تصاعدت الضغوط الأممية والأوروبية على روسيا، أمس، بعدما علقت مشاركتها في اتفاق البحر الأسود، لتقطع بذلك شحنات الحبوب القادمة من أوكرانيا.
وعلقت روسيا السبت الاتفاق بشأن صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية الحيوية لإمدادات الغذاء العالمية، وذلك ردا على هجوم تقول إنه استهدف أسطولها في البحر الأسود المتمركز في خليج سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم، وألقت باللوم فيه على أوكرانيا وبريطانيا.
واستنكرت وزارة الدفاع البريطانية ما اعتبرته «ادعاءات خاطئة» تهدف إلى «تحويل الانتباه»، في حين أشار مسؤول أوكراني إلى أن الحادث سببه «تعامل القوات الروسية بإهمال مع متفجرات».
وأتاح اتفاق الحبوب تصدير ملايين الأطنان من الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية منذ بدء النزاع في فبراير (شباط). وتسبب الحصار المفروض على موانئ أوكرانيا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما أثار مخاوف من حدوث مجاعة في دول عدة.
اتصالات أممية... وتركية
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن «قلقه البالغ» حيال وقف صادرات الحبوب بحرا. وقال الناطق باسمه إن «الأمين العام يشعر بقلق بالغ حيال الوضع الحالي المرتبط بمبادرة الحبوب في البحر الأسود»، وتابع أنه قرر تأجيل مغادرته لحضور القمة العربية في الجزائر لمدة يوم من أجل التركيز على هذه القضية، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. ويعد الاتفاق الذي وقعته روسيا وأوكرانيا بوساطة تركيا والأمم المتحدة أساسيا للتخفيف من حدة الأزمة الغذائية العالمية التي تسبب بها النزاع.
وقالت روسيا إنها ستعلق مشاركتها فيه بعدما اتهمت كييف بتنفيذ هجوم «كبير» بمسيرات استهدف أسطولها في البحر الأسود، وهو ما وصفته أوكرانيا بـ«الذريعة الكاذبة». وقال الناطق باسم غوتيريش إن «الأمين العام يواصل إجراء اتصالات مكثفة تهدف لوضع حد لتعليق روسيا مشاركتها في مبادرة الحبوب في البحر الأسود». وأضاف أن هذه الجهود تهدف أيضا إلى «تجديد وتطبيق المبادرة بشكل كامل من أجل تسهيل تصدير الأغذية والأسمدة من أوكرانيا، وإزالة باقي العقبات التي تقف في طريق تصدير الأغذية والأسمدة الروسية».
من جهته، أجرى وزير الدفاع التركي محادثات مع نظيريه في موسكو وكييف في مسعى لإحياء اتفاق البحر الأسود، وذلك حسبما قالت وزارة الدفاع التركية في بيان أحد. وجاء في البيان أن خلوصي أكار طلب من الطرفين تجنب أي «استفزاز» قد يؤثر على استمرار الاتفاق. وتابع أن «تفتيش السفن المحملة بالحبوب التي تنتظر أمام مضيق البوسفور سيستمر اليوم وغدا»، كما ذكرت وكالة «رويترز».
وأوضحت وزارة الدفاع أن «الطاقم الروسي العامل في مركز التنسيق المشترك في إسطنبول لا يزال موجودا في المركز. خلال هذه الفترة، لن تغادر أي سفينة أوكرانيا».
وفي وقت مبكر من يوم أمس، قال مركز التنسيق المشترك المكلف بالإشراف على الاتفاق الدولي، الذي وُقع في إسطنبول، إن أي حركة لنقل الحبوب الأوكرانية في البحر الأسود لم تتم المصادقة عليها. وأحصى المركز الذي يضم مندوبين لروسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة، هذا الأسبوع، أكثر من 170 سفينة شحن تنتظر خضوعها للتفتيش قبالة إسطنبول، علما بأن بعضها ينتظر منذ اثني عشر يوما. والاتفاق الذي بدأ تنفيذه في الأول من أغسطس (آب) وينتهي مفعوله في 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، أتاح تصدير نحو 9.3 مليون طن من الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى انطلاقا من الموانئ الأوكرانية، بحسب وزارة الدفاع التركية.
