنمية، حسين تشيليك، أن الحكم بحبس إمام أوغلو وحظر نشاطه السياسي هو «أعظم شر لحكومة حزب العدالة والتنمية»، وذكر بالعقوبة التي فرضت على إردوغان خلال رئاسته بلدية إسطنبول، متسائلاً: «ما الفرق بين الحالتين؟». وأكد أن هذا القرار لن يأتي بنتيجة سوى توحيد المعارضة.
وفي حال تأييد الحكم الابتدائي، فلن يتمكن إمام أوغلو من شغل منصب رئيس بلدية إسطنبول، ولن يكون قادراً على منافسة إردوغان في حال موافقة أحزاب «طاولة الستة» على ترشيحه للرئاسة في الانتخابات المقررة يوم 18 يونيو (حزيران) المقبل.
وتحدثت أوساط المعارضة عن أن قرار المحكمة صدر بتوجيه سياسي من أجل إزاحة إمام أوغلو من طريق إردوغان، وكذلك من أجل إبعاده عن البلدية واستخدام مواردها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في يونيو المقبل. ويعتقد فريق الدفاع عن إمام أوغلو أن قرار المحكمة ثأر شخصي لإردوغان ضد أحد أكبر منافسيه (إمام أوغلو).


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

شؤون إقليمية أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إن بلاده تتوقع موقفاً واضحاً من دمشق حيال «تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي» والتنظيمات التابعة له، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تنظر إليها أنقرة على أنها امتداد لـ«العمال الكردستاني» في سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية خصوم إردوغان يتهمونه بـ«مفاوضة» أوجلان في سجنه طلباً لأصوات كردية

خصوم إردوغان يتهمونه بـ«مفاوضة» أوجلان في سجنه طلباً لأصوات كردية

واجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ادعاءً جديداً من خصومه في المعارضة، بشأن إرساله مبعوثين للتفاوض مع زعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين مدى الحياة، عبد الله أوجلان، من أجل توجيه رسالة للأكراد للتصويت لصالحه في الانتخابات الرئاسية المقررة في 14 مايو (أيار) الحالي. وقالت رئيسة حزب «الجيد» المعارض، ميرال أكشنار، إن إردوغان أرسل «شخصية قضائية» إلى أوجلان في محبسه، وإنها تعرف من الذي ذهب وكيف ذهب، مشيرة إلى أنها لن تكشف عن اسمه لأنه ليس شخصية سياسية. والأسبوع الماضي، نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية، إعلان الرئيس السابق لحزب «الشعوب الديمقراطية» السجين، صلاح الدين دميرطاش، أن يكون إردوغان أرسل وف

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية دخول تركيا «النادي النووي» مهم... وزوال مخاوف «تشيرنوبل» مسألة وقت

دخول تركيا «النادي النووي» مهم... وزوال مخاوف «تشيرنوبل» مسألة وقت

<div>دفع إقدام تركيا على دخول مجال الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء عبر محطة «أككويو» التي تنشئها شركة «روساتوم» الروسية في ولاية مرسين جنوب البلاد، والتي اكتسبت صفة «المنشأة النووية» بعد أن جرى تسليم الوقود النووي للمفاعل الأول من مفاعلاتها الأربعة الخميس الماضي، إلى تجديد المخاوف والتساؤلات بشأن مخاطر الطاقة النووية خصوصاً في ظل بقاء كارثة تشيرنوبل ماثلة في أذهان الأتراك على الرغم من مرور ما يقرب من 40 عاما على وقوعها. فنظراً للتقارب الجغرافي بين تركيا وأوكرانيا، التي شهدت تلك الكارثة المروعة عام 1986، ووقوعهما على البحر الأسود، قوبلت مشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية باعتراضات شديدة في البد</div>

شؤون إقليمية أنقرة: وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يجتمعون في 10 مايو

أنقرة: وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يجتمعون في 10 مايو

قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، اليوم الأربعاء، إن اجتماع وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يُعقَد بموسكو، في العاشر من مايو (أيار)، إذ تعمل أنقرة ودمشق على إصلاح العلاقات المشحونة. كان جاويش أوغلو يتحدث، في مقابلة، مع محطة «إن.تي.في.»

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية «أككويو» تنقل تركيا إلى النادي النووي

«أككويو» تنقل تركيا إلى النادي النووي

أصبحت تركيا رسمياً عضواً في نادي الدول النووية بالعالم بعدما خطت أولى خطواتها لتوليد الكهرباء عبر محطة «أككويو» النووية التي تنفذها شركة «روسآتوم» الروسية في ولاية مرسين جنوب البلاد. ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خطوة تزويد أول مفاعل من بين 4 مفاعلات بالمحطة، بـ«التاريخية»، معلناً أنها دشنت انضمام بلاده إلى القوى النووية في العالم، مشيراً إلى أن «أككويو» هي البداية، وأن بلاده ستبني محطات أخرى مماثلة. على ساحل البحر المتوسط، وفي حضن الجبال، تقع محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء، التي تعد أكبر مشروع في تاريخ العلاقات التركية - الروسية.


إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».