مصادر دبلوماسية في باريس: روسيا على موقفها من النظام السوري بانتظار «بروز البديل»

قالت لـ«الشرق الأوسط» إن التقارب بين موسكو والغرب عنوانه الحرب على الإرهاب

مصادر دبلوماسية في باريس: روسيا على موقفها من النظام السوري بانتظار «بروز البديل»
TT

مصادر دبلوماسية في باريس: روسيا على موقفها من النظام السوري بانتظار «بروز البديل»

مصادر دبلوماسية في باريس: روسيا على موقفها من النظام السوري بانتظار «بروز البديل»

أفادت مصادر دبلوماسية في باريس بأن مشاورات فرنسية - روسية حصلت في الأيام الماضية حول الملف السوري، جاءت نتائجها «مخيبة» بالنسبة للعاصمة الفرنسية التي لم تلحظ «بداية التغير» في مواقف موسكو من النظام السوري أو من «المخارج» الممكنة للحرب الدائرة هناك.
وأضافت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن «الهم الأول المسيطر» على التفكير الروسي اليوم كما الأمس، ينصب على محاربة الإرهاب وعلى «تجميع» كل القوى والأطراف التي تنظر إلى هذه المسألة بالطريقة نفسها. وتنقل هذه المصادر أن الكلام الروسي عن «التقارب» في الرؤية والتحليل بين موسكو وواشنطن يقوم بالدرجة الأولى على اعتبار أن «العدو الأول» لكليهما الإرهاب الذي يحاربانه كل بطريقة: الجانب الأميركي، مباشرة، عبر العمليات الجوية والاستخبارية وأحيانا عمليات الكوماندوز في سوريا والعراق، والجانب الروسي من خلال دعمه للنظام السوري. وبحسب موسكو، فإن «الحاجز الوحيد اليوم» الذي يمنع «داعش» أو «النصرة» من أن تجتاح دمشق أو أن تكون غدا في طرطوس، هو النظام الذي ما «زال قائما على قدميه رغم الهزائم التي لحقت به في الأسابيع الماضية» في الشمال والجنوب والوسط على السواء.
بيد أن هذه الأولوية الروسية التي عبر عنها الرئيس الروسي بشكل قوي بمناسبتين متقاربتين على الأقل، الأولى في الخطاب الذي ألقاه في مدينة بطرسبرغ بمناسبة مؤتمر دولي عن الأمن أواخر الشهر الماضي والثانية بمناسبة الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى موسكو في الفترة عينها «لا تعني أن موسكو منغلقة على أي اقتراح» أو أنها «متمسكة بشخص الأسد»، لكنها من «باب الواقعية السياسية» ووفق قراءتها للأوضاع القائمة في سوريا اليوم: «لا ترى بديلا» عن الأسد، لا بل إنها تدعو إلى ضم الأسد إلى «تحالف جديد» لمحاربة «داعش» والإرهاب بمشاركة بلدان إقليمية ذكر منها الأردن وتركيا والسعودية. وقالت المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن الطرف الروسي طرح سؤالا مباشرا كالتالي: «من هي الشخصية التي تقترحونها لترؤس المرحلة الانتقالية بحيث تكون قادرة على تجميع قوى المعارضة وقيادة سوريا ومنع تفتيتها وتلافي وضع يد التنظيمات المتشددة على مقدراتها؟».
إضافة إلى الحجج «التقليدية» التي تفسر «تمسك» موسكو بالنظام السوري ومنها دور المؤسسة الروسية الصناعية - العسكرية ومصالحها وأهمية القاعدة البحرية الروسية في طرطوس وحرص موسكو على تلافي تكرار التجربة الليبية، يتعين الإشارة، وفق ما نقلته المصادر المشار إليها، إلى مخاوف الأجهزة الأمنية من تكاثر عدد الروس والأوزبكيين والطاجيك والشيشان الذين التحقوا بـ«داعش» و«النصرة»، إذ يربو عدد هؤلاء على ألفي شخص ما يعني أنهم يشكلون أكبر مجموعة أوروبية في صفوف تلك التنظيمات. وخوف روسيا الأكبر أن يسعى هؤلاء «لاستكمال جهادهم» ضد موسكو وضد جمهوريات آسيا الوسطى التي تشكل «الحديقة الخلفية» لروسيا. وبذلك تحولت الحرب في سوريا إلى «مسألة داخلية» تهم موسكو وقياداتها الأمنية بحيث تغيب معها الاعتبارات السياسية التقليدية، خصوصا أن البديل المطلوب غير باد في الأفق. لذا، فإن موسكو التي رعت في دورتين حوارا «عقيما» بين المعارضة والنظام، تضع شروطها التي أولها، بقاء مؤسسات الدولة «ما لا يعني بالضرورة بقاء الأسد في حال وجد البديل»، وثانيها المحافظة على وحدة سوريا ورفض تقسيمها، وثالثها رفض التعاطي مع الإسلاميين، متشددين كانوا أم غير متشددين. وفي نظر موسكو، ثمة «نقاط تلاق» بين ما تدعو إليه هي وما يريده الغربيون من أجل تقريب المواقف والعمل المشترك في سوريا.
وتقول المصادر الدبلوماسية إن موسكو التي حمت النظام السوري على الصعيد الدولي وخصوصا في مجلس الأمن، وكسرت عزلته ووفرت له السلاح والخبرات والتدريب: «ليست اللاعب الوحيد»، وعليها أن تأخذ بعين الاعتبار خطط طهران في سوريا التي لا تتطابق بالضرورة مع خططها. وتعمل روسيا على تجميع الأوراق في يديها ومنها الانفتاح على أطراف فاعلة في الأزمة السورية، مثل السعودية وتركيا ومصر وغيرها، وترى أن الحرب على الإرهاب هي الخيط الجامع بين كل هذه الأطراف الأمر الذي يسمح لها بإعادة تأهيل الأسد بانتظار بروز حلول بديلة.
هل تنجح موسكو في الترويج لخطتها؟ المرجح أن يكون مصيرها كمصير الحوارات التي رعتها والتي لم تسفر عن شيء إيجابي. لكن الدبلوماسية الروسية آخذة في ملء الفراغ الدولي إزاء الأزمة السورية، وهي تستفيد من تركيز الجهود على الإرهاب ومحاربته فيما المقاربات السياسية غائبة تماما كغياب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.