بدأت الهوة تتسع تدريجياً بين الكونغرس والإدارة في ملف دعم أوكرانيا. وطفا شرخ الخلافات بين الديمقراطيين على السطح مع كشف الشق الليبرالي من الحزب عن رسالة تحمل 30 من تواقيعهم كتبوها للرئيس الأميركي جو بايدن، فيها كلمات تعكس تململهم من سياسة الإدارة تجاه أوكرانيا وروسيا، وتدعوه إلى فتح قنوات حوار مع الكرملين لوقف الحرب.
وتقول الرسالة؛ التي صدرت بتاريخ 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2022: «نتفق مع وجهة نظر الإدارة بأنه ليس من شأن أميركا الضغط على حكومة أوكرانيا فيما يتعلق بالقرارات السيادية… ولكن بصفتنا مشرعين مسؤولين عن إنفاق عشرات المليارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين للمساعدات العسكرية في الصراع، نعتقد أن دوراً كهذا في الحرب يخلق أيضاً مسؤولية على الولايات المتحدة لاستكشاف جميع السبل بشكل جدي؛ بما في ذلك التفاوض المباشر مع روسيا، للحد من الأضرار ودعم أوكرانيا في التوصل إلى تسوية سلمية».
وأحدث الموقف زوبعة في أروقة الكونغرس والبيت الأبيض؛ اذ إنه أتى في خضم موسم انتخابي حامٍ، يسعى الديمقراطيون جاهدين فيه إلى الظهور بمظهر موحد، كما أنه أظهر هشاشة في وحدة الصف التي جمعت الحزبين في دعم أوكرانيا لدى بدء الصراع.
وسرعان ما علم الليبراليون؛ وعلى رأسهم النائبة الديمقراطية براميلا جايابال، أنهم أخطأوا في التوقيت من حيث الشكل والمضمون، فسارعوا أولاً إلى تبرير إصدار الرسالة، ثم إلى سحبها بعد ساعات قليلة من نشرها، في خطوة نادرة تعكس حجم الضغوطات الهائلة التي تعرضوا لها من صفوف حزبهم. تبريرهم كان أن الرسالة صدرت عن طريق الخطأ، وأنها كتبت بين شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) الماضيين، وحصدت هذه التواقيع حينها؛ لكنها لم ترسل في الوقت المناسب.
وأصدر عدد من الموقعين بيانات شاجبة لإصدار الرسالة، قائلين إنهم وقعوا عليها قبل أشهر، وإنهم لم يستشاروا قبل كشفها. وقال النائب الديمقراطي مارك بوكان: «هذه الرسالة كتبت في يوليو الماضي وليس لدي أدنى فكرة عن سبب كشفها الآن. هذا توقيت خاطئ»؛ ليتوافق معه زميله الديمقراطي مارك تاكانو مضيفاً: «وحدهم الأوكرانيون لديهم حق تحديد شروط نهاية هذه الحرب». ولم يتوقف سيل التبريرات عند هذا الحد؛ بل عمد البعض إلى تبرئة أنفسهم من الرسالة، كالنائب الديمقراطية سارة جاكوبز التي قالت إنها وقعت عليها في نهاية يونيو الماضي، لكن «كثيراً من الأمور تغيّرت منذ ذلك الوقت، وما كنت لأوقعها اليوم».
ووصل الأمر بالبعض في الحزب الديمقراطي إلى اتهام الليبراليين بـ«مد غصن زيتون لمجرم حرب (بوتين) يخسر حربه»، وهذا ما ورد على لسان النائب الديمقراطي جايك أوتشينكلوس. وقد أتت هذه الموجة من التبريرات والتعليقات في محاولة لتصحيح ما كشفت عنه الرسالة، وهو نمو معارضة داخلية في صفوف الحزب الديمقراطي وانتقاد مباشر لسياسات بايدن في هذا الملف.
ومن الواضح أن الليبراليين أخطأوا في حساباتهم لدى إصدار هذا الموقف من حيث التوقيت؛ إذ اتهمهم البعض بمحاولة التودد إلى الناخبين في ولاياتهم الغاضبين من تخصيص هذه الأموال الطائلة لأوكرانيا في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة تضخم. وتقول الرسالة المسحوبة: «الصراع في أوكرانيا أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز والغذاء في الولايات المتحدة وتأجيج التضخم وارتفاع أسعار البنزين في الأشهر الاخيرة». وعلى الرغم من تراجع الليبراليين عن موقفهم في الوقت الراهن، فإن التخوف الأساسي هو أن تعود هذه المواقف إلى العلن بعد الانتخابات النصفية في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، لتعرقل بذلك تمويل الحرب في أوكرانيا الذي وصل حتى الساعة إلى نحو 63 مليار دولار من الأموال التي خصصها الكونغرس للحرب.
ولعل ما أثار استياء البيت الأبيض والديمقراطيين على حد سواء، هو أنهم تعرضوا لنيران صديقة في الأسبوع نفسه الذي تحدث فيه بعض الجمهوريين للاعتراض على تمويل الحرب؛ إذ حذر زعيمهم في مجلس النواب، كيفين مكارثي، بأن الكونغرس لن يقدم «شيكاً على بياض» للحرب في أوكرانيا في حال انتزاع الجمهوريين الأغلبية في مجلس النواب، وهو المتوقع وفق استطلاعات الرأي. تصريح مهم جداً؛ خصوصاً أن مكارثي سيصبح رئيساً لمجلس النواب في حال فوز الجمهوريين؛ مما يعني أنه سيتمكن من عرقلة أي تمويل تطلبه الإدارة.
لكن موقف مكارثي أيضاً أظهر شرخاً آخر بين الجمهوريين في هذا الملف، فالشق اليميني من الحزب يدعو إلى التدقيق في التمويل المخصص لأوكرانيا، كالنائب الجمهوري جيم بانكس الذي قال إن «مجلس النواب بأغلبية جمهورية سوف يضع احتياجات الأميركيين أولاً. لا نستطيع الاستمرار في صرف غير محدود على أي دولة أجنبية فيما يعاني شعبنا هنا في الداخل». أما الصقور من الجمهوريين، كزعيمهم في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل، فيدعمون تكثيف المساعدات وتسليمها بشكل «أسرع وأكثر فاعلية لأوكرانيا».
وفي ظل كل هذا التباين والتأرجح والاختلاف في المواقف، تبقى النتيجة واحدة: حصول بايدن على كل ما يطلبه في ملف الحرب في أوكرانيا لن يكون بالسهولة نفسها من الآن فصاعداً.
نواب ديموقراطيون يسحبون رسالة تطالب بوقف حرب أوكرانيا
نواب ديموقراطيون يسحبون رسالة تطالب بوقف حرب أوكرانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة