الأمم المتحدة تعلن «هدنة إنسانية» في اليمن حتى نهاية رمضان.. و«حوار سياسي» عقب العيد

المقاومة في عدن وقبائل يمنية ترفض وقف النار ما لم ينسحب المتمردون من المدن

دخان يتصاعد من مخزن للسلاح في صنعاء بعد قصفه من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية أمس  (غيتي)
دخان يتصاعد من مخزن للسلاح في صنعاء بعد قصفه من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية أمس (غيتي)
TT

الأمم المتحدة تعلن «هدنة إنسانية» في اليمن حتى نهاية رمضان.. و«حوار سياسي» عقب العيد

دخان يتصاعد من مخزن للسلاح في صنعاء بعد قصفه من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية أمس  (غيتي)
دخان يتصاعد من مخزن للسلاح في صنعاء بعد قصفه من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية أمس (غيتي)

بعد مساع استمرت 3 أسابيع، وجولات مكوكية قام بها المبعوث الدولي لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أعلنت الأمم المتحدة عن الاتفاق على «هدنة إنسانية غير مشروطة» في اليمن تبدأ من منتصف الليلة الماضية بالتوقيت المحلي (التاسعة مساء بتوقيت غرينتش)، وحتى نهاية شهر رمضان، من أجل السماح بتوزيع المساعدات الإنسانية اللازمة.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوغاريك إن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي «أبلغ موافقته على هذه الهدنة إلى التحالف» العربي العسكري الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن «بهدف تأمين دعمه وتعاونه». وأضاف أن «الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تلقى (تطمينات) من جانب الحوثيين وحلفائهم مفادها أن الهدنة ستحترم بالكامل، ولن تكون هناك انتهاكات من جانب المقاتلين الخاضعين لهم».
وقال دوغاريك «نتوقع من جميع المنخرطين في النزاع أن يحترموا هذه الهدنة الإنسانية». وأشار المتحدث إلى أن مون شكر الرئيس هادي لدوره في هذه المساعي، وقال إن الرئيس اليمني «يستمر في تأييد هدنة إنسانية، كما جاء في خطابه الذي تسلمه يوم الخميس التاسع من يوليو (تموز)». وحسب مصادر يمنية مطلعة، فإن الهدنة تمتد لـ7 أيام وقابلة للتجديد لمرتين، إذا استمرت دون عراقيل. وأكد مصدر مطلع في صنعاء على أن المبعوث الأممي اتفق مع الأطراف اليمنية على الشروع في حوار سياسي عقب إجازة عيد الفطر المقبل. وأشارت إلى وجود مساع تبذل لتذليل كل الصعوبات التي يمكن أن تؤدي إلى عرقلة وإفشال الهدنة والتي بذلت على مدى الأيام القليلة الماضية.
وغادر المبعوث إسماعيل ولد الشيخ أحمد العاصمة صنعاء، أمس، بعد مباحثات مع مسؤولين حوثيين. وجاءت المباحثات في إطار جهود مكثفة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بعد أكثر من ثلاثة أشهر من القتال الذي تضمن غارات جوية تقودها السعودية وخلفت أكثر من ثلاثة آلاف قتيل. وأجرى ولد الشيخ أحمد محادثات في وقت سابق مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في العاصمة السعودية الرياض بشأن وقف إطلاق النار. وكانت حكومة هادي أبلغت الأمم المتحدة يوم الأربعاء موافقتها على هدنة إنسانية بشرط الوفاء بضمانات أساسية. وتتضمن تلك الضمانات إفراج الحوثيين عن سجناء من بينهم وزير الدفاع الموالي لهادي، وانسحابهم من أربع محافظات يقاتلون فيها مسلحين محليين في شرق وجنوب البلاد.
ويشغل موضوع الهدنة كل الأوساط اليمنية، وبينها القوى التي تواجه تحالف الحوثيين - صالح بالقوة المسلحة في عدد من جبهات القتال. وفي هذا السياق، طالبت القوى القبلية الرافضة للتمرد على الشرعية في اليمن بضرورة قطع خطوط الإمدادات الرئيسية التي يستند إليها التمرد الحوثي والقوى الداعمة للانقلاب في اليمن، مشددة على أن قطع خطوط الإمداد التي تم رصدها حتى الآن من شأنه إنهاء صمود الانقلاب وتغيير كفة الموازين لصالح أنصار الشرعية بعد ذلك وبشكل عاجل. وأعلنت القوى القبلية عدم القبول بأي هدنة، قبل انسحاب الميليشيات الحوثية والقوات التابعة للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من المناطق والمحافظات التي تمت السيطرة عليها بقوة السلاح.
وقال متحدثون ينتمون لقبائل مختلفة في اليمن، أمس، إن الحديث عن الهدنة مع التمرد الحوثي والقوات الموالية للرئيس المخلوع مرفوض من الأساس «إلا في حال تم سحب القوات العسكرية المتمركزة على الأرض من الأراضي التي تمت السيطرة عليها بقوة السلاح». وفي اتصال مع «الشرق الأوسط» من جدة، أكد الشيخ حمد بن وهيط، أحد شيوخ قبائل عبيدة، أن «الهدنة مرفوضة، جملة وتفصيلا، إذا كانت ستتم دون أن تنسحب القوات المتمردة من المناطق التي سيطرت عليها بقوة السلاح، لأن الهدنة في هذه الحال تعني القبول بما تحقق على الأرض من انتهاكات مخالفة للقوانين والأعراف». وتساءل ابن وهيط بقوله «أي هدنة يمكن لها أن تحدث، بينما ميليشيات التمرد الحوثي والقوات الموالية للرئيس المخلوع تغتصب المحافظات وتسيطر عليها بقوة السلاح، ضاربة بالأعراف والقوانين والاتفاقيات والقرارات الدولية عرض الحائط».
وأكدت القبائل اليمنية الموالية للشرعية والداعمة للتدخل العسكري الجوي الذي تقوم به قوات التحالف العربي في اليمن، أن استمرار المواجهات العسكرية والدخول في مزيد من المعارك مهما كانت التبعات سيكون أفضل من القبول بهدنة تبقي على مكتسبات التمرد على الأرض كما هي دون تغيير. وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» من جدة، قال عبد الواحد الواحدي، شيخ منطقة الواحدي في محافظة شبوة، إن القبائل قادرة على الصمود في المواجهات الدامية مع الميليشيات الحوثية المتمردة والقوات التابعة للرئيس المخلوع، وإنها (القبائل) انتصرت في الكثير من المعارك الماضية، وتمكنت من أسر المئات من عناصر القوات الباغية.
من جانبه، اعتبر الشيخ عبد الله الطعيمان، شيخ قبيل الطعيمان، أن «الحاجة للهدنة تفرضها الظروف الإنسانية التي يعاني منها المواطن اليمني في الفترة الحالية، لكن يجب ألا تتم الهدنة على حساب أبناء القبائل، ودون أن تتراجع قوات التمرد وتعلن الانسحاب من المناطق التي اغتصبتها وأكرهت أهلها على الخضوع لها دون مسوغ مقبول أو مبرر منطقي».
وفي الوقت الذي تواصل فيه قوات التحالف غاراتها على أهدافها في اليمن، يناشد الشيخ ابن وهيط قوات التحالف بتوجيه ضربات موجعة للميليشيات الحوثية والقوات الموالية للرئيس المخلوع، وأن تكرر الضربات عليهم في كل موقع يتم استهدافه من القوات المناصرة للشرعية في اليمن. وشدد الشيخ القبلي على «أهمية قطع الإمدادات وضرب خطوط التواصل الرئيسية بين القوات المتمردة على الشرعية»، وركز على «أهمية قطع طرق وخطوط الإمداد الرئيسية التي تم تحديدها بين كل من الحديدة وصنعاء، صعدة وعمران، الحديدة وتعز، ومديرية مأرب والمحافظة». وذهب إلى القول إن «العمل على قطع الإمدادات عن ميليشيات القوات الموالية للتمرد وضرب خطوط التواصل بين الأطراف المناهضة للشرعية في اليمن، ستظهر نتائجهما على الأرض بشكل سريع، وسيسهمان بشكل عاجل في ترجيح الكفة لصالح القوات القبلية المناصرة للشرعية على حساب قوات التمرد».
ودعا ابن وهيط الأمم المتحدة إلى العمل على إيقاف توزيع المساعدات التي يتم إدخالها للبلاد بالتعاون مع التمرد الحوثي «لأن هذه المساعدات ثبت مرارا استخدامها لتمكين المتمردين وترجيح كفتهم على الأرض ضد خصومهم الموالين للشرعية»، مؤكدا أن شح الغذاء الذي تعانيه القبائل والمناطق الرافضة للتمرد الحوثي تسبب في الإفراج عن أعداد هائلة من الأسرى الحوثيين، فيما تسببت وفرة المواد الغذائية واستمرار تدفق المساعدات على الحوثيين في صمود قواتهم رغم عدم مشروعيتها، ورغم عدم القبول بها من قبل المواطن اليمني البسيط.
