الاستحقاقات الداهمة «تؤخر» الملف اللبناني مع «صندوق النقد»

خبير اقتصادي يدعو إلى التخلي عن سياسات «استعداء الإصلاحات»

مواطنون أمام آلة لسحب النقود بعدما أغلقت مصارف لبنان أبوابها اعتباراً من 7 أكتوبر في ظل تكرر حوادث اقتحام فروعها من مودعين يطالبون باسترداد مستحقاتهم (إ.ب.أ)
مواطنون أمام آلة لسحب النقود بعدما أغلقت مصارف لبنان أبوابها اعتباراً من 7 أكتوبر في ظل تكرر حوادث اقتحام فروعها من مودعين يطالبون باسترداد مستحقاتهم (إ.ب.أ)
TT

الاستحقاقات الداهمة «تؤخر» الملف اللبناني مع «صندوق النقد»

مواطنون أمام آلة لسحب النقود بعدما أغلقت مصارف لبنان أبوابها اعتباراً من 7 أكتوبر في ظل تكرر حوادث اقتحام فروعها من مودعين يطالبون باسترداد مستحقاتهم (إ.ب.أ)
مواطنون أمام آلة لسحب النقود بعدما أغلقت مصارف لبنان أبوابها اعتباراً من 7 أكتوبر في ظل تكرر حوادث اقتحام فروعها من مودعين يطالبون باسترداد مستحقاتهم (إ.ب.أ)

يرتفع منسوب الهواجس لدى المؤسسات الدولية، كما في الأوساط الاقتصادية والمصرفية المحلية، من تمادي السلطات اللبنانية في عدم الاستجابة للتحذيرات من نفاد المهل المتاحة للخروج من سياسة تأخير إقرار التشريعات الإصلاحية والتي تشكل حزمة شروط لازمة لإنجاز تقدم حقيقي على طريق الوصول إلى المحطة الأخيرة في ملف اتفاقية البرنامج التمويلي مع صندوق النقد الدولي.
فبعد مضيّ أكثر من 6 أشهر على توقيع الاتفاق الأوّلي على مستوى الموظفين، والذي توّج انعقاد عشرات الجلسات المشتركة، المباشرة منها أو عبر تقنية «الفيديو» في عهدَي حكومتين متعاقبتين منذ ربيع عام 2020، لا تزال الخطة الحكومية الأحدث للإنقاذ والتعافي، ومعها التزامات مشاريع القوانين الموعودة في طور الصياغة غير المكتملة، في ضوء الملاحظات الجديدة لوفد صندوق النقد وما يبديه النواب والهيئات الاقتصادية والمالية من ملاحظات بشأن قصور التعديلات المستجدة عن التطابق مع مضمون وعود سابقة أدلى بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لدى مشاركته قبل 3 أشهر في اجتماع لجنة المال والموازنة.
كما لوحظ أن التعديلات المستجدة على الخطة لم تحمل أي ضمانات لطمأنة المودعين الخائفين من الضياع الشامل لمدخراتهم، بل هي كرّست التنصل المشهود للدولة من تحمّل جزء مطابق لمسؤوليتها ولمسؤولية البنك المركزي عن الفجوة المالية التي تقدّرها الخطة بنحو 75 مليار دولار.
وقد فرضت القضايا الدستورية والوطنية الداهمة بدءاً من مسألة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، والمتزامنة مع الانشغال الداخلي باستحقاقَي ترتيب الوضع الحكومي وانتهاء ولاية رئيس الجمهورية في نهاية الشهر الحالي، أولويتها المطلقة على جدول أعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما يشي بتأخير إضافي يصعب تحديد مداه الزمني لكنه سيطرأ تلقائياً على استكمال الخطوات الإجرائية والقانونية التي التزمها الجانب اللبناني للوصول إلى الاتفاق النهائي مع الصندوق، وبما ينص خصوصاً على برنامج تمويلي بقيمة 3 مليارات دولار خلال 46 شهراً.
ويؤكد الخبير المصرفي والاقتصادي الدكتور جو سرّوع أن التقدم الموعود بات مرتبطاً وبصورة بدهية بالانتهاء من الاستحقاقات الداهمة في المجمل، وما يؤمّل أن ترسو عليه من توليد مناخات جديدة ومختلفة لجهة ترسيخ الاستقرار الداخلي وإعادة انتظام المؤسسات الدستورية وإرساء توافق عريض وتشاركي بين القطاعين العام والخاص، بما يمهّد الطريق للشروع فعلياً في مواكبة الإصلاحات الهيكلية التي تكفل وحدها إخراج لبنان واقتصاده من مستنقع أزماته، وتؤسس ركائز استعادة الثقة المفقودة داخلياً وخارجياً.
وبموازاة تحذيرات إدارة الصندوق للجانب اللبناني بأن الوقت بات داهماً لتحقيق التقدم في المفاوضات في ضوء الركود الاقتصادي العالمي والمخاوف من صعوبات عالمية في مجال الطاقة والغذاء، ينوّه سروع في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الاهتمام الدولي بلبنان لا يزال متوفراً، إنما ينبغي في المقابل الإسراع في الخطوات المطلوبة والتخلي عن سياسات «استعداء الإصلاح» التي تعتمدها السلطات ومراكز القرار في الدولة والتي دفعت مؤسسة البنك الدولي إلى اتهام المنظومة السياسية بتعمّد قيادة البلاد إلى الكساد والانهيارات.
ومن واقع التحولات العميقة التي منحت مساحات كبيرة ووازنة للاقتصاد النقدي والذي تتحكم بمفاصله جماعات متنوعة بعضها ينشط جهاراً خارج التشريعات والقوانين الناظمة، يؤكد الخبير المصرفي أن المؤسسات الدولية والدول المانحة لن تستجيب بشكل فعال لمعاونة لبنان ما لم تتحقّق من إعادة تكوين نظام مالي ونقدي متكامل يسد منافذ الفساد ويلاحق التحويلات العائدة للأشخاص الذين لديهم أو لدى أفراد أسرهم مناصب حكومية أو ارتباطات سياسية، أو التحويلات التي تحمل شبهات نهب أموال عامة، كما يرتكز إلى منظومة حوكمة رشيدة تحترم أفضل المواصفات والمعايير الدولية في إدارة مؤسسات الدولة ومرافقها، فضلاً عن إعادة هيكلة سليمة للسلطة النقدية والجهاز المصرفي.
ويشير سرّوع إلى أهمية الامتثال للمنطلقات الأساسية التي تؤمّن استجابة المجتمع الدولي لمساعدة لبنان، ذلك أن «تجاربنا السابقة زاخرة بالتهرّب الصريح من تنفيذ إصلاحات مفصلية تعهدت حكومات متتالية بمواكبتها في مؤتمرات الدعم الدولي من باريس 1 و2 و3 إلى محطة مؤتمر «سيدر» في عام 2018، والذي تعهدت فيه الدول والمؤسسات المانحة بمد لبنان واقتصاده بأكثر من 11 مليار دولار لقاء التزام الحكومة ببرنامج إصلاحي». وإذ ترنو الحكومة إلى إعادة تفعيل نتائج مؤتمر «سيدر»، وفقاً لوعود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فهي تدرك أيضاً، حسب الخبير الاقتصادي، أن هذا الاستهداف مشروط أساساً بعقد الاتفاقية مع صندوق النقد، وبالتالي «فقد حان الوقت للخروج نهائياً من سياسات الشطارة والتذاكي المبنية على الوعود والالتزامات الشفهية. بل ينبغي التماهي مع التجربة الأحدث للصندوق مع دولة سريلانكا التي حصلت على برنامج تمويلي بقيمة 2.6 مليار دولار خلال أشهر، بعدما أظهرت سلطاتها الجدية المطلوبة والصدقية في سلوك خيار الإصلاحات البنيوية سريعاً وبشفافية تامة رغم ما كانت تعانيه من فساد كبير وتخلف في أنظمتها العامة. وينطبق المثال أيضاً على الأرجنتين التي حصلت على التمويل الطارئ للمرة الـ12 على التوالي ضمن استهداف مساعدتها على إعادة هيكلة ديونها الخارجية».
ولا تتردد المؤسسة الدولية في مصارحة المسؤولين اللبنانيين بحساسية عامل الوقت وبأنّ أي تأخير في تطبيق الإصلاحات سيزيد من الخسائر الاقتصاديّة للبلاد. كما أبلغت المديرة العامة للصندوق كريستالينا جورجيفا، الرئيس ميقاتي شخصياً بـ«الحرص على إنجاز الاتفاق النهائي مع لبنان في أسرع وقت، واستكمال الخطوات المطلوبة لبنانياً عبر إقرار المشاريع الإصلاحية في مجلس النواب، ومعالجة موضوع سعر الصرف».
وشدّد وفد الصندوق الذي زار لبنان مؤخراً على «أهميّة تطبيق قانون إعادة إصلاح القطاع المالي بطريقة تحمي المودعين الصغار وتحترم التراتبيّة في توزيع الخسائر».
وأكد الحاجة الماسة لتطبيق الإصلاحات المطلوبة كونها تشكل المطلب الأساسي لبرنامج الصندوق.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

السوريون يحتفلون بتحقيق حلم «ساحة الأمويين» بعد 13 عاماً

آلاف السوريين في ساحة الأمويين محتفين بسقوط نظام الأسد (رويترز)
آلاف السوريين في ساحة الأمويين محتفين بسقوط نظام الأسد (رويترز)
TT

السوريون يحتفلون بتحقيق حلم «ساحة الأمويين» بعد 13 عاماً

آلاف السوريين في ساحة الأمويين محتفين بسقوط نظام الأسد (رويترز)
آلاف السوريين في ساحة الأمويين محتفين بسقوط نظام الأسد (رويترز)

أخيراً، وصل السوريون إلى ساحة الأمويين، التي طالما حلم المحتجون عام 2011 بالوصول إليها لتكون مكاناً جامعاً يرابطون فيه حتى إسقاط نظام بشار الأسد، إلا أن هذا الحلم كان ثمنه غالياً جداً، دفع بعشرات الآلاف من ضحايا النظام والمعتقلين في زنازينه، إضافة إلى ملايين النازحين إلى بلاد العالم.

فتلك الساحة تغصّ اليوم بالآلاف فرحاً واحتفاء بالانتصار، بعدما كان أتباع النظام البائد يمنعون المتظاهرين في بداية الثورة من الوصول إليها، إذ كانوا يشغلونها في العام الأول من الاحتجاجات. ساحة الأمويين أكبر ساحات دمشق، حيث مبنى الإذاعة والتلفزيون ودار الأوبرا وقيادة الأركان والمكتبة الوطنية، بتجمعات الموالين ومنصات لإلقاء الخطب الحماسية وحفلات الغناء. وكذلك الأمر في ساحة السبع بحرات، التي تعتبر أصغر، لكنها تتوسط قلب دمشق التجاري، ويقع فيها مبنى مصرف سوريا المركزي، وكانت في تلك الساحات تعقد الدبكات تحت صور الأسد، في الوقت الذي ترتكب فيه المجازر على مداخل دمشق منعاً لتقدم المحتجين إلى ساحاتها، أبرزها مجزرة الزبلطاني 22 - 4 - 2012 ، كما تحوّلت ساحة العباسيين إلى ساحة حرب واشتباكات.

آلاف السوريين في ساحة الأمويين محتفين بسقوط نظام الأسد (أ.ب)

بعد 13 عاماً، تحقق الحلم ووصل السوريون إلى ساحة الأمويين، رافعين شعار «جمعة النصر»، ومعهم أمنيات بالعيش «الكريم» وسحب السلاح ووقف الانتقامات، والتركيز على بناء سوريا، في ساحة اختلط فيها المقاتلون القادمون من إدلب مع القائد أحمد الشرع، والسيارات الأمنية الجوالة، مع المدنيين الذين التفوا حولهم يحاورونهم ويلتقطون الصور معهم، مهللين بالعلم الوطني، والهتاف «حرية... حرية».

صلاة الجمعة

فمنذ الصباح، بدأ آلاف السوريين في التوافد إلى الساحات والميادين العامة في عموم المناطق السورية للاحتفال، بـ«جمعة النصر»، بعد إسقاط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.

وتوافد آلاف السوريين إلى باحة الجامع الأموي في دمشق، قبيل صلاة الجمعة التي شارك فيها قائد «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع المكنى «أبو محمد الجولاني»، الذي يقود فصيله السلطة الجديدة في دمشق، ورئيس الحكومة الموقتة محمد البشير.

وللمرة الأولى في تاريخ سوريا، ألقى رئيس الحكومة، خطبة الجمعة في الجامع الأموي ذي المكانة الدينية التاريخية في العاصمة، بحضور أكثر من 60 ألف مُصلٍّ، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية.

وتحدث البشير عن «تغيير الظلم الذي لحق بالسوريين، والدمشقيين تحديداً»، مشدداً على «الوحدة بين مختلف أطياف الشعب السوري».

وبعد الصلاة، تدفق آلاف السوريين إلى الساحات، في دمشق والمدن الرئيسية، للاحتفال بالتخلص من نظام الأسد، تلبية لدعوات رسمية وشعبية، دعت إلى الالتفاف حول العلم السوري، في مشهد جماهيري عارم وغير مسبوق في تاريخ سوريا منذ تسلم حزب البعث السلطة عام 1963 بانقلاب 8 آذار (مارس). ورغم غياب التنظيم عن التحشد في الساحات، فإن انتظام المحتفلين كان واضحاً: «كل مجموعة في حلقة تغني وتهتف وترقص رافعين الأعلام السورية. ولم تسجل في ساحة الأمويين أكبر ساحات دمشق أي حالة تجاوز أو إطلاق نار، رغم وجود أطياف شديدة التنوع والتباين وانتشار العسكريين والأمنيين بين الجموع».

آلاف السوريين في ساحة الأمويين محتفين بسقوط نظام الأسد (أ.ب)

وكان قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، دعا مساء الخميس الشعب السوري إلى النزول إلى الميادين احتفالاً بـ«انتصار الثورة»، وعلى الفور عمّت الاحتفالات المدن السورية في أول جمعة بعد سقوط نظام بشار الأسد. ووجّه الشرع في فيديو بثّته معرفات القيادة العامة على الإنترنت: «أود أن أبارك للشعب السوري العظيم انتصار الثورة المباركة، وأدعوهم للنزول إلى الميادين للتعبير عن فرحتهم، دون إطلاق الرصاص وترويع الناس، ثم بعد ذلك لنتجه إلى بناء هذا البلد... وكما قلناها منذ البداية: منصورة بعون الله».

سلفي مع ملثم

مجموعة من العسكريين بوجوه مكشوفة في «هيئة تحرير الشام» كانوا في الساحة التقتهم «الشرق الأوسط»، وسألتهم: «بعد أسبوع، كيف ترون الشام (دمشق)؟ فتوافقوا على جواب واحد، مفاده أنها لا تزال تحتاج إلى جهود كثيرة لتتعافى».

مقاتل ملثم، بدا شاباً في مقتبل العمر، متحمساً جداً، قال: «نحن أمة إسلام، ويجب على النساء أن تحتشم». قال كلامه هذا بينما هو محاط بمجموعة من الفتيات يلتقطن معه السلفي دون أن يعرن انتباهاً لكلامه!! وفي الساحة أقبل الأهالي لالتقاط الصور مع المقاتلين وأسلحتهم وعلى السيارات المموهة بطين المعارك.

وفي الساحة التقت «الشرق الأوسط» ندى عزيز، زوجة عمر عزيز، الذي قتل تحت التعذيب في سجون النظام، فقالت: «تمنيت لو كان عمر حياً وعاش هذا الحلم». وأضافت أنها وزوجها كانا يعيشان في المملكة العربية السعودية، وعام 2011 قرّر عمر ترك عمله والعودة إلى سوريا للمساهمة في الحراك السوري السلمي من أجل مستقبل البلاد، وعمل في تأسيس المجالس المحلية في الغوطة وريف دمشق مع فرق من الشباب، وكان يعمل 20 ساعة، وجرى اعتقاله يوم 20 - 11 - 2012 من قبل المخابرات الجوية، ثم أحيل إلى سجن عدرا بعد 3 أشهر ليموت في السجن. ودعت ندى السوريين جميعاً دون استثناء إلى تحمل مسؤولية بناء بلدهم، وهم لديهم القدرة.

سوري يعبر عن فرحه بطريقته في ساحة الأمويين (الشرق الأوسط)

السيدة أم محمد من حي المزة هنّأت، عبر «الشرق الأوسط»، الشعب السوري بالنصر. وقالت إن سوريا للجميع، متمنية أن «تحمل الأيام المقبلة تعويضاً لهم عن أيام الحرمان».

ياسر من حي الميدان عبّر عن أمله بتحسن الأوضاع، موضحاً أن ما يطلبه الشباب هو «مستقبل جيد». وقال: «نريد أن نبني أنفسنا لنبني سوريا»، رفيقه محمد بدوره تمنى على الشعب السوري «التعاون مع حكومة الإنقاذ، وألا ينجر إلى الفوضى».

فريق عمال النظافة في الساحة أكدوا أن عملهم لم يتوقف منذ اليوم الأول لسقوط النظام، وأن الأهالي يتعاونون معهم في تنظيف الأحياء. أحد عمال النظافة عبّر عن سعادته بعودة ابنه الوحيد الذي اضطر إلى تسفيره للعراق، لأنه «اتهم بتهريب كروز دخان وحكم عليه بالسجن مدة عام».

أحلى نهار

ديما قصار من حي القنوات، قالت بفرح كبير: «هذا أحلى نهار، صبرنا ونلنا. يكفينا (أننا) طلعنا من الظلمات إلى النور، والأيام المقبلة أحلى». أبو محمد رجل، مسنّ كان يرتاح على العشب مع عائلته خلف المتجمهرين، قال: «الحمد الله، الآن عشنا... أنا ولدت من جديد»

وطالب المحتشدون بإعدام بشار الأسد. شاب من درعا أكد بحماس أنهم سيأتون بـ«ابن حافظ الأسد ومحاسبته»، متعهداً بتقديم «المليحي»، وهي أكلة شعبية في الساحات تشتهر بها درعا.

نعيم شاب من حي العمارة عبّر عن سعادته، وأن الشباب يأملون بتحسن واقع العمل، وقال: «نريد أن نعمل فقط... كنا محاربين في كل شيء، حلمي أن أعمر بيتاً دون أن تأتي الحكومة وتهدمه، أن آكل سندويشة شاورما دون أن أدفع ضريبة». ماهر معتقل سابق قال إن الوضع أفضل، وأهم مطلب «سحب السلاح»، فيما طالب محمد بـ«وقف الأعمال الانتقامية والتسامح».