بدوره، أشار مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى أنه ناقش مع غوتيريش تنسيق التحركات الرامية للمحافظة على استمرار الصادرات من أوكرانيا، قائلا إن «على روسيا العودة إلى الاتفاق».
أما حلف شمال الأطلسي، فحث أمس موسكو على التمديد العاجل للاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة. وقالت المتحدثة باسم الحلف أوانا لونجيسكو: «يتعين على الرئيس بوتين التوقف عن استغلال الطعام كسلاح، وإنهاء حربه غير الشرعية على أوكرانيا». وأضافت «نطالب روسيا بإعادة النظر في قرارها، وتمديد الاتفاق بشكل عاجل بما يسمح بوصول الغذاء لمن هم في أمس الحاجة إليه». وأشارت إلى أن جميع أعضاء الحلف سبق أن رحبوا بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بمساعدة تركيا.
هجوم بالمسيرات
أعلنت روسيا، أمس، أنها عثرت على حطام المسيرات التي هاجمت أسطولها في سيفاستوبول، مشيرة إلى أنها استخدمت «منطقة آمنة» لتصدير الحبوب وطرحت احتمال أن تكون أُطلقت من «سفينة مدنية».
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن «مسيرات بحرية كانت تتحرك في المنطقة الآمنة التابعة لممر (تصدير) الحبوب»، مضيفة أنها «رفعت» جزءا من حطام المسيرات من البحر، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وتقول السلطات الروسية إن الهجوم وقع في الساعات الأولى من صباح السبت «بتسع طائرات مسيرة وسبع مسيرات بحرية»، ما تسبب «بأضرار طفيفة» لسفينة كاسحة للألغام. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن عددا من المسيرات المستخدمة يضم «وحدات ملاحية كندية الصنع». وأشارت إلى إمكان أن تكون إحدى المسيرات أطلقت من «على متن إحدى السفن المدنية التي تستأجرها كييف أو أسيادها في الغرب لتصدير المنتجات الزراعية من موانئ أوكرانيا».
«حجة كاذبة»
رفضت أوكرانيا تبرير روسيا لتعليق مشاركتها في اتفاق البحر الأسود. ونددت كييف بهذه «الحجة الكاذبة»، ودعت إلى ممارسة الضغط على موسكو «لتلتزم مجددا باحترام واجباتها». وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن القرار الروسي «لا يعود لليوم فقط. فروسيا بدأت تفاقم أزمة الأغذية العالمية في سبتمبر (أيلول) عندما باشرت تعطيل حركة السفن التي تنقل منتجاتنا الزراعية».
وأضاف أنها «نية واضحة لروسيا للتلويح مجددا بهاجس المجاعة على نطاق واسع في أفريقيا وآسيا». وقال إن موسكو عطلت حركة ما لا يقل عن 176 سفينة حتى الآن، مشددا على ضرورة حصول «رد دولي صارم على مستوى الأمم المتحدة، ولا سيما مجموعة العشرين».
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، السبت، إن قرار روسيا الانسحاب من الاتفاق الذي يسمح بتصدير الحبوب من أوكرانيا «شائن». وأضاف خلال حديثه إلى صحافيين «ليس هناك سبب ليفعلوا ذلك».
أما وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فقال: «بتعليقها الاتفاق، تستخدم روسيا مجددا الغذاء سلاحا في الحرب التي شنتها، ما يخلف تداعيات مباشرة على الدول ذات الدخل المنخفض وعلى الأسعار العالمية للسلع الغذائية، ويؤجج الأزمات الإنسانية وانعدام الأمن الغذائي الخطر أساسا».
يشار إلى أنه قبيل إعلان تعليق اتفاق الحبوب، انتقد وزير الزراعة الروسي الاتفاق مجددا على التلفزيون، متهما دول الاتحاد الأوروبي باحتكار الصادرات الأوكرانية التي ينبغي أن تذهب إلى البلدان الفقيرة. وسبق أن نفى مركز التنسيق الموجود في تركيا هذه الادعاءات. وقال دميتري باتروشيف إن «اتفاق الحبوب للأسف لم يحل مشاكل البلدان المحتاجة، بل فاقمها أيضا إلى حد ما».