وأعربت أوساط قبلية يمنية، في اتصالات مع «الشرق الأوسط» من صنعاء، عن أن القبائل اليمنية المناوئة للانقلاب والانقلابيين «تخوض معركة شرف كبيرة للدفاع عن الأرض والعرض». وحذرت هذه الأوساط من أن الحوثيين «يسعون إلى تطبيق سياسة الأرض المحروقة في المناطق القبلية التي يسعون إلى السيطرة عليها، وفي مقدمتها مأرب، كما فعلوا مع بقية المناطق القبلية، حيث فجروا المنازل وأهانوا الزعامات القبلية وشردوهم وقتلوا من قتلوا منهم ويحتجزون آخرين».
من جهته، ﻗﺎﻝ ﺍﻟناطق باسم قيادة مجلس المقاومة بعدن علي الأحمدي ﺇﻥ ﺍﻟﻬدﻧﺔ ﺍلإنسانية ﺍﻟﺘﻲ أعلنتها الأمم المتحدة «لا ﺗﻌﻨﻲ المقاومة ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺍﺳﺘﻤﺮ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻮﻥ ﻭﻗﻮﺍﺕ ﺻﺎﻟﺢ ﻣﺘﻤرﻛﺰﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤدﻳﻨﺔ‏». وأكد الأﺣﻤدﻱ أن مطلب ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ هو ﺍﻧﺴﺤﺎﺏ ‏القوات المعتدية ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺎﻣﻞ.
وقُتل ﺍﻟﻤﺌﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﺤﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺍﻟﻴﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻓﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻌﺎﺭﻙ ﺿﺎﺭﻳﺔ ﺧﻼﻝ الأيام ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، ﻭﺣﺎﻭﻟﻮﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻘدﻡ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﺍﻟﻤدﻳﻨﺔ ﻣﻦ ثلاثة ﻣﺤﺎﻭﺭ. ﻭأضاف ﺍﻷﺣﻤدﻱ أان ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺗﻌﻠم ﺗﻤﺎﻣﺎ ﺄﻥ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻭﺣﻠﻴﻔﻬﻢ ﺻﺎﻟﺢ ﻻ ﻳﻠﺘﺰﻣﻮﻥ ﺑﺎﺗﻔﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﻬدﻧﺔ، ﻭﺍﻟﻬدﻧﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﺜﺎﻻ، ﺣﻴث ﻋﻤدﻭﺍ إﻠﻰ ﺍﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ ﻭﺗﺮﺗﻴب ﺻﻔﻮﻓﻬم. ﻭﺃردف‏ أن ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﻟﻦ ﺗﻬﺘم ﻟﻠﻬدﻧﺔ ﺍﻟﺠديدة ﻣﺎ ﻟم تلتزم الميليشيات ﺑﺘطﺒﻴﻘﻬﺎ ﻭﺍﻧﺴﺤﺎﺑها ﻣﻦ ﻣﻮﺍقعها، ﻭﻟدﻳﻨﺎ ﺍﻟﻘدﺭﺓ والاستعداد لقتالهم ﺳﻨﻴﻦ ﻭﺷﻬﻮﺭا ﻭﻟﻴس ﺃﻳﺎما‏. ﻭﺷﻬدﺕ ﺍلأﻳﺎﻡ الثلاثة ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﺃﻋﻨف ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ ﺑﻴﻦ ﺍﻟطرﻓﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﺎطﻖ ﺍﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ ﻭﺟﻌﻮﻟﺔ ﻭﺑﻴﺮ أﺣﻤد ﺷﻤﺎﻝ ﻋدﻥ. وأوضح ﺍﻷﺣﻤدﻱ أن ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺎﺕ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ سقط فيها ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 200 ﻭ150 ﻣﺴﻠﺢ ﺣﻮﺛﻲ ﻗﺘﻠﻮﺍ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻗﺎﺩﺓ ﻋﺴﻜﺮﻳوﻦ ﻛﺒﺎﺭ ﻭﻗﺎﺩﺓ ﻣﻴدﺍﻧﻴوﻦ ﺧﻼﻝ الأيام الثلاثة ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، ﻭأﻥ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺗﺼدﻭﺍ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺤﺎﻭﻻﺗﻬﻢ ﺑﻤﺴﺎﻧدﺓ طيران ﺍﻟﺘﺤﺎﻟف. ﻭﺃشار إلى أن 30 ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﻗُﺘﻠﻮﺍ، ﻭﺟُﺮﺡ ﺍﻟﻌﺸﺮﺍﺕ.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.