تقرير أممي: المهاجرون الأفارقة إلى اليمن يتعرضون للاستغلال والتعذيب

الحوثيون يواصلون نقلهم قسراً إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية

مهاجر إثيوبي مع أسرته أعادته منظمة الهجرة الدولية من اليمن جواً إلى بلاده (الأمم المتحدة)
مهاجر إثيوبي مع أسرته أعادته منظمة الهجرة الدولية من اليمن جواً إلى بلاده (الأمم المتحدة)
TT

تقرير أممي: المهاجرون الأفارقة إلى اليمن يتعرضون للاستغلال والتعذيب

مهاجر إثيوبي مع أسرته أعادته منظمة الهجرة الدولية من اليمن جواً إلى بلاده (الأمم المتحدة)
مهاجر إثيوبي مع أسرته أعادته منظمة الهجرة الدولية من اليمن جواً إلى بلاده (الأمم المتحدة)

كشفت الأمم المتحدة عن انتهاكات واسعة تطال المهاجرين من القرن الأفريقي على يد عصابات المهربين في اليمن وإثيوبيا، مؤكدة تعرضهم لانتهاكات جنسية طالت حتى الأطفال منهم، في جميع نقاط العبور التي تبدأ عند الوصول إلى شواطئ اليمن، وامتداداً إلى مناطق سيطرة الحوثيين الذين ينقلونهم قسراً إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
ويصل شهرياً نحو خمسة آلاف مهاجر إلى اليمن، الذي يستضيف عشرات الآلاف على الرغم من الحرب، أغلبهم من حملة الجنسية الإثيوبية، حيث بلغ عدد من وصلوا منذ بداية العام الحالي 42 ألف مهاجر، وفق بيانات الأمم المتحدة.
وتقول منظمة الهجرة الدولية، إنه خلال الفترة من يوليو (تموز) وحتى سبتمبر (أيلول) الماضي، سجلت مصفوفة تتبع النزوح وصول أكثر من 15700 مهاجر إلى شواطئ اليمن، مما رفع إجمالي عدد الوافدين خلال العام الحالي إلى أكثر من 42 ألف شخص.
وذكرت المنظمة أنه من بين عشرات الآلاف من المهاجرين الذين وصلوا، معظمهم من إثيوبيا والصومال، «كان هناك عديد منهم لا يزالون يواجهون مخاطر حماية شديدة مثل الاختطاف والتعذيب والاحتجاز والاستغلال».
ولاحظت المنظمة «ازدياد عدد المهاجرين الذين يقتربون من نقاط استجابة المهاجرين، التابعة لها، في كل من عدن ومأرب للحصول على المساعدة»، مما يشير إلى «الوضع القاسي الذي يواجهه المهاجرون على الدوام في جميع أنحاء البلاد».
- شبكات تهريب قوية
تقرير «الهجرة الدولية» أكد أن «طرق الهجرة الرئيسة عبر البلاد لا تزال تحت سيطرة المهربين والمتاجرين الذين لا يرحمون».
وقال: «تلك الحقيقة تشير إليها بشكل متزايد تقارير مراقبة الحماية، حيث يحتفظ المهربون على وجه الخصوص بشبكات قوية تستغل أوضاع المهاجرين الضعيفة، حيث يتعرض هؤلاء للابتزاز والعمل القسري والاغتصاب، من بين أشكال أخرى من الإساءة لإبقاء المهاجرين محاصرين في ظروف غير إنسانية». وبحسب ما جاء في التقرير، فإنه في مناطق العبور مثل مأرب، يتمتع المهربون بوجود لا يمكن إنكاره وتأثير كبير على التحركات داخل وخارج المحافظة، وصولاً إلى شمال اليمن.
كذلك في المناطق القريبة من نقاط الإنزال، مثل رأس العارة (محافظة لحج).
ويبلِّغ المهاجرون بشكل روتيني عن الاعتداء الجسدي والاحتجاز عند وصولهم، حيث يتم ابتزازهم للحصول على أموال إضافية قبل إطلاق سراحهم ومواصلة رحلاتهم، وفي كثير من الأحيان، يتم إرسال صور الاعتداء إلى أفراد الأسر في بلدانهم الأصلية من أجل استفزازهم لإرسال الأموال لتأمين الإفراج.
- صراع بين المهربين
التقرير ذكر أنه تم الإبلاغ عن «انتهاكات جنسية ارتكبها المهربون ضد المهاجرين، بمن فيهم الأطفال، في جميع نقاط العبور في اليمن من الساحل وحتى الحدود الشمالية».
وتحدث التقرير للمرة الأولى عن صراع على السلطة بين كل من المهربين اليمنيين والإثيوبيين، حيث لجأ المهربون إلى العنف ضد بعضهم البعض من أجل السيطرة على تحركات المهاجرين، الذين يتحملون وطأة العواقب الوحشية، وهو ما زاد من تفاقم أوضاعهم.
ومع أن هذه الممارسات الاستغلالية شائعة، ليس فقط أثناء عبور المهاجرين في اليمن، ولكن أيضاً أثناء انتظار عودتهم، حيث يشير التقرير إلى أنهم عند عودتهم إلى ديارهم بشكل مستقل (بسبب الظروف ونقص المساعدة المتاحة) عن طريق القوارب في رحلة محفوفة بالمخاطر «يُجبرون بشكل روتيني على العمل لفترة غير محددة من الوقت، ويتم احتواؤهم في ملاجئ غير مناسبة وحرمانهم من الطعام والماء وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية».
- اغتصاب 130 امرأة
وقالت «الهجرة الدولية»، إن النساء والفتيات معرضات بشكل غير متناسب لخطر الانتهاكات، لأنهن يظللن «سلعة» ذات قيمة عالية للمهربين والمتاجرين بالبشر، وأقرت بأنه «أصبح من الصعب بشكل متزايد الوصول إلى تلك الانتهاكات» من قبل الجهات الفاعلة في المجال الإنساني.
وذكرت أنها لاحظت عدة أمثلة على هذا الواقع «حيث بدأ المهربون في منع دخول المهاجرات إلى المواقع التي يمكن أن يتلقين فيها المساعدة، وأنه تم نقل عدد كبير منهن إلى مناطق لا يتوافر فيها سوى قليل من الخدمات أو لا تتوفر بالمطلق»، وبحيث يمكن للمهربين احتواؤهن واستغلالهن في أوكار التهريب دون التعرض لخطر «فقدانهن» أمام الجهات الفاعلة في مجال الاستجابة.
وبالإضافة إلى ذلك، وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة المشمولة في التقرير، أفاد شركاء العمل الإنساني بأن «أكثر من 130مهاجرة تعرضن للاختطاف من المخيمات من قبل المهربين، وتعرضن للاغتصاب والتحرش الجنسي وأشكال أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي»، وأن الصدمات النفسية والجسدية التي يعاني منها الناجون من هذه الحوادث، لا تزال دون معالجة بسبب محدودية الوصول والموارد.
وبحسب المنظمة، فإن الوضع على طول المناطق الحدودية «محفوف بالمخاطر مع استمرار الإبلاغ عن الانتهاكات المرتكبة ضد المهاجرين»، في وقت يستمر فيه الإبلاغ عن النقل القسري للمهاجرين من مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.


مقالات ذات صلة

مهاجرون باكستانيون عالقون على الحدود بين مالي وموريتانيا

شمال افريقيا قوات بحرية إسبانية تعترض قارب مهاجرين غير نظاميين انطلق من سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)

مهاجرون باكستانيون عالقون على الحدود بين مالي وموريتانيا

«رغم المسافة الكبيرة التي تفصل موريتانيا عن باكستان، والتي تقدر بنحو 7700 كيلومتر، فإنها أصبحت وجهة للمهاجرين الآسيويين».

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ تعيينات دونالد ترمب في إدارته الجديدة تثير قلق تركيا (رويترز)

ترمب يؤكد عزمه على استخدام الجيش لتطبيق خطة ترحيل جماعي للمهاجرين

أكد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية بشأن أمن الحدود واستخدام الجيش الأميركي لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار بالبشر